الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالات التنوير 3 مراجعة للثقافة الدينية المهيمنة

احسان طالب

2019 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بين غيبية النص ودنيوية التطبيق :

يرى كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين أن كل مشاكل المجتمعات والدول الإسلامية تحل بالعودة إلى النصوص والأصول الشرعية ، وهي بدورها ستتكفل بالعمل على صنع المعجزات وحل الأزمات وتحقيق سيادة الأمة وحضارتها مثلما فعلت منذ قرون عديدة كما يظنون. فالمنجز الحضاري الإسلامي مازال ماثلا متجليا مهيمنا على الوجدان والوعي الجمعي العربي، موهما العقل الإسلامي بأن ذلك المنجز إنما كان نتيجة حتمية لدور النص في صنع التاريخ، ولا يحق لباحث منصف تجاوز دور النص في بناء الدولة الإسلامية وبسط سيطرتها، لكن الخلاف في مدى قدرة النص وتأثيره الإيجابي في الاستفادة من الإمكانات البشرية الفاعلة مجردة عن السلطة الغيبة، كما هي الحال في الحضارات السابقة واللاحقة للديانات السماوية محل بحث ودراسة لا تستند إلى حكم مسبق ونهائي يفرض التسليم والقبول دون مراجعة أو نقد .
إلى جانب ذلك لا يصح أيضا تجاوز حقيقة أن النصوص المأثورة سيف ذو حدين، يحمل القابلية للنهوض والتقدم ويتيح في ذات الوقت المبررات للقيود والمعوقات العملية والنظرية المحاصرة للفكر والمرسخة للجمود ومعاداة العقل. التراث المنقول بحاجة إلى مراجعة وتدقيق بأسلوب نقدي محايد يفتح الباب للنظر إلى باطن وعمق المعنى ، وما أفرزه من نتائج عملية، لقد بذل علماء المسلمين جهودا جبارة لتخليص النص الأصلي مما ليس منه وسعوا بعزم لتجاوز ما أدخل عليه من إضافات وتأثيرات للديانات السابقة، إلا أن المراجعة و التقصي المطلوبين لن يؤديا المطلوب والمرجو إلا بالوقوف عند نصوص معتمدة منقول موثقة لها ارتدادات سلبية على قيم المدنية وحقوق الإنسان كمخلوق مكرم له حقوقه الطبيعية والسياسية والمدنية والاقتصادية بصرف النظر عن جنسه أو عرقه أو انتمائه الديني.
وفي ذات السياق نقف حائرين حيال الدلالات والتأويلات المتناقضة للنصوص الشرعية المتجلية أولاً: في تعدد وتنوع الفرق والمذاهب الإسلامية المتكاثرة حول مضامين متباينة وفهم متناقض للنص الواحد، فالأصل الذي قامت به وعلية الفرق والمذاهب الإسلامية المتنامية تاريخيا، واحد انبثق عن رسالة الوحي المحمدية الأولية المحدودة ، إلا أن التنوع الشديد والتوجهات الفكرية المتباينة لتلك الفرق تشير بوضوح إلى أهمية وضع النص في سياقات استدلال بشري تاريخي يتصف بما يتحلى به العقل من مرونة واختلاف وتعدد؛ فما بات متواترا ومقدسا في الأزمنة التاريخية الحديثة لم يكن كذلك في القرون الأولى لقيام الدولة الإسلامية، فعلى سبيل المثال لم يكن أحد يقول بعصمة أو نزاهة لغير النبي الكريم وكان الصحابة وآل البيت رجال كرام لهم مكانة مرموقة إلا أنهم محل نقد وتخطيء ومسائلة لا تعفيهم منها مكانتهم القبلية أو الزمانية.
وتزداد الحيرة عند السير قدما في سبيل البحث عن آليات الإثبات والنفي وعن محددات القبول والرفض لما يمكن عده نصا محققا وموثقا من خلافه، و تختلف مدارس التفسير والتأويل للنص الواحد الثابت القطعي الوجود، الظني الفهم و التأويل، من هنا تبدأ إشكالية النص المفترض كونه مفتوحا متاحا لفهم واسع الآفاق مولد للمفاهيم محاصر ومثقلً بموروث تراكمي كاد يطغى على الأصل بل لعله حل محله عبر سياقات تاريخية وضعت حواجز وعقبات دون الوصول المباشر ، و بالغت في عد كل فهم لم ينص عليه خاطئ ولو أصاب .
النص في أصله كامل قطعي نهائي متصفا بما اتصف به قائله – وفقا لمدرسة علم الكلام السنية – وهو إنساني الفهم والتفسير، فالمعوّل عليه في فهمه وتطبيقه وتحويله لواقع معاش هو الإنسان صاحب الطبيعة البشرية الدنيوية؛ من وجهة نظر مبدئية صاحب الرسالة والمأمور بتبليغها أولى بتفسيرها وبيان دلالات معانيها ويعود له الحق الأخير في بيان غموضها وجلاء إشكالها، لكن تاريخ نزول الرسالة وتوقيت تتابعها انسجاما وتجاوباً لحوادث مستجدة وطارئة ـ حادثة الإفك مثلاً ـ تسير بنا نحو القول بضرورة الفهم و التحليل التاريخي البشري لمسيرة الرسالة وبنيوية النظام الدنيوي في تأسيسها وعمارتها.
النص كما هو معلوم ومأثور نزل دفعة واحدة ثم أعيد تنزيله منجما تبعا للتطورات المفروضة على أرض الواقع ، مرت الدعوة المحمدية بمراحل أربعة السرية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) سورة الشعراء الآية 214 ، ثم العلنية ( فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين ) سورة الحجر الآية 94، ثم الدفاع عن الذات بالسلاح ( أذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) سورة الحج الآية 39، ثم المرحلة الأخيرة الجهادية القائمة على إزالة العوائق في وجه نشر الدين ومواجهة القوة بالقوة والسيف ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ) سورة الأنفال الآية 39 ، تلك المسيرة الطبيعية التي مرت بها الرسالة مشابهة لأية دعوة أو ثورة جديدة تخطط للاستمرار والتوسع والانتشار ، هذا الأسلوب والمنهج المتبع يوحي بقوة للطريقة الدنيوية في إقامة وبناء الكيان الديني.
ونحن هنا أمام محاولة توفيقية بين قدسية وغيبية النص الأصلي وبين فهم تاريخية التطبيق العملي وفقا للمنهج الدنيوي وما نجم عنها من ملحمة واقعية تضرب أثارها عميقا في الحاضر والوجدان.
ثانيا :تاريخية نزول النص: وتجاوبه مع الأحداث المختلفة والظروف المتناقضة – منعه ــ القتال في مكة حفاظا على وجود أتباع الدين الجديد وإتاحة الفرصة للتمكين" ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلوة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله " الآية 77من سورة النساء. ودعوته للجهاد في المدينة وأمره بالقتال لنشر الرسالة وهدم الحواجز السياسية والفكرية المواجهة لها والواقفة عقبة في طريقها " فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "الآية 5 سورة التوبة. واعتبر علماء التفسير الأكابر هذه الآية أمر بقتل المشركين عامة لا يخرج منها إلا ما خصته السنة وهم المرأة والصبي والعاجز الذي لا يقاتل ودافعوا الجزية من أهل الكتاب حيثما وجدوا في الأرض وفيها أمر بأسرهم وعدم الاكتفاء بمجرد معرفة أماكن تواجدهم بل طلب قصدهم وحصارهم في معاقلهم وحصونهم وطرقهم ومسالكهم حتى( تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ) وهذه الآية نسخت كل أية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم . ـ 1 ـ
عندما أصبح الظرف مناسبا ومواتيا لإظهار القوة والإطاحة بالمعارضين كما صار عليه الحال في المدينة خلافا لما كان عليه الوضع المكي في مرحلة الضعف و التأسيس. هذا التدرج والترتيب والتحول الجذري يفرض استدلالاً ظرفياً وقراءة تاريخية تستوعب المتغيرات وتترك الفرصة سانحة لإعادة ترتيب الأولويات، ومع هذا المخرج ما نزال أمام إشكالية التناقضات والتضارب بين العموميات والتفاصيل، بين القيم والمثل العليا من جهة وبين الأحكام الجزئية والمسائل الفقهية من جهة أخرى. ودراستنا هذه محاولة لبيان هذه الحقيقة وسعي لإدخال التفكير العقلي النقدي في مجال دراسة المأثور والمنقول من التراث الثقافي الديني المشكل للبنى الاجتماعية والثقافية والعقلية السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية.
يقول العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تحت عنوان :السيرة النبوية :إشكالية النص ومنهج الدراسة : الاستفادة من التاريخ وطرق الارتباط به: وهنا يكمن السؤال: كيف نواجه التاريخ، وكيف نرتبط به؟ وكيف نستفيد من تجاربه..؟
(وتشمل دراسة التجربة النبوية، في هذا المجال، عناصر النجاح في شخصية النبيّ الداعية، من حيث هي عناصر لنجاح الدعوة ودراسة عناصر الفشل، في طبيعة الواقع الموضوعي الذي يحيط بالتجربة ويشكل عقبات أمام تقدم الدعوة ونموّها. كما ينبغي دراسة أساليب الدعوة، وطريقة العمل، ونوعية الحركة وما تشتمل عليه من إيجابيات وسلبيات، مع الالتفات إلى التنوع في المؤثرات التي تحكم الأسلوب العملي في التجربة، وذلك عن طريق استبعاد المؤثرات الآنية المنبثقة عن الظروف الموضعية المحدودة، واستبقاء المؤثرات المنطلقة من طبيعة الدعوة، ثمَّ دراسة ردود الفعل الناتجة عنها... ومدى تأثيرها على سير الدعوة في داخل وخارج المناطق التي تحرّكت فيها... وفي انعكاس النجاح والفشل على شخصية أتباع الدعوة وأعدائها، وعلى امتدادها إلى خارج حدود الزمان في أجيال جديدة ومواقع متقدمة)-* 1-
تسمح هذه القراءة التاريخية التي يوصي بها واحد من أهم المراجع الإسلامية المعاصرة بالنظر إلى التجربة النبوية من خلال سيرها التاريخي وما أحاط به من ظروف، وقراءتها من زاوية عملية تربط بين صاحب الرسالة كبشر له صلته المباشرة بالله عن طريق الوحي وبين النظر في سياق الأحداث وما ترتب عليها من تأثير متبادل وفقا للضرورة التاريخية والظرفية ،ولعله يجوز لنا بناءا عليه أن نقف أمام بعض مما وردنا من أثار منسوبة للنبي موقف المتسائل والباحث عن الهدف أو التوجيه الذي يوحي به النص ودلالاته التي قد تتجافى مع التوجهات العليا والأهداف السامية للرسالة السماوية .
المرأة والتبعية للرجل:
تأخذ الكلمة أبعاداً جديدة عندما تضاف إلى المرأة وتغدو الحرية قيمة خاصة لحظة اقترانها بالأنثى في ثقافتنا العربية الشعبوية و النخبوية السائدة ، فالصورة المسبقة و الحكم التلقائي على المرأة والموقف من حقوقها ومساواتها القانونية والمدنية والسياسية سابق على التفكير ومهيمن على الإدراك ؛ تضبطه التصورات الغائرة في الوعي الجمعي المستند إلى تقاليد وأعراف تاريخية باتت الموجه الحقيقي و المؤثر ألاإرادي لردود الأفعال وبناء المواقف والآراء ، وتكمن المشكلة الحقيقية في القيود الأدبية والاجتماعية المضافة إلى القواعد التشريعية والقانونية التي تحيط بالمرأة من قبل ولادتها وحتى لحظة الوفاة والتي باتت تشكل نصا محفوظا في الوعي والوجدان وإن لم يكتب في صفحات تراثية أو قانونية ، يحمل من القوة والتلقائية ما جعله مقدما على غيره من النصوص . لقد كانت هذه الضوابط شديدة القسوة، بالغة الغلظة عندما تتعلق بالشرف والكرامة بحجة البعد عن الفاحشة والخطيئة، وتتفاقم الأزمة عندما تتحالف الضوابط الاجتماعية التي تراكمت عبر قرون من التأخر والتخلف مع الحدود المنصوص عليها شرعاً والمفسرة بمنهج ذكوري متسق مع منطق الوصاية الأبوية والاجتماعية للرجل. ولما كان المخيال الجمعي للشعوب العربية يتكون تاريخيا من جملة من العوامل والعناصر تحظى الفكرة الدينية و المرجعية الغيبية بمكانة سامية ومرتبة أولية ؛ أسست ودعمت التصور العام حيال النظرة إلى الأنثى ومكانتها، لذا لا يتسق البحث في قضية المرأة دون مراجعة النصوص المرتبطة بالموضوع والبحث في مضامينها ومدلولاتها ومفاهيمها.
الرجل مقابل المرأة أخاً أو أباً أو زوجاً وحتى ابناً هو السيد الولي المتصرف في الحاضر والمستقبل، له حق الوصاية والانتداب.يمتلك الحصانة الشرعية والقانونية ليفعل ما يراه مناسبا وفق فهمه وتصوره لحقوقه والواجبات الملقاة على عاتق النساء، والفتاة قبل الزواج مرهونة لقراراته و ملزمة بطاعته ومأمورة بالاستجابة لما يخططه ويرسمه لها حاضرا ومستقبلا ، وعندما تتزوج وتنتقل إلى بيت الزوجية وتصبح حرما لرجل جديد تستفحل المشكلة وتزداد الضوابط والقيود ، وتتحول المرأة إلى حاضنة مختلفة تصبح فيها ملحقة بالكامل بالوصي الجديد وفقا للتقاليد وللنص المحقق والواجب المقدس للرجل، و يخفف من ذلك دعاوى توصي بالرفق والمودة والمعاشرة بالمعروف أو العدل الظاهري أو المساواة في أصل الخلق، قد تبدو تلك الرؤية للوهلة الأولى خيالية تصف واقعا مبالغا وحالات معزولة لا تشكل ظواهر اجتماعية جديرة بالدرس والمتابعة، يغفل فيها عن جوانب أخرى من الموضوع ليركز الضوء على نقاط بعينها ومسائل محدودة متجزأة ؛ إلا أن رسوخ قراءات وتفاسير وثبات الأدلة الناظمة لهذه الرؤيا وتطور مكانتها العملية في ظل حالة من الهوس الديني والتشدد اللذان يعصفان بالمجتمعات العربية توجب الوقوف عند المستندات الشرعية الفارضة للبيئة المعرفية و الفكرية الناشطة ضمنها والناشئة فيها تلك الحالة الآخذة في النمو والتطور والاتساع داخل وخارج النص الشرعي .

المرتبة والشهادة:

اعتبر الفكر الديني التقليدي الرجل رمزاً لكمال العقل البشري وصورة لجمال وقوة الجسد وكثيراً ما يضرب المثل للدلالة على جمال الذكر بالتشابه بين الإنسان وبقية المخلوقات مثل الطيور وبعض الحيوانات الأخرى. فالطاووس الذكر جميل وضخم وأنثاه بشعة وضئيلة وكانت هذه الأمثلة تعتبر المسألة ذات دلالة قوية على فطرة الله التي خلق الناس عليها، ولم تكن القضية لتأخذ هذا التوكيد وهذا الرسوخ لولا وجود بناء فكري متين يستند إلى الكثير من المفاهيم و الأدلة والمنقولات التاريخية التي أكدت على تميز الرجل على المرأة بحكم أن الذكر كان دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد، فكل الرسل والأنبياء كانوا من الرجال وحتى الملائكة لا تجوز نسبتهم للأنثى، ولا يستبعد أن تعد مثل هذه النسبة فسقاً.
وفي الوقت الذي عاب فيه القرآن الكريم على أهل الجاهلية وأد البنات وحرم هذه الفعلة الشنيعة التي كان سببها الخشية من عار السبي والفقر ، وعد الحزن عند ولادة الأنثى سوء فهم وحكم، وإلى جانب آيات مثل ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)) سورة النساء 124الآية والتي توحي بالمنزلة الواحدة والمرتبة المتساوية نزلت آيات دلت دلالة أخرى على تميز الذكر على الأنثى ورفعة مكانته وعلو منزلته ((وليس الذكر كالأنثى)) سورة آل عمران الآية 36 ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى𨏖) سورة النجم وتدل الآيات ـ بقراءة سلفية تقليدية ـ في سياقها والآيات التي تليها باختصاص الذكر من حيث اعتباره الأقرب في صفاته الجسدية والعقلية إلى الكمال البشري مما يبرر اعتبار الأنثى أقل منزلة ومرتبة رغم ما ورد من إشارات أو دلالات عامة، وكما هو معلوم في أصول الفقه فإن الخاص يحكم العام، فإذا جاء نصان في مسألة واحدة أحدهما عام والآخر خاص كان الحكم للنص المخصص واعتبر النص العام مخصصاً أي لا يبقى على عمومه فالتخصيص أقوى من التعميم.
في مثل هذه الأرضية ومثل هذه التربية نشأ الاعتقاد والقناعة بصغر عقل المرأة تأسس عليه أحكام فقهية وقانونية ما زالت تمارس وتطبق إلى يومنا هذا في الغالبية العظمى من الدول الإسلامية. فهي لا تصلح للشهادة في عقود الزواج والطلاق أما في العقود المدنية الأخرى فشهادتها النصف الغير متكافئ ((وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ)) سورة البقرة 282 الآية .
ولماذا امرأتين؟ لأن الأنثى قد تضل والضلال هنا بالنسيان والقصور لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال والآية تدل عدم قبول العقد بشهادة النساء فقط (وأنها لا تجوز شهادة النساء إلا مع الرجل ولا وحدهن) الشوكاني فتح القدير ج1 306 . إلا في بعض الحالات التي تقتضي السرية وعدم إطلاع الرجل على عورة المرأة حتى ولو كان طبيباً أو خبيراً مؤهلا. فالنساء ولو كن أربعة لا يستطعن الشهادة على عقد شرعي أو مدني إذ لا بد من وجود العنصر الذكري ليستقيم العقل الفقهي. وهنا أتخيل كم من المعاملات والعقود المدنية والتجارية والاعتبارية التي ستهدم في حال تطبيق هذا الحكم ولست أبالغ بأن وجه التعاملات المدنية والقانونية سيختلف تماماً لو أراد الأصوليون تطبيق مثل هذا الحكم، لذلك نجد أنه غير معمول به في عدد كبير في الدول الإسلامية في مجال العقود المدنية، ما يعني قصور الفهم الأصولي للنص ، ولكن فيما يخص العقود الشرعية وحتى في الدول التي صارت فيه المرأة وزيرة ونائبة وقاضية ، كسوريا مثلا ، فإن قانون الأحوال الشخصية ينص على عدم قبول شهادة المرأة منفردة في الزواج والطلاق، كما لا تجوز ولايتها على البنت القاصر ـ في بعض الأحكام الفقهية ـ ليس حفاظاً على القاصر، ولكن لعدم الاعتراف بأهلية المرأة للولاية، فالرجل يستطيع تزويج القاصر باعتباره ولياً عليها، وهنا التأكيد من جديد على المكانة والامتياز، حتى في المجال الاعتقادي والإيماني الذي لا يبرز فيه تمييز الرجل عن المرأة إلا حكم أن الذكور كانوا دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد وأعني الأنبياء والرسل. وفي النصوص التي جاءت في الأساس لتحقيق المساواة في الرتبة لا تشير بطريقة ما إلى الدرجة التي يترقى الرجل بها أعلى من الأنثى ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) سورة الأحزاب الآية 35.تكرار قرن الرجل بالمرأة قيمة جلية للمساواة غفل عنها المتشددون في التفسير .
و تتوافر قراءة وتفسير لنصوص دالة على رفعة الذكر وامتياز عقله وجسده وعاطفته وحتى إيمانه واعتقاده لشيوعها ورسوخها في أصول التعامل المدني والاقتصادي الفقهي والشعبي ، وعليه كان واردا انتشار ثقافة احتقار المرأة ودونيتها. والإشكال الرئيس هنا أن النصوص التي أشارت إلى المساواة والمنزلة الواحدة واضحة تماماً وهناك مجال وإمكانية لإخراجها عن عمومها بنصوص الخاصة ، وكل ذلك أسس لقيم ومفاهيم رسختها أحكام تشريعية فقهية واجتهادات بشرية وفتاوى شخصية ؛ شكلت المكون الثقافي الديني والخيال الشعبي الواعي واللاشعور تجاه دونية مرتبة المرأة لمجرد أنها أنثى وعلو شأن الرجل لمجرد كونه ذكراً. وتفاقمت المشكلة عندما ارتبطت بالجهل والتقليد واختزال الفقه والعلم برؤوس المشايخ وخطباء المساجد وعندما غدا العلم الشرعي عند غالبية المتدينين مكنوزاً في صدور أئمة المساجد والقائمين عليها والذين بدورهم حرصوا على إبعاد السواد الأعظم من المسلمين عن الرجوع إلى النصوص الأصيلة وخوض غمارها خشية زلزلة مكانتهم وسحب امتيازاتهم.

عظيم حق الزوج على المرأة:

تعتبر الثقافة الدينية الزواج حجر الزاوية في الحفاظ على الأسرة والمجتمع ويعد الحصن الحصين لمنع الفاحشة وسد الطريق على العلاقات الجنسية المحرمة ، وتدل آيات وأحاديث على سمو عقد الزواج الذي بموجبه يتم استحلال العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة وتتحول المرأة بموجبه إلى ركن رئيس مرتبط بشدة بمؤسسة الزواج ، وملتزم إلى أبعد الحدود بأوامرها الصارمة وواجباتها المقدسة. وهو في الواقع السبيل للنجاة أو الخسران في مآل المرأة في الدنيا والآخرة. (فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك) مسند أحمد 18233 عن حصين بن محصن، إذاً فمقام الرجل رفيع لدرجة أنه قد يدخل المرأة الجنة أو النار، ضمن المنصوص عليه شرعا وفقها ، وهذا في الحقيقة غاية الدين وأساسه بعد رضا الخالق الذي يتأكد برضى الزوج وفق ضوابط وأصول معروفة .
وبالرغم من وضوح هذا المعنى ودلالاته التي لا تخفى على النساء والرجال على السواء فلقد جاءت نصوص نبوية أخرى مجاورة لهذا المفهوم ؛ تحتاج لقراءة متأنية وتحقيق وفهم ظرفي منضبط بالكليات التي تعلوها كرامة الإنسان والمساواة والعدالة وسمو الأخلاق ، كتلك والتي تدعو المرأة للشعور ببالغ القدر والفضل الذي قدمه الرجل بزواجه منها. (فلو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على التنور لم تمنعه) رواه ابن ماجة
(لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها) رواه النسائي.
وأمثال هذه النصوص لا تدع مجالاً بالشك بالتفاوت العظيم في مكانة المرأة والرجل ، والتي تفرق بينهما إلى درجة قريبة من الاسترقاق ؛ فمع أن الإسلام حرم السجود لغير الله وهذا معلوم من الدين بالضرورة إلا أن المكانة المرموقة والرتبة العالية للرجل فوق المرأة كادت أن توصله إلى مرتبة تسجد فيها المرأة له لماذا؟ لعظيم حقه عليها ، وبالرغم من قدرة الرجل على تعدد الزوجات وتغييرهن فإن فضل الرجل الواحد على كل النساء اللواتي تزوجهن عظيم لدرجة قد تصل إلى اعتبارهن إماء مرتهنين بطاعته وإشباع رغباته وتنفيذ أوامره في الحدود ، والقواعد المسموح بها شرعاً التي تعطيه كل الصلاحيات للتحكم بحياة أزواجه ،وتصريف شؤون حياتهن صغيرها وكبيرها بدون اعتبار لقدر المرأة التي ربما تفوق الرجل ثقافة وفهما وأدباً في واقع الحياة. تلك كانت رؤية واقعية لشريحة أو طبقة بذاتها لا تشمل أكثرية إسلامية بيد أنها موجودة وشائعة لدى بعض المجتمعات الأقل ثقافة ووعيا .
وربما يظن البعض أن هذا التوجيه محدود أو مخصوص وليس توجهاً عاماً لذلك لا يصح البناء عليه وأخذه على أنه حكم عام وشامل ويمكن حصره في حدود ضيقة وفي حوادث مخصوصة بحد ذاتها. إلا أن العودة لأدلة محددة و تكرار رواية النص عن عدد من الصحابة وروايته في أكثر من مصدر مختلف برواية مختلفة لا يؤكد على تصور أن المرتبة والعلاقة بين الرجل ونسائه كادت أن تقترب من العبودية. ويؤكد على وجود هذه القناعة ويؤسس لها في القيم الأخلاقية والمدنية المتشددة والظاهرية نصوص مأثورة أخرى تحمل دلالة و وضوحاً إلى غريب التفاوت في المراتب والمنازل بين الرجال والنساء وعلى الأخص في الحياة الدنيا والعلاقات الإنسانية. (والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه) رواه النسائي وفي مسند أحمد ، ومقابله ما روي برقم 21063
(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) رواه النسائي.
وهذه الأحاديث نقلت من مصادر غير مشكوك بها ؛ بل هي من أحاديث تكررت روايتها وتعدد رواتها في أمهات المصادر والمجاميع الموثقة تاريخياً كمرجعيات للآثار ، والسير والنصوص المعتمدة كأساس للفقه والأحكام الشرعية والنقول المتعاقبة عن النبي والصحابة والتابعين.، ما يعني ضرورة وضع قواعد أصولية لاستنباط الأحكام بما لا يخل بالغايات والمرامي الكلية للشريعة ، وأولها كرامة بني آدم والعدل والمساواة والرحمة واليسر وسمو الخلق.


المرأة الناشز:
وهذا فصل آخر من فصول العلاقة التفاضلية بين الرجل وزوجته يستند في المرتبة لتلك الفوارق التي قامت عليها أحكام الزواج والطلاق والميراث، وكافة التشريعات التي استندت إليها قوانين الأحوال الشخصية في العديد من الدول الإسلامية والتي ما زالت تشكل غبنا واضحا بحق المرأة وتتسبب في إبعادها عن المشاركة في الحياة العامة وتتركها فريسة لأهواء المفتين وشهوات القادرين.
ورد في القرآن الكريم ذكر لقضية هامة في العلاقات الزوجية ، وتم الوقوف عندها وطرح العلاجات والواقيات لها ألا وهي : مشكلة النشوز الذي هو مصطلح فقهي : له معنيان الأول يخص المرأة الناشز وهي التي استعصت على بعلها وأبغضته ، والثاني يخص الرجل وهو المعرض والمجافي والضارب.
ولما كان الأصل في العلاقة الشرعية بين الرجل وزوجته أو زوجاته المودة وأنه صاحب القوامة له حق الطاعة مقابل واجب المرأة في الاستجابة والخضوع والرضا؛ كانت معالجة النشوز مستندة إلى هذين المبدئين ، وتبدأ بالجنوح نحو صفات الصالحات القانتات اعتبرت المرأة الناشز حالة تستحق العظة والعلاج والتأديب ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)) سورة النساء الآية 34
وآية النشوز هي نفسها آية القوامة وهي نفسها آية التأكيد على ربط رضا الله بواجبات الزوج وهي تشير إلى ما يمكن أن يفعله الرجل أو ما يصلح له فعله فيما إذا خشي العصيان أو الطاعة المترددة، والمعنى الصريح يدل على أن مجرد الظن أو ظهور بعض الدلائل على النشوز ليس كافيا والخشية من فعله يستوجب الموعظة والهجر والضرب غير المبرح. وفي كل الحالات السابقة التي لا يرى بعض المفسرون ضرورة في إتباع ترتيبها ، خلافا لآخرين ممن سلكوا سبيل التربية النبوية حيث لم يضرب النبي امرأة ولا غلاما قط وحيث مال دائما للموعظة الحسنة أولا ، يختار الزوج العلاج الأمثل حسب ما يراه مناسباً. يتصرف الرجل من موقف النفوذ والحق، من موقف الأشرف والأعلم حسب فهم ظاهريا متزمت أو موقف الأكثر حكمة واقتداء بالرسول الكريم .
وليس خافياً أن العنف ضد النساء موجود في جميع أنحاء العالم وهناك مؤسسات وهيئات محلية ووطنية لمحاربته والخلاص منه واعتباره خطئاً وانحرافاً تجب معاقبته وتجنبه وإنهاؤه، إلا أن المشكلة في التفكير الديني المتزمت هي الاعتقاد بوجود حجة شرعية وفقهية لفعله ، ولم يتجرأ أحد من المفسرين أو الفقهاء أو الدعاة الجدد على إيجاد حل لهذا النص ومعالجته بطريقة تجعل المرأة على قدم المساواة في العلاقة بينها وبين الزوج، مع أن القرينة المصاحبة للآية من خلال قول الرسول الكريم : ( أنا أعلمكم بالله وإن المعرفة فعل قلب )حديث رواه البخاري ، حيث كان فعل النبي المشار إليه ((مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا) مسند أحمد - (ج 53 / ص 358). أهم تفسير وبيان لمعاني القرآن ما أوجب الالتزام به والابتعاد عن العنف والضرب في معاملة الأزواج ، وكما هو معلوم فإن هناك نصوص عديدة تدل بعمومها على حسن المعاملة والإكرام والمساواة إلا أن الأزمة في عند من اعتبر تلك النصوص جاءت من باب الندب والنافلة وآية النساء التي بين أيدينا من باب الوجوب والقصاص، وحسب تقديرنا الأولى هو اتباع فعل النبي كقرينة للفهم والتفسير .
(والجدير ذكره هنا (أن رسول الله ما ضرب امرأة ولا خادماً قط) أيضا رواه النسائي عن عائشة.
إلا أن مجمل التعليمات والتوجيهات والتوصيات التي صاحبت تفسير آية القوامة جعلت من الالتفات إلى مثل هذا النص أمراً عابراً وسنة مقابل الواجب أو الفرض ، وهذا دليل على ضيق أفق الفهم وتقييد لقراءة ظاهرية محضة للقرآن الكريم .
الجانب الآخر في النشوز هو الرجل حيث جاء ذكره أيضاً لكن العلاج والوقاية كانت مختلفة تماما ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) سورة النساء 128 الآية
والآية تدل على ما يجب فعله عندما تخشى المرأة أو ترى ظهور عوارض إعراض زوجها عنها أو جفائه لها أو ضربها. والحل المطروح هو أن تتنازل وتقدم المبررات لمنع النشوز ويكون ذلك بإسقاط دورها من المجامعة لزوجة مفضلة عنده في حل كونها إحدى الزوجات المتعددات. أو تتخلى عن النفقة أو بعضها أو تخليها عن المهر أو بعضه ((راجع الشوكاني مجلد أول ص512))
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}. قَالَتْ: هِيَ المَرْأةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أمْسِكْنِي وَلا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. رواه البخاري ومسلم متفق عليه.
إذاً فطريقة العلاج مختلفة تماماً كما هي المكانة والموقع والصفة، فبينما كان علاج المرأة الناشز بالوعظ والهجر والضرب فجاءت وقاية المرأة من نشوز زوجها بإشباع لرغباته المادية والجنسية وإعطاء المزيد من الحرية والاستقلالية لزوجها الذي يفضل عليها غيرها من نسائه وإمائه. والملفت للنظر عند تأمل الفروق بين حالات نشوز المرأة أو الرجل أن الخطاب في نشوز النساء جاء بصفة الجمع ((واللاتي تخافون نشوزهن)) في حين أن الخطاب المتعلق بالزوج جاء بصيغة الفرد (وإن امرأة خافت). وهكذا فمجموع العنصر الرجالي لهم حكم عام فكل أولئك الذين يخشون من نسائهم المعصية أو الجفاء لهم حقوق عامة واضحة وصريحة ومعلنة في حين أن تلك المسكينة المرأة الفرد عندما تخشى الضرب والإعراض والجفاء تلجأ إلى تسوية على حسابها الخاص نفسياً أو جسدياً أو مادياً، المهم أن تكون التسوية في كل الحالات لمصلحة الأفضل وصاحب القوامة أي الرجل ، تلك هي رؤية وتصور سائد ومعروف مشهور في عديد كتب الفقه والتفسير إلا أنه لا يجوز أبدا الاقتصار على تعميم ذلك التصور دون سواه ، وينبغي التفكير في معاني أكثر صلة وقربة لمنطلقات تأسيس الزواج ، وأقصد المودة والرحمة والميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة الذي لا يكون إلا بين طرفين لهما ذات المكانة الرفيعة .
نهاية الجزء الأول ويليه الجزء الثاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثقافة إسلامية
طاهر مرزوق ( 2019 / 4 / 7 - 22:09 )
الدكتور/ إحسان طالب
بعد التحية,
أختلف معك فى كلامك التنويرى للثقافة الدينية، لأن الصحيح فى مجتمعات العرب أن يقال: التنوير لثقافة النصوص الإسلامية، لأنها نصوص تشريعية أى هى ثقافة نصوص تحتوى على الشريعة والقوانين التى تشكل شمولية ثقافة الإسلام والمسلم المؤمن بها.
والحق يقال أن تلك النصوص الإسلامية خاوية من ثقافة إنسانية رغم أن من كتبوها بشر حسب طبيعة البيئة البدوية، لكنها لا تهيمن على عقولهم بقدر التقديس الذى يسيطر على مفهومهم للإسلام ونصوصه وأحاديثه التى كتبها المسلمون ما بعد وفاة قائدهم المغوار.
لذلك لن يستطيع المفكرون الإسلاميون ولا العلمانيون أن يقوموا بتقديم تنوير لنصوص وأفكار مقدسة، لأن المسلمون يعتقدون يقيناً أن الإسلام نصوص وثقافة هى التى تعمل على تنوير ظلمات عقول من ضلوا عن تعاليم الإسلام، لأن الإسلام لا يعترف بثقافة دينية وأخرى غير دينية، بل هى ثقافة إسلامية هى الحق المبين وغير ذلك هو الجهل والضلال المهين!!
الإسلام دين بشرى كغيره من الأديان ويحتاج إلى تجاهل النصوص حتى يتم تنوير عقول المسلمين.
مع الشكر


2 - مفهوم الثقافة والتنوير
احسان طالب ( 2019 / 4 / 8 - 08:02 )

الأستاذ / طاهر مرزوق
تحية طيبة
أشكر لك اهتمامك واحترم وجهة نظرك
وفقا لرؤيتي لمفهوم التفكيك أجد من المفيد بل والضروري معالجة الثقافة الدينية السائدة والمهيمنية على الحدس الجمعي والفردي للشعوب العربية والإسلامية
الوصول لحقائق مرتبطة بالوعي يفترض بها مخاطبة ذلك الوعي ومكامنه والتطرق لما قر في الوعي الباطن فرديا وجماعة وإلا لن نصل لتحقيق فكرة - طبيعة البنيان الجوهري للنص الديني الأسلامي
وبالنظر للتجربة التنويرية المسيحية واليهودية نجد نجاحا باهر حققته العقلانية بنقل الوعي المسيحي من اللاهوت والميتافيزيقيا إلى الحضور الدنيوي والتفكير العلمي


3 - تعليق علي تعليقات وبما جاء في المقال
محمد البدري ( 2019 / 4 / 8 - 14:02 )
كل نصوص الفقه والشريعة الاسلامية ليست سوي منافستو لنهب وسرقة واستعباد البشر لانهم غير مؤمنين، فالايمان عند ذلك الذي له صله بالله عن طريق الوحي معناه التفوق دينيا بالاسلام ثم التفوق عنصريا علي باقي الشعوب لان القرآن عربي. انه صياغة اخري لما جاء بالتعليق رقم 1 (الحق يقال أن تلك النصوص الإسلامية خاوية من ثقافة إنسانية رغم أن من كتبوها بشر حسب طبيعة البيئة البدوية)
دراسة البداوة العربية انثروبولوجيا هي الوحيدة القادرة علي فهم ما جاء به العرب من مقدسات كلها تعج بالخرافة ومنافستو النهب.
الكارثة الافدح ان يخرج البعض ليدعوا للعروبة اي بالانحطاط من الحضارة الي البربرية وكان ابن خلدون لم يقل شيئا مع نهايات القرن الخامس عشر.


4 - الي د. إحسان طالب
محمد البدري ( 2019 / 4 / 8 - 14:18 )
اعتقد ان تاريخ الاسلام حسب المرويات من احاديث وسير التي كانت شفاهية، بما فيها القرآن ذاته، ثم اخذت عن طريق النقل من شخص لاخر عبر ازمنة طويلة فيما يسمي العنعنة حتي وصلت الي عصر التدوين عندهم واقصد العصر العباسي لهو امر يجعل الشك قائما فيما نحن فيه غارقون.
لو ان هناك شئ عاقل اسمه الله (لاحظ ان لفظ عاقل ليس من اسمائه الحسني التي قال بها العرب) لاستحضر الكتابة والتدوين لهم قبل ان يفاجئ الوحي محمد وهو في غار حراء. ايات كثيرة في القرآن جعلت من فتح الله قلب المؤمنين للايمان واخري يلقي بها الرعب لكفرهم اي لعدم فتح قلوبهم بمعرفته هي مجرد دراما قرشية بطلها ذلك الذي في السماء علي عرشه استوي وادواتها شعوب الارض كلها، كثير منها اسعدها الحظ ولم تصل اليها سيوف برابرة قريش لفتح شئ آخر بغرض نهب الثروة ومصادرتها طبقا للاية 29 من سورة التوية


5 - اختلاف المنهج
احسان طالب ( 2019 / 4 / 8 - 17:23 )
أستاذ محمد البدري تحية طيبة
قد اتفق مع العديد من عناصر قراءتك لمجمل خطاب النص الإسلامي
لكنني ارى من الصواب الاشتغال على التحليل
المفصل للنص الديني التاريخي





6 - تعقيب جديد
محمد البدري ( 2019 / 4 / 9 - 00:39 )
الفاضل د. إحسان طالب
اؤيدك تماما في ان تحليل الخطاب الديني بكل مشتملاته القرآنية والاحاديث ضرورة لا بد منها باعتباره نص تاريخي. تاريخية النص بديهية. تراكيبه اللغوية بسمات متعددة تفضح كثيرا من الظرف التاريخي والحالة النفسية لقائله، علي سبيل المثال ايات سورة الرحمن يستحيل ان تكون من ذات المصدر المتعادل ازاء الوجود ومتعالي علي الكون الذي يصب جام غضبه في سورة التوبة او الاعراف.
شكرا علي تعقيبك فانا اعتبر ان دراسة البداوة العربية انثروبولوجيا كفيلة بوضع بصمة الرحمة علي هذا الملف الممتد معنا لاكثر من 1400 عام. فلولا الامية التي هي القاعدة المتينة التي لولاها لما استمر المؤمنين به خارج التاريخ.

تحياتي وتقبل وافر احترامي


7 - مشروع تراكمي
احسان طالب ( 2019 / 4 / 9 - 07:43 )
الأستاذ محمد البدري
تحية طيبة
هو مشروع عقلاني تراكمي متعدد المناحي يفترض له موازاة
السيرورة الحية للفكر الديني
أحترامي وتقديري
ملاحظة أنا لا أحمل درجة الدكتوراه

اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر