الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السؤال الثاني

اسماعيل موسى حميدي

2019 / 3 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السؤال الثاني
.................................
د.اسماعيل موسى حميدي.......الحوار المتمدن

بينما كان طلبتي بانتظار دخولي للقاعة للبدء معهم الاختبار الفصلي (الامتحان)،وما ان دخلت القاعة حتى لملموا اوراق محاضراتهم وراحوا يتبادلون الاقلام والاوراق الامتحانية واخذوا مواقعهم في الجلوس ، حتى ساد صمت مشوب بقلق داخل القاعة وتهيأ الكل لسماع ما سألقيه عليهم من اسئلة، وهم يوجهون فوهات اقلامهم صوب اوراقهم الخرساء وعيونهم تشزرني من اطراف جبين متكسر محقون بقلق الامتحان..
وعندما شرعت بالقاء الاسئلة عليهم ...قائلا:أكتب ..السؤال الثاني ...حتى سادت ضوضاء ولغط وضحك في القاعة ،قائلين لي أين ذهب السؤال الاول...
فأجبتهم: السؤال الاول هو عليكم ،وانتم من سيضعه ويجيب عنه..الامر الذي فاجأني بعدم استطاعة اغلب الطلبة صياغة سؤال ضمن مفردات ماده الامتحان برغم استيعابهم لتلك المفاهيم ودرايتهم بالاجابة الوافية عنها..
ياترى أين تكمن صعوبة وضع سؤال..وهل بامكاننا وضع اسئلة لانفسنا والاجابة عنها فيما يخص شؤون حياتنا المختلفة...يبدو الامر صعبا ،خصوصا اذا كانت تلك الاسئلة بمثابة اهداف وغايات مغلفة برموز قضاياها حياتية.
غالبا مايكون السؤال الاول صعبا، لان ابتداء الغايات بحاجة الى قناعات مبررة وعنها الاجابة صعبة لارتباطها الفسلفي المتشعب،لذا كل واحد فينا يجد في داخله كثيرا من نمط السؤال الاول مع غموض الاجابة عنه وان وجدت فانها تختلف تأويلا وتفسيرا.وعندها تكون "الفلسفة".
مثلا سؤالنا الاول مع انفسنا عن قضية سبب مجيئنا الى الحياة دون ارادتنا..والجواب حتما صعب للغاية ،وكثيرا ما بحث عنه الشاعر اللبناني "ايليا ابو ماضي" قي قصيدته الشهيرة "لست ادري" ..والتي اتهمه كثير من المسلمين فيها بالالحاد، ربما بسبب عجزهم في الاجابة عن تساؤلاته الفلسفية التي هي قالب الدين عندنا.
إذ يقول "ايليا ابو ماضي" في مطولته الشعرية التي غناها فيما بعد عبد الحليم حافظ بالحان محمد عب الوهاب :
"لست أدري"
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنّني أدري ولكن...
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟
لست أدري!

وبالحقيقة ان الشاعر هنا يتساءل باسئلة منطقية لو فصلناها لوجدناها بالنتيجة عبارة عن مجموعة تأويلات واجتهادات لرجال دين مسلمين اجابوا عنها باختلاف الرأي عندهم بقضية الانسان مخير ام مسير في دنياه.
وأبعد من ذلك، ان الله سبحانه وتعالى اول من وجه تساؤلا الى الانسان وباستغراب عن سبب مجيئه الى الحياة بقوله(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) الاحزاب(72) ولحد الان لم يجد أي انسان سببا منطقيا للهبوط الى الارض سوى الجهل والظلم.
وأول سؤال يسأله الانسان في حياته هو صرخة الميلاد ،التي يبتدئها بسؤال على شكل صرخة استفهامية لم يجد اجابة عنها الا بصرخة ذويه عليه عند موته
ونعود الى السؤال الثاني، فبامكاننا ان نضعه في حياتنا ونجيب عنه بيسر،لانه استيعاب لمفاهيم تعلمناها في السؤال الاول فكانت التجربة والحكمة.
فنفسك لاتسمح لك ان تمرر اخطاء السؤال الاول او بالاحرى تستنفد كل العبر في حسن صياغة السؤال الثاني في اضعف تقدير.مثلا ،سيارتك الثانية التي تقتنيها تكون فيها حكمة في الاختيار اكثر من الاولى ،وكذلك اختيارك لشريك حياتك الثاني بعد انفصالك من الاول، او خريطة بيتك الثاني او اعادة النظر في تعاملك مع اشخاص سبق ان اعطيتهم اهتماما خاصا، وهكذا متى ما استطاع الانسان ان يضع اسئلة ثم الاجابة عنها فانه سيكون عندها مقودا لنفسه وينال مبلغ غايات النجاح.
لذا سر النجاح في الحياة محطتان: الاولى تكمن في صياغة السؤال الاول بنجاح ،والثانية في الاجابة عن السؤال الثاني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو