الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة إمتلاك الحقيقة

صبحي عبد العليم صبحي
باحث بالفكر الإسلامي المعاصر

(Sobhee Abdelalem)

2019 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن منطق امتلاك الحقيقة - الذي هو مكون اساسي للعقلية العربية إن لم يكن الرئيسي - لا يترك مساحة بطبيعة الحال لوجود أخر ، مما ينجم عنه وجود نمط ثقافي أحادي الرؤية ، والانماط الثقافية التي تتسم باحادية الرؤية يمثل الخضوع جزءا اصيلا في تكوينها ، كون السمة المميزة للجنس البشري ، الاختلاف والتنوع الناجم عن اختلاف معاني الحياة التي تصوغها الاحتياجات الانسانية ، واختفاء هذا الاختلاف والتنوع وغياب النزعة الابداعية المميزة للجنس البشري بوجود نمط موحد ومحدد للتفكير، لابد وأن ينجم عن خضوع لسلطة و أليات تكون هي الموكلة برسم وتكوين هذا النمط ، وانتاج هذه الثقافة .
لذا تكون فكرة السيادة والاقصاء من أهم وأوضح الملامح التي تميز العقل العربي ، لذلك تكون سلطة الاستبداد محايثة للعلاقات الاجتماعية ، والتي تعجز بطبيعة الحال عن افراز أنماط من الحكم تؤمن بوجود وجهة نظر مغايرة وتسمح بحرية الرأي . فالاستبداد لا تمارسه السلطة السياسة فقط ، بل هو مكون اساسي داخل المجتمعات العربية ، فعلي حد قول المفكر والشاعر السوري أدونيس " كل فرد في الامة العربية يري في نفسه النبوة ويجب علي الجميع اتباعه " . فكل تيار سياسي أو فكري أو ديني خاصة ، ينظر إلي نفسه علي انه ضمير الأمة ، المُخلص يسوع هذه الأمة. فكل فصيل سياسي يصعد إلي منصة السلطة ، يجد مبررا بشكل او بأخر يبيح له الاستقلال بالسلطة والاستبداد بالرأي ، ولا يكون هذا لخلل خاص بفصيل بعينه بقدر ما هو سمة مميزة للثقافة التي تتمخض عنها هذه الفصائل السياسية . مما يحُول دون بناء دولة حديثة ، والتي تقوم علي التعددية الحزبية واختلاف الأراء وزوايا النظر . فالمختلف في المجتمعات العربية عادة ما ينظر اليه نظرة الريبة والشك ، وثقافة التباعية و الخضوع التي لا تنظر الي الافكار بامتثالها واثبات صحتها امام العقل الانساني ، بل بقدر ما تستدل به من نصوص دينية أو أراء بعض الرموز الدينية المهيمنة علي تلك الثقافة ، تمكن عادة من اقصاء المختلف داخل كافة الأطر الاجتماعية والسياسية والدينية ، مما يساعد علي ارساء دعائم التنميط في المجتمع والحد من القدرة علي الابداع والتجديد . مما ينتج أجيلا اقصي ما تستطيع فعله هو الاذعان نحو اجندة ما ، هنا أو هناك . فتكون الاستقلالية بعيدة كل البعد عن المجتمعات ذات الثقافة احادية النمط والجانب ، ويكون الخضوع والاذعان محمودا داخلها ، إلي ذلك المستوي الذي يصنع منه قانونا عاما ، لم يرتقي إلي مرتبة الصياغة بعد والاعتماد داخل المؤسسات ، ولكنه علي المستوي الواقعي أشبه يعرف أو قانون يحكم ، ولا اظنني أكون مغاليا إذا قلت أنه أشبه بمعتقد ديني يتعبد به الناس . فكل تيار لا يخرج عن نطاق الثقافة المنتجة له حتي وان كان ناقدا ، فهو مدين بنقده هذا الي تلك الثقافة التي يينتقدها ، فلولا الفعل ما كان رد الفعل . نجد العديد من التيارات تنتقد الأصولية والاستبداد بالرأي وتحاول تقديم خطابا بديلا ، ولكنها لا تقدمه بصيغة الرأي الذي يحتمل القبول أو الرفض أوالتنقيح ، بل تصدره كوثيقة خلاص ، لابد ان يدين لها المجتمع بالطاعة والإذعان . مستدلة هي الاخري بنصوص مختلفة غافلة دور الأفكار والخطابات في اثبات نفسها أمام العقل الانساني ، فثقافة الإجترار والترديد عادة ما تكون بعيدة كل البعد عن الاستقلال ، ولا تجد حيلة امام عجزها عن إنتاج كوادر حقيقية تعمل علي حل الازمات التي تواجه المجتمع وفقا لأليات تتفق مع حاجات المجتمع والمتاح داخل هذا المجتمع ومراعاة الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية التي تختلف بالضرورة من مجتمع لأخر ، بل تحاول استيراد نموذج جاهز أي كان من التاريخ العربي الاسلامي ، أو من المجتمعات الغربية ، المختلفة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا عن المجتمعات العربية . مما يجعل ازمة العقل العربي مرهونة بوجود شيء من الحرية داخل الحركات الاجتماعية ، ومحاولة ابراز دور العقل في حياة الفرد واحترام الاختلاف والتنوع ، والوعي بنسبية رؤية الفرد كونه يري احد جوانب الحقيقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah