الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب - تأسيس ميتافيزيقا الاخلاق -

عبدالله بير

2019 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تأليف : إيمانويل كانت
ترجمة و تقديم : ا . د عبد الغفار مكاوي
القراءة : عبدالله بير
نبذة عن الكتاب .
كتاب " تأسيس ميتافيزيقا الاخلاق " من تأليف ايمانويل كانت ، الطبعة الاولى ، كولونيا – المانيا 2002 ، من منشورات الجمل . ظهر الكتاب بنسخته الاصلية وباللغة المانية في عام 1785 في ريجا لدى الناشر يوهان فريدريش هارتكنوخ ، اي بعد ظهور الطبعة الاولى من كتابة الرئيسي " نقد العقل الخالص " بأربع سنوات ، ويقع الكتاب في 190 صفحة مع الفهرست ، ويتكون الكتاب من ثلاثة اقسام وهي عدا مقدمة المترجم و تمهيد المؤلف :
القسم الاول : الانتقال من المعرفة العقلية المشتركة بالأخلاق إلى المعرفة الفلسفية .
القسم الثاني :الانتقال من الفلسفة الاخلاقية الشعبية إلى ميتافيزيقا الاخلاق .
القسم الثالث : الانتقال من ميتافيزيقا الاخلاق إلى نقد ملكة العقل العملي الخالص.
تناول ( كانت ) في القسمين الاولين الموضوع بطريقة المنهج التحليلي و يتناول في القسم الثالث بالمنهج التركيبي .
المنهج التحليلي هو المنهج الذي يبدا من الوقائع المعطاة ليستخلص منها الشروط و المبادئ الأساسية . اما المنهج التركيبي فيبدأ من الشروط و المبادئ الموجودة في العقل ليستخلص منها الوقائع المعطاة .
نبذة عن حياة المؤلف :
إيمانويل كانت أو إيمانويل كانط (باللغة الألمانية: Immanuel Kant) هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش كل حياته في مدينة كونيغسبرغفي مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان (إيمانويل كانت) آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين (جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم).
طرح إيمانويل كانت منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن أي أن تأثيره امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الواحد والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.
أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه نقد العقل المجرد الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره. يبحث كانت في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزياء التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته, منها كتابه نقد العقل العملي الذي بحث فيه جانب الأخلاق والضمير الإنساني, وكتابه نقد الحكم الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والغائية.
التمهيد :
يبدا الكتاب بتاريخ الفلسفة اليونانية وتقسيم الفلسفة إلى ثلاثة علوم ( مباحث ) رئيسية وهي ( الطبيعة ، الاخلاق ، المنطق ) . و من جهة اخرى تقسيم المعرفة إلى معرفة مادية و تتناول بالبحث موضوعا ماديا ما ، وإلى معرفة صورية و تتناول صور الفهم و العقل نفسه و القواعد العامة للفكر على وجه الاطلاق .
قسم (كانت) الفلسفة إلى، اولاً فلسفة مادية و تقوم على اساس التجربة و هي ايضاَ تنقسم بالتالي إلى الفيزيقا ( الجانب العملي ) و يعالج قوانين الطبيعة و تتكون من جانب تجريبي كالانثروبوجيا و باقي علوم الطبيعية و جانب عقلي ، وإلى الاخلاق ( نظرية الاخلاق ) ويعالج قوانين الحرية و لها جانب تجريبي و جانب عقلي . ثانيا الفلسفة الخالصة ( الجانب النظري) تأخذ نظرياتها عن مبادئ قبلية، اي المعرفة الخالصة التي هي موجودة في عقل كل انسان و يتعرف عليها عن طريق ملكة العقل ، و هي ايضاً تنقسم إلى اولاً الفلسفة الصورية ( المنطق ) و الذي لا يمكن ان يحتوي على جزء تجريبي إلا لما كان يسمى منطقاً .ثانيًا الميتافيزيقا و موضوعاتها الفهم ( وهو العلم الذي يتألف على نحو قبلي من التصورات الخالصة و الموجودة في العقل الخالص و يتعرف عليها الانسان عن طريق ملكة العقل).
فرق (كانت) بين الفيزيقا و الميتافيزيقا ، حيث تستمد الاولى المعرفة من التجربة ، و تستمد الثانية من حاجة كامنة في العقل البشري إلى المعرفة . وقسم (كانت ) الميتافيزيقا ايضاً إلى ، ميتافيزيقا الطبيعة و هي تتناول الطبيعة الجسمية عند الانسان ، و ميتافيزيقا الاخلاق و تتناول إرادة الكائنات العاقلة بما هي عاقلة و تمتلك ملكة العقل .
و قصد ( كانت ) بالميتافيزيقا كل نظام قبلي في البحث يعين شروط المعرفة العقلية الخالصة و حدودها اي (كل نقد ) . و النقد عنده نقد ملكة العقل لدى الانسان بالنظر إلى المعارف التي قد يسعى إليها العقل مستقلا عن كل تجربة . و قصد بالانثروبولوجيا المعرفة العملية فهي تدرس الطبيعة الانسانية في علاقتها بغاياتها الرئيسية و هي السعادة و المهارة و الحكمة و تختلط هنا بينها و بين علم النفس التجريبي.
السؤال الرئيسي الذي طرحه (كانت ) في هذا الكتاب هو " أليس من صواب الراي ان يكون من اشد الامور ضرورة إعداد فلسفة اخلاقية خالصة ، نقية نقاء تاماً من كل ما يمكن ان يكون تجريبياً ومن كل ما يتصل بعلك الانسان (الانثروبولوجيا ) بسبب ذلك ان ضرورة مثل هذه الفلسفة امر يتضح بذاته من الفكرة المعتادة التي لدينا عن الواجب و عن القوانين الاخلاقية ؟"
ان كل انسان لابد ان يسلم بان قانوناً يراد له ان يكون قانوناً اخلاقياً ، اعني قاعدة الالتزام ، ولابد ان يحمل طابع الضرورة المطلقة . مثلا مسالة الكذب و غيرها من المسائل التي تسيء الى الانسان من خلال ممارسته لأخلاقيات معينة ، وهنا رأى ( كانت ) من ميتافيزيقا الاخلاق ضرورة لا غنى عنها في مسالة القانون و الواجب . واعتبر أن التعاليم الاخلاقية واجبة الطاعة و الالتزام بها ، و يجب التمييز بين التعاليم و القوانين ، حيث الاولى غير ملزمة بالطاعة اما الثانية فهي ملزمة ، تقوم على مبادئ تجربة بحتة و نستطيع ان نسميه قاعدة السلوك العملي ، لكننا لا نستطيع بحال من الاحوال ان نطلق عليه اسم القانون الاخلاقي . رأى بان البحث عن القوانين الاخلاقية لا تتم الا بطريقة قبلية في تصورات العقل الخالص وحدها و ليس في التماس في الطبيعة البشرية و لا في ظروف العالم الموضوعي الذي وضع فيه الانسان . واهمية هذه المسالة في رايه بان الانسان كائن ذو ارادة لذا يجب ان يكون القوانين مؤثرة في ارادة الانسان وليس في شيء اخر . ثم تسأل " هل تتعرض الاخلاق إلى الفساد ؟ و كيف يمكن لقانون ان يكون اخلاقيا ؟ " فاجب على هذا التساؤل بان اي قانون لكي يكون اخلاقيا لابد لها ان تكون اولا خيّراً من الناحية الاخلاقية ، و ثانيا وان يحدث من الاخلاق .
اعتقد (كانت ) بان الفلسفة هي وحدها التي تبحث عن اصالة الاشياء و تبعد عن التجربة و لذل لا يمكن لغير فلسفة خاصة و نقية ان تقوم بهذا العمل ، أي تأسيس فلسفة اخلاقية خالصة ، لان أي فلسفة تختلط مبادئ الخالصة بمبادئ تجريبية لا تستحق ان تسمى فلسفة . فاكد ( كانت ) بان مهمة ميتافيزيقا الاخلاق هي تناول بالبحث فكرة و مبادئ الإرادة خالصة ممكنة ، لا ان تتناول افعال و شروط فعل الإرادة الانسانية بوجه عام و التي هي من مهام علم النفس كما يرى ذلك ، لأنه لابد من تمييز بينها و بين المنطق الذي يتناول الافعال و القواعد الخاصة بالفكر الخالص وحده بينما ميتافيزيقا تختص بأفعال و قواعد الفكر على الاطلاق .
القسم الاول
الانتقال من المعرفة العقلية المشتركة بالأخلاق إلى المعرفة الفلسفية
انطلق (كانت ) في هذا القسم من المقولة الفلسفية ( لا يمكن عد شيء خيراً على الاطلاق دون قيد ، اللهم إلا شيء واحد وهو : الإرادة الخيّرة ) لتحليل الموضوعات فلسفية مختلفة من ( الفهم و الذكاء و ملكة الحكم و الشجاعة ... الخ ) بوصفها خصائص المزاج و هي خصائص خيّرة يطمع الانسان إليها ، ولكن هذه الهبات الطبيعية قد تكون سيئة بالغة السوء و الضرر اذا لم هناك إرادة عليها و استخدمها و التي يطلق على اخص خواصها من اجل هذا السبب اسم الطبائع .
حلل ( كانت ) الانسان إلى صفات ( كالفهم ، الذكاء ، الشجاعة ... الخ ) و كذلك إلى هبات ( كالحظ ، والقوة ، و الغنى ... الخ ) و كذلك إلى الصحة ( كالهناء و الرضا ... الخ ) و إلى السعادة ، فاذا لم يكن هناك إرادة خيّرة تدير هذا الصفات و الهبات في الانسان قد تخرج عن السيطرة و يتجبر الانسان او يصاب بالغرور او أي شيء اخر قد يلحق الضرر بنفسه و بغيره . من هنا بيّن ( كانت ) بان الإرادة الخيّرة هي التي توجه الانسان نحو غايات و اهداف عامة و تصحح مبدا السلوك كله . وصف(كانت ) الإرادة الخيّرة بانها :
1. تفترض في أي انسان وجود الإرادة الخيّرة مسبقاً او وجود إرادة طيبة في نفسه .
2. الإرادة الخيّرة لا تكون خيّراً بما تحدثه من اثر او بما تحرزه من النجاح ، لا و لا بصلاحيتها للوصول إلى هذا الهدف او ذاك ، بل تكون كذلك عن طريق فعل الإرادة وحده أي غنها خيّرة في ذاتها .
3. لا يمكن اضافة شيء إلى الإرادة الخيّرة في الانسان فهي خيّرة و تحتفظ قيمتها في نفسها .
4. هناك فرق بين الإرادة الخيّرة و الحس المشترك ولو ان هناك شبه بينهما .
حاول (كانت ) فهم الطبيعة الانسانية عبر تحليل الغرائز التي غرزتها الطبيعة في انفسنا ، ومهام هذه الغرائز تسييرنا في الحياة مثل غريزة الرغبة في الحصول على السعادة ، وسيطرة هذه الغرائز على العقل ، وقال كانت ( لو ان الطبيعة اسند هذه المهمة إلى العقل لكان اسهل على الانسان في رسم خط السعادة لنفسه و لكن هذه الغرائز قد تمنع العقل في كثير من الاحيان في القيادة ) . ولكن حلل (كانت ) قيادة العقل مرة اخرى ، رأى بأن العقل المستنير كلما انصرف إلى تحصيل المتعة في الحياة و السعادة يبعد الانسان عن الرضا الحقيقي ، لأنه اذا اعتمد الانسان على العقل الذي يعتمد على التجربة في كسب المعرفة فإنه لا يحقق السعادة للإنسان إنما يحصل له ( الميزولوجيا ) يعني كراهية البرهان الذي تنشا عنه كراهية الانسان او يصبح تابعاً للذين يحكمونا و يغلوا في مدحهم و بالتالي يحصلون على السعادة و الرضا في الحياة التي يتمنوها .
تسأل (كانت ) اذا ما العمل اذا كان لا الغرائز و لا العقل يصلحان لقيادة الانسان نحو السعادة الحقيقية ؟وضح (كانت) لما كان العقل و الغرائز لا يصلحان للقيادة ، فانه يجب ترك القيادة للغريزة الطبيعية المفطورة في الانسان و التي تكون اقدر في تحقيق هذا الغرض ، أي الفطرة الانسانية السليمة التي لم تتأثر لا بالغرائز و لا بالعقل بعد ، ويعني بها الإرادة الخيّرة . بحيث يكون الخير الاسمى هو الهدف ، وهذه الإرادة و التي ترى الخير الاوحد و لا خير كله .
توقع (كانت ) بان الثقافة قد تكون شرطاً اساسياً في تحقيق الخيّر و تحد في تحقيق السعادة ، من هنا نجد ان ( كانت ) فرّق بين السعادة كمنتج للغرائز و الخير كمنتج للإرادة الخيّرة . وعندما قيام الانسان بفعل خير يشعر بالرضا و التي بنظر (كانت ) اعلى مرتبة من السعادة .
ثم تسأل (كانت ) كيف نعرف ان هذا الفعل خيّر و ليس صادر عن ميل او غريزة انما صادر عن الإرادة الخيّرة ؟ حدد ( كانت ) الفعل الخيّر بشرط واحد وهو مطابق للواجب ويجب ان نقوم به ، فمثلا محافظة الانسان على حياته ، او أي فعل اخر يجب القيام به دون ان يكون هناك دافع عقلي ام ميل حسي معين يقودنا للقيام به .
فرق (كانت ) هنا بين حب الاحسان و حب الميل ، فوصف الاحسان بانه الاحساس بالواجب المحض. اما حب الميل فوصفه بانه قيام بفعل معين في سبيل وصول إلى هدف معين و محدد . لذا رأى أن الفعل الذي يتم عن الاحساس بالواجب لا يستمد قيمته الاخلاقية من الهدف الذي يرجى بلوغه من وراءه بل من مسلمة التي تقرر القيام به وفقاً لها . قال (كانت)إن الاهداف تدفعنا للقيام بأفعال معينة بوصفها غايات و دوافع محركة للإرادة و لكن لا تعطي هذه الافعال أي قيمة اخلاقية .
طرح ( كانت ) السؤال التالي (اين تكمن القيمة الحقيقية لأي فعل ؟)، فوضح بان قيمة أي فعل موجودة في مبدا الإرادة بغض النظر عن كل الغايات التي تتحقق عن طريق هذا الفعل و الاستنتاج الاخير الذي اراد الوصول إلية وهو ( الواجب هو ضرورة القيام بفعل عن احترام القانون )
أي صدور فعل ما عني او عن غيري خال من كل ميل او اثر إنما مجرد إنه مرتبط بإرادتي كمبدأ لها و هذا يصبح قانوناً اخلاقياً ، فالقانون المجرد في ذاته هو وحده الذي يمكن ان يكون موضوعاً للاحترام لأنه امر اخلاقي . هذا القانون هو الذي يحدد تمثيل له إرادتي دون التفات إلى الاثر الناجم عنه كيما يمكن تسمية الإرادة بانها خيّرة . وهنا الاحترام لا يصدر عن ميل او احساس إنما يوجه باعتبارها تمثيل للوفاء بالواجب . { نماذج ، الكذب ، وعد كاذب ، تحايل ، ....الخ}
{ إن المعرفة بما ينبغي على الانسان ان يفعل و بما عليه ، بالتالي ان يعرف يجب ان تكون امراَ يخص كل انسان ، ولو كان اعم عامتهم }
القسم الثاني
الانتقال من الفلسفة الاخلاقية الشعبية إلى ميتافيزيقا الاخلاق .
يبدا القسم الثاني من الكتاب بالسؤال الضمني الاتي ( هل يمكن اكتساب الاخلاق بالتجربة ؟) حلل (كانت ) في هذا القسم المعرفة المكتسبة عن طريق التجربة و ما لها من تأثير على الاخلاق و حياة الانسان . اكد ( كانت ) من خلال تحليله لهذا الموضوع بانه لا يمكن بالتجربة امكانية التحقق من الاخلاق او اكتسابها ، لأنها اولاً لا تتفق مع الواجب و ثانياً لان التجربة دائما تترك اثر معين . ثم ردف إلى ( الفضيلة ) ويقول بانها قضية عقلية لا يمكن ان تخضع للتجربة او إنها موجودة في العقل متضمنة واجبات معينة حُدد الإرادة الخيّرة مبادئ اولية لها مثل ( الوفاء لصديق معين ما ) . لهذا لا يمكن اخضاع القوانين لعميلة التجربة . حاول ( في هذا القسم تحليل الاخلاق عبر تحري عن جذروها الموجودة بين الاشكال المختلفة من تصرفات الانسان من عادات و تقاليد و قيم الاجتماعية ، و يؤسس عليها نظرية اخلاقية بعيدة عن التجربة و العلم و هذا ما يسمى بالميتافيزيقا عند كانت او ( المعرفة القبلية ) . وهذه الميتافيزيقا مستقلة استقلالاً تاماً عن اللاهوت و الفيزيقا و الانثروبولوجيا ، ولكن لا يمكن لها ان تستغني عن معرفة نظرية الواجبات المحدودة تحديداً اكيداً .
و استنتج ( كانت) بان جميع التصورات الاخلاقية و مصدرها قائمان بطريقة قبلية خالصة في العقل ، سواء كان ذلك في العقل الانساني المشترك او في العقل التأملي المجرد الذي بلغ اقصى درجات التأمل و التجريد في الانسان الواحد ( الفرد). لهذا تصور (كانت) بان القوانين الاخلاقية ينبغي ان تكون صالحة لكل كائن عاقل على الاطلاق .
قال (كانت) بان القوانين التي تسيير الطبيعة ، يستطيع فقط الانسان تصورها باعتباره كائناً عاقلاً و يقدر استنباطها عن العقل ، لما كان العقل مطلوباً لذلك فإن لدية الإرادة لذلك ، اذن الإرادة عند (كانت ) هو العقل العملي ، والافعال التي تصدر عنه تعرف من الناحية الموضوعية بانها ضرورية ، ومن الناحية الذاتية هي افعال ضرورية ، وإن الإرادة هي التي تختار فعلاً معيناً من بين عدة افعال مستقلاً عن ميول و نوازع ، اي انه ضروري من الناحية العملية اي انه فعل خيّر. بالتالي يكون هذه الافعال بمقتضى قوانين موضوعية الزماً ، واذا اختلط ميول و نوازع بفعل معين ما تسمى ذلك الفعل بالعارض ، اي ان العلاقة التي تربط القوانين الموضوعية و الإرادة لم يتمكن الخير منها تماماً .
رأى ( كانت ) بان الاوامر الاخلاقية المطلقة يعبر عنها فعل ( يجب ) و تدل بذلك على علاقة قانون موضوعي للعقل بإرادة ما . حدد ( كانت ) نوعين من التأثير على الافعال الصادر عن الانسان وهما :
1. ملكة الاشتهاء للإحساسات و تسمى ميل و يدل على حاجة معينة .
2. تبعية الإرادة للغرائز وتسمى منفعة او مصلحة .
وإن كل فعل تم تصوير عن طريق تصورات العقل الخالص تعتبر صادرة عن إرادة خيّرة و تكون مبدأ صالح من مبادئ يصلح لكل انسان .
تصور (كانت) من هنا أن فعل الإرادة يتفق من تلقاء ذاته اتفاقاً ضرورياً مع القانون ، وإن الإرادة خاضعة دوماً لقوانين (خير) الموضوعية ، وهذا هو السبب ان لا يتفق مع الإرادة الالهية من لان الاخير لا تخضع لفعل الضرورة و يتفق فعل الإرادة مع الاوامر الاخلاقية من جهة اخرى. يتميز الاوامر الأخلاقية عند ( كانت) بالشرطية ومطلقة . و الشرطية في نظره يعبر عن ان الفعل يكون خيّراً بالقياس غلى مقصد ممكن او واقعي ، اما كونها مطلقة وهي تصوير القاعدة العملية المتعلقة بإرادة لا تبادر بالإقدام على فعل لأنه خيّر ، بل ان الإرادة التي صدر منها الفعل تكون ذاتها مطابقة للعقل كمبدأ لتلك الإرادة . ان الفعل الصادر من الإرادة الخيّرة التي تكون مطلقة و شرطية كأمر اخلاقي غير مرتبط بقصد معين و يعد ضرورياً للوصول عن طريقه إلى هدف من اهداف يمكن تحقيقه عن هذا السبيل ، ( مثلا معالجة الطبيب للمريض ....)
حسب راي (كانت ) يتم تنفيذ هذه القوانين بثلاثة طرق وهي :
1. قواعد البراعة و هي اجبار شخص ما للقيام بفعل معين ( كإجبار المريض في اخذ الدواء )
2. نصائح للفطنة : براعة شخص ما في تأثير على اشخاص اخرين لتحقيق مقاصد معينة .
3. الاوامر ( قوانين ) الاخلاق .
وهناك حسب راي (كانت ) ثلاثة انواع من الاوامر وهي :
1. اوامر فنية المتعلقة بالفن .
2. اوامر عملية متعلقة بالرخاء و الصالح العام .
3. اوامر اخلاقية متعلقة بالسلوك الحر بوجه عام ( الاخلاق ) .
و فرق (كانت) بين النصيحة و القانون، و( النصيحة ) قد تنطوي على الضرورة و لكنها مقيدة بشرط ذاتي عارض اي غير ملزم ، اما( القانون) لا يحده اي شرط وهو ضروري ضرورة مطلقة .
طرح (كانت) التساؤل التالي (لماذا علينا ايجاد القوانين ؟)، حاول الوصول إلى أنّ الهدف من القوانين هو توفير السعادة ، و السعادة حسب راي (كانت ) مفهوم فلسفي يحمل عدة دلالات و اعتبر ان جميع عناصر التي تتكون منها فكرة السعادة تجريبية ، اي يستمد من التجربة ، وان فكرة السعادة يلازمها بالضرورة فكرة كل مطلق و قدر اعظم من الاحساس بالهناء في حالتي الراهنة و المستقبلية على سواء . اذن ماهي السعادة في نظر (كانت) و كيف يتم تحقيق السعادة للفرد او للإنسان ؟ يتم تحقيق السعادة عن طريق تطبيق القوانين ، لكي يكون القانون قانوناً ضرورياً ينطبق على جميع الكائنات العاقلة ، ذلك الذي يجعلهم يحكمون دائماً على افعالهم بمقتضى مسلمات من شانها ان يكون في استطاعتهم ان يريدوا لها ان تقوم مقام القوانين العامة . ان القانون كذلك فلابد له ان يكون مرتبطا ( على نحو قبلي خالص) بتصور إرادة كائن عاقل على وجه الاجمال .
فرق (كانت ) بين الفلسفة التأملية و ( الفلسفة العملية ) وميتافيزيقا الاخلاق:
الفلسفة التأملية : لها علاقة بما يحدث و قوانينها .
الفلسفة العملية : لها علاقة باللذة ، و الذوق و الشعور العام بالرضا و الشعور باللذة و الالم .
الفلسفة الطبيعية : لها علاقة بالقوانين التجريبية .
الفلسفة الاخلاقية ( فلسفة الاخلاق ): لها علاقة بالإرادة الخيّرة و علاقتها بالذات العاملة و الفعل الصادر عنه . وعلاقة ملكة العقل في تحديد الإرادة مبدا موضوعاً لتحديد نفسها بنفسها .
تعتمد ميتافيزيقا الاخلاق لدي (كانت) على العناصر الرئيسية { المبدأ الذاتي ، السبب الموضوعي لفعل الإرادة ( البحث المشترك ) ، المبادئ العملية ( الصورية )} و النتائج التي تنتج عن الغايات التي يصفها الانسان لنفسه و مترتبة على فعله . القيمة الناتجة عن العلاقة التي تربط الطبيعة الخاصة التي لملكة الاشتهاء و عند الذات .
القسم الثالث
الانتقال من ميتافيزيقا الاخلاق إلى نقد ملكة العقل العملي الخالص .
سرد (كانت ) التعريف الكلاسيكي للإرادة بانها نوع من العلية تتصف به الكائنات الحية ، من حيث هي كائنات عاقلة . وتعرف الحرية بانها ستكون هي الخاصية التي تتميز بها هذه العلية ، فتجعلها قادرة على الفعل ، وهي مستقلة عن العلل الاجنبية التي تحددها الضرورة الطبيعية ، وهي الخاصية التي تتميز بها العلية لدى جميع الكائنات غير العاقلة و التي تجعل فاعليتها تتحدد بتأثير العلل الاجنبية .
لم يتفق (كانت) مع هذا التعريف للحرية وقال " بان هذا تعريف سلبي ، اما التعريف الايجابي في نظره وهي ان " الحرية ليست في الحقيقة خاصية التي تتصف بها الإرادة وفقاً لقوانين الطبيعة و لا يمكن وصفا بانها مجردة عن كل القوانين ، بل الاوْلى ان يقال إنها يجب ان تكون عليه تسير في افعالها وفقاً لقوانين لا تتحول ، وان كان هذه القوانين من نوع خاص ، وإلا لكانت الإرادة الحرة محالاً ".
قال(كانت ) بان الإرادة و الحرية شيئين و لا يمكن الفصل بينهما إلا لما كانت الإرادة ، اي انها لا تخضع لضرورات الطبيعة التي تستند على السبب و النتيجة في تسير امورها، و التي بالتالي لقوانين خارجة عن إرادتها ، فالإرادة يجب ان تكون حرة في استقلال ذاتي عنها . إن جميع افعال الإرادة هي القانون الذي تصنعه لنفسها ليست إلا صفة اخرى من المبدأ الذي لا يقبل المسلمات ، ولكن هي تحقيق صيفة الامر الاخلاقي المطلق كما هي مبدأ الاخلاقية . من هنا نستنتج بان (كانت ) اعتبر أن الإرادة الخاضعة للقوانين الاخلاقية و الإرادة الحرة شيء واحد .
حاول ( كانت ) في هذا الفصل التركيب بين الإرادة و الحرية و المبدأ الاخلاقي ، ان ارتباط معرفتان ببعضهما البعض بفعل ارتباطهما بمعرفة ثالثة يمكن كلاً منها من ناحيتها ان تتلاقي مع الاخرى فيها . اما في الحرية لا يمكن لهذا التركيب ان تكون ناجعة لان الحرية مرتبطة بفكرة قبلية و كذلك بالأمر الاخلاقي و كليهما لا يمكن ان تتمثلا في العالم المحسوس .
فعلاقة السبب و النتيجة يربط بينهما الزمان و هذا لا يتطابق مع الحرية . و (كانت ) في هذا الفصل اراد اثبات بان الحرية و الإرادة شيء واحد و أن العقل لا يمكن ان يخضع للظروف الخارجية إلا لما كان حراً ، اي متى خضع العقل للظروف الخارجية يصبح تحت تأثير الميول و الرغبات و النوازع ، لهذا السبب ان اي كائن يفعل فعلاً وهو تحت تأثير فكرة الحرية يمكن اعتباره كائن حر ، وان قوانين الحرية تنطبق عليه . ان اي عقل وقع تحت تأثير عوامل خارجية ابتعد عن ملكة الحكمة و لا يعد ذلك العقل مصدر مبادئ و لا يمكن وصفه عقلا عملياً و إرادة كائن عاقل .
ربط ( كانت ) بين القانون و المنفعة الناتجة عن تطبيقها ، لهذا يقسم المنفعة إلى منفعة اخلاقية خالصة مرتبطة بالقيمة الشخصية و منفعة مرتبطة بالرغبات و الميول .
اراد (كانت ) في هذا الكتاب إيجاد حل لمعضلة بين عالم محسوس و عالم معقول ، حيث الاول يمكن ان يتفاوت وفقاً لتفاوت الحساسية لدى مختلف المشاهدين للعالم ، بينما عالم معقول الذي يقوم العالم على اساسه يبقى دائماً لا يتغير . هذا يميز بين طرق كسب المعرفة في عالمين الحسي الذي يأتي من التجربة و العالم المعقول الذي فيه المعرفة قبلية من الحس الباطن ، فالإنسان يعرف نفسه اكثر في عالم معقول اكثر منه في عالم محسوس ، لذا طلب (كانت) من الانسان ان يعد نفسه عضوا في عالم معقول .
نأتي الى سؤال المركزي في الكتاب وهو ( كيف يصبح الامر الاخلاقي ممكناً؟) رأى (كانت ) ان العالم المعقول يحتوي على الاساس الذي ينبني عليه العالم المحسوس كما تنبني عليه تبعاً لذلك قوانينه ، و تستخلص إلى ان الانسان اذا كان عضواً في العالم المعقول فستكون كل افعاله مطابقة كل المطابقة لمبدأ الاستقلال الذاتي للإرادة الخالصة و بالتالي ستقوم افعاله على المبدأ الاعلى الاخلاقي ، اما اذا كان الانسان عضوا في العالم المحسوس فان افعاله ستكون مطابقة للقانون الطبيعي للشهوات و الميول ، وبالتالي للتبعية و للطبيعة و في هذه ستقوم افعاله على مبدأ السعادة بدون الرضا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل