الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بأية ثقافة ستدخل تركيا العالم المتحضر ؟

كوردة أمين

2006 / 4 / 28
القضية الكردية


رن جرس الهاتف في المنزل وعندما رفعت السماعة انساب الى أذني صوت نسائي ناعم يتساءل بلغة انكليزية ركيكة :
- هل يمكنني التحدث مع الدكتور... ؟
- نعم , لحظة من فضلك .
ناولت زوجي سماعة الهاتف , وعدت مسرعة الى ماكنت منهمكة به , وهو قراءة المقالة الرائعة للكاتبة وفاء سلطان (هل من ثقافة تنقذ تلك الامة) والتي كنت أطالعها وأنا مشدودة الحواس لها بشكل عجيب .
تساءلت بفضول :
- من كانت صاحبة الصوت الملائكي هذه ؟ وماذا أرادت منك ؟
- المتحدثة من معهد الدراسات الاستراتيجية في تركيا وجهت لي دعوة رسمية باسم المعهد للمشاركة في مؤتمر ينعقد في اسطنبول في نهاية مايس من هذا العام , وإلقاء محاضرة عن الديمقراطية في العراق وتأثيراتها على دول الجوار , والعلاقات العراقية التركية , وقالت لي إن المعهد قد اختارك لأنه يتابع نشاطاتك ومشاركاتك في المؤتمرات الدولية واهتمامك بالشؤون السياسية وتناولك لقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان ...ألخ .

معقول هذا الذي أسمعه ؟ مؤتمر عن الديمقراطية في تركيا !
أهذه تركيا التي نتحدث عنها ونتهمها بأنها تنتهك حقوق الانسان وتضطهد الكورد وتحاول بشتى الطرق قمع تطلعاتهم وآمالهم وتحرم عليهم أبسط الحقوق الانسانية حتى التكلم بلغتهم , ولا تعترف بهم كشعب مثل غيرهم من شعوب الله على الارض , ولا بانتمائهم الى أمة خاصة بهم وتحظر عليهم ذكر اسم هذه الأمة حتى همسا ً بينهم , وتطلق عليهم تسمية أتراك الجبال !
هاهي تركيا تقيم المؤتمرات حول الديمقراطية وحقوق الانسان ... وهل هناك من دليل أكبر من ذلك على إنسانيتها واحترامها لحقوق البشر ؟ وحتما سيتم الحديث في هذا المؤتمر عن الكورد... أوليس الكورد هم من البشر ؟
لقد ظلمناها والله ...
ظلمها الكورد وكتابهم وباحثوهم .
ظلمتها يا أخي دكتور جبار قادر في كتاباتك وبحوثك القيمة , وأنتم أيضا يا زملائي الكتاب الكورد , ناجي , عوني , دكتور جمال زنكنة , دانا , محسن جوامير , صفوت , فهمي , كارزان .....
كلنا قد أساء فهمها !
وأنت يا كوردة أين كان عقلك يوم كتبت قبل أربعة سنوات إن تركيا عنصرية وفاشية ولها أسوأ سجل لحقوق الانسان في العالم , وتحتاج الى طن من مساحيق التجميل لتجميل وجهها القبيح أمام المجتمع الدولي كي ترضى عنها الأسرة الدولية و يضمها الاتحاد الاوربي بين صفوفه ؟ وكيف فكرت يوما أن تشني مع مجموعة من إخوتك الكتاب الكورد والعرب المناصرين للقضية الكوردية حملة شعواء ضدها عندما أرادت أن تجتاح كوردستان الجنوبية الملحقة بالعراق , وقلتم لها يومئذ بصوت واحد ... لا لدخول القوات التركية ؟
كان ذلك في أواخر عام 2002 قبل تحرير العراق .

صحيح ياما في الحبس مظاليم !

بعد يومين رن الهاتف من جديد وكان على الخط نفس الصوت الناعم يسألني التحدث الى زوجي :

- دكتور أنت تقدر الظروف جيدا وتعرف مكانة معهدنا الحساسة , هناك شروط يجب أن تتقيد بها عند إلقائك المحاضرة ... وفي الحقيقة هي شروط نحرص في كل مرة على عرضها على أي مشارك في مؤتمراتنا , وعليه الالتزام الدقيق بها ...

- تفضلي ماهي هذه الشروط ؟

-لا تذكر أبدا كلمة كوردستان لأنها من المحرمات عندنا .
- لا تتحدث بأي شئ عن الكورد ومشاكلهم .
- لا تتطرق الى الحكومة الكوردية في شمال العراق أو الفدرالية.

- ولكن كيف لي أن أتجنب الحديث عن القضية الكوردية وهي من أكثر القضايا سخونة في المنطقة وأهم ما يشغل دول الجوار وخاصة تركيا ؟ بل إنها اليوم تعد محورا أساسيا لبناء الديمقراطية في العراق و لها تأثيراتها على الشرق الاوسط , من خلال احترام حقوق الشعوب والقوميات غيرالعربية فيه ؟ كيف يمكن إغفال هذه القضية الحيوية وقد أصبحت حكومة إقليم كوردستان حقيقة واقعة والفدرالية مبدأ ثابتا في الدستور العراقي الدائم ؟

- هذه هي شروطنا ..! أنت تعلم يا دكتور عندنا الآن مشاكل جدية على حدودنا مع العراق , والوضع هذه الأيام متأزم وخطير للغاية في ديار بكر وماردين والمدن الحدودية ...
لهذا فأن أي ذكر لكلمة كوردستان أو الفدرالية ستسبب لنا مشاكل كبيرة مع مسؤولين في الحكومة التركية لا يرتاحون أبدا لسماع مثل هذه المصطلحات .

- آسف جدا لا يمكنني قبول أي شرط من هذا النوع , لا يمكنني أن اشترك في مؤتمر يصادر حريتي في التعبير وابداء الرأي , ويكمم فمي , ويحصى علي أنفاسي ! اذا كانت هذه ديمقراطيتكم فبئس ما تدعون , أرجو ان تبلغي المسؤولين عن المؤتمر شكري لدعوتهم وأسفي لعدم المشاركة ... ولا تنسي أن تخبريهم إن الدكتور يقول لكم بعقليتكم هذه هيهات أن تدخلوا الاتحاد الأوربي حتى ولو بعد مائة عام !

إذن هذا هو الوجه الحقيقي لتركيا .
هذه هي الديمقراطية التي تتظاهر بها , وهذه هي العقلية التي تفكر بها ! لم تنجح كل معالم الحضارة الغربية التي تحاول جاهدة التعلق بأذيالها أن تغير منها .
لا يغرنكم عند زيارتكم لأنقرة أو اسطنبول أو أحدى جزر تركيا السياحية مظاهر المدنية المبهرة للعيون , لا تندهشوا اذا رأيتم بناياتها العالية المشيدة على أحدث الطرز العمرانية , لا تخدعكم مباريات ملكات الجمال العالمية التي تشارك بها فاتنات تركيا , ولا مسابقات الأغنية الأوربية التي تحرص على أن لا تفوتها كل عام .
هذه مجرد قشور , أما اللب فهو عقلية مستبدة متشبعة بثقافة قديمة عقيمة , ثقافة تدعو الى أن الجنس التركي الطوراني هو فوق الجميع وأن غيرهم من الأجناس هم في المراتب الدنيا , هكذا يصنفون البشر , أما الكورد بنظرهم فغير مشمولين أصلا بهذا التصنيف !
وجدت مرة رسالة من أحدهم في بريدي الألكتروني يقول فيها أن الكورد خلقوا كي يشتغلوا صباغي أحذية , وخدما في بيوت الاتراك .
هذه هي ثقافة تركيا وهذه هي عقلية ساستها وجندرمتها , وهي مازالت بعد تمني النفس بالدخول في منظومة الدول المتحضرة !!
تقول الكاتبة المبدعة وفاء سلطان أننا نحتاج الى بلدوزر لنجرف به ثقافة ( أبو قتادة ) تلك الثقافة الظلامية المتخلفة التي ابتلت بها الأمة العربية والاسلامية , ونحفر لها سراديب ونطمرها فيها الى الأبد .

وهناك صوت ما برح يتردد في أعماقي : على تركيا أن تبحث عن آلاف البلدوزرات لكي تكنس وتجرف هذا الارث الثقيل من الثقافة الطورانية الاتاتوركية العنصرية وتطمره في سراديب سحيقة ثم تضرم النار فيه قبل أن تفكر باللحاق بركب التطور وتدخل الاتحاد الاوربي .
فمتى سيكون لها ذلك ؟ أفي القرن الحادي والعشرين ونحن في بداياته ؟ أم في القرون اللاحقة... ؟ أية ثقافة ستختار تركيا لتطرق بها باب الدخول الى هذا الاتحاد ؟ هل ثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والاعتراف بالآخر , أم الثقافة التي أدمنتها في قمع الكورد ومحاربتهم وقتلهم وعدم استثناء حتى الأطفال والنساء منهم والتي تجلت علنا في الدعوة التي أطلقها أحد الساسة الأتراك مؤخرا لقمع الانتفاضة الكوردية المستعرة نيرانها الآن شمالي كوردستان ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم