الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العِلم سبيل السلام و الحرية

حسن عجمي

2019 / 4 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمعٌ بلا عِلم مجتمعٌ بلا سلام و بلا حرية. فقبول العِلم و المشاركة في انتاجه هو الضمانة الوحيدة لبناء السلام و تحقيق الحرية.

العِلم خالٍ من اليقينيات التي لا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال. فتاريخ العلوم يرينا أنَّ النظريات العلمية تُستبدَل بأخرى بشكل دائم كاستبدال نظرية النسبية لأينشتاين بنظرية نيوتن العلمية ما يدلّ على أنه لا توجد يقينيات في العلم. تعتبر نظرية النسبية لأينشتاين أنَّ الجاذبية ليست قوة على نقيض من نظرية نيوتن العلمية. بل , بالنسبة إلى النظرية النسبية , الجاذبية مجرّد انحناء الزمكان (جمع الزمان و المكان).

كما تؤكِّد نظرية النسبية على أنَّ الزمن نسبي فيتسارع أو يتباطأ بتباطؤ أو تسارع الأجسام على نقيض مما تقول نظرية نيوتن التي تصرّ على أنَّ الزمن مطلق و ليس نسبياً. لكن أظهر الاختبار العلمي أنَّ نظرية النسبية هي الأقرب إلى الحقيقة من نظرية نيوتن فتمّ استبدال نظرية النسبية بنظرية نيوتن العلمية. هكذا بعد أن كان العلماء مقتنعين بأنَّ الجاذبية قوة و الزمن ليس نسبياً أصبحوا مقتنعين بنقيض ذلك. من هنا لا يقينيات في العلم.

إن كان العِلم خالٍ من يقينيات فهو بذلك يُحرِّرنا من التعصب ما يحتِّم وجود السلام. فحين تكون معتقداتنا يقينيات بالنسبة إلينا فحينئذٍ معتقداتنا كيقينيات لا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال ما يؤدي إلى تعصبنا لها فرفض معتقدات الآخرين المعارضة لمعتقداتنا أو المختلفة عن معتقداتنا ما يتضمن بدوره رفض الآخرين. و بهذا ينشأ التعصب ضدّ الآخرين و يسود رفضهم ما يؤسِّس للصراعات و الحروب. على هذا الأساس , إن تحوّلت معتقداتنا إلى مجرّد معتقدات ممكنة الصدق أو محتملة الصدق و تخلينا عن يقينياتنا فعندئذٍ يزول التعصب و رفض الآخرين ما يُسبِّب نشوء السلام و سيادته.

من هذا المنطلق , التحرّر من يقينياتنا هو السبيل الوحيد لإحلال السلام لأنه ينقذنا من التعصب لِما نعتقد. لكن العلم خالٍ من اليقينيات بل العلم يقاتل اليقينيات و يحررنا منها (و إلا لم يتطوّر العلم و لم يتمكن من صياغة نظريات علمية جديدة من جراء سجنه بيقينيات لا تقبل المراجعة و الاستبدال). الآن , بما أنَّ العلم يحرّرنا من اليقينيات بينما التحرّر من اليقينيات هو السبيل الحق لإحلال السلام , إذن قبول العلم و المشاركة في انتاجه هما السبيل الوحيد لتحقيق السلام. هكذا العلم سبيل السلام.

الشعوب التي ترفض العِلم و لا تشارك في انتاجه تعاني من الفتن و الصراعات و الحروب لأنها تتعصب لمعتقداتها فترفض الآخرين. من هنا , فقط الشعوب التي تقبل العلم و تؤمن بالتفكير العلمي و تتبناه و تشارك في بناء العلوم تتحرّر من يقينياتها فمن تعصبها فتتمكّن من العيش في سلام. أما استغلال العلم و نتائجه كالتكنولوجيا فلا يُعَد قبولاً للعلم بل هو مجرّد استغلال له من أجل شنّ الحروب و اعلاء رايات الفِتَن.

الشعوب المتخلّفة تستغل العلم لمحاربة الآخرين بينما الشعوب المتطوّرة تستخدم العلم لبناء ذاتها و الآخرين معاً من خلال إحلال سيادة السلام أولاً و استخدام العلم و نتائجه كالتكنولوجيا ثانياً لتطوير ذواتها و الآخرين في آن. أما نحن اليوم فنعاني من الفِتَن و الصراعات و الحروب المتكرّرة لأننا نرفض العلم و لا نتبنى التفكير العلمي و لا نشارك في صياغة العلوم ما حَتَّمَ أن تغدو معتقداتنا يقينيات بالنسبة إلينا فأنتج تعصبنا لِما نعتقد فرفضنا للآخرين و إن كانوا منا. هكذا الطريق الوحيد من أجل تحقيق السلام في شرقنا كامن في قبول العلم و التفكير العلمي و المشاركة في انتاج العلوم.

بما أنَّ العِلم يحرّرنا من يقينياتنا , إذن العِلم هو السبيل لتحقيق الحرية الحقة. فعندما تكون معتقداتنا يقينيات بالنسبة لنا فلا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال فحينئذٍ نُسجَن فيما نعتقد. و بذلك لا بدّ من الخلاص من يقينياتنا لكي نحقق حريتنا بالفعل. و لا نتحرّر من يقينياتنا سوى بالعلم لكونه خالٍ من اليقينيات. من هنا العلم يضمن نجاحنا في التخلّص من يقينياتنا فيضمن حقاً تحقيق حريتنا. لا حرية بلا علم تماماً كما لا علم بلا حرية.

على ضوء هذه الاعتبارات , الثورة الحقيقية هي ثورات علمية أولاً و أخيراً و ليست ثورات مسلّحة. الثورات العلمية بقتالها لليقينيات و تحريرنا من معتقداتنا و سلوكياتنا المُحدَّدة سلفاً تُغيِّر بنيات المجتمع فبنية الدولة ما يؤدي إلى المساواة و الحريات بمعانيها المتعدّدة بفضل اتصاف العلم بالحرية و المساواة معاً. فالعلماء متساوون في الإدلاء بأصواتهم مع أو ضدّ أية نظرية علمية و هُم أحرار أيضاً في صياغة نماذجهم العلمية و الدفاع عنها منطقياً و علمياً. هكذا لا مجتمع حرّ و لا دولة عادلة بلا عِلم يؤسِّس بطبيعته للسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة ترصد مخرجات اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي


.. غالانت: إسرائيل تتعامل مع عدد من البدائل كي يتمكن سكان الشما




.. صوتوا ضده واتهموه بالتجسس.. مشرعون أميركيون يحتفظون بحسابات


.. حصانة الرؤساء السابقين أمام المحكمة العليا الأميركية وترقب ك




.. انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض