الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب الثورة الثقافية مقصودة في حد ذاتها وليس سواها

كمال آيت بن يوبا
كاتب

(Kamal Ait Ben Yuba)

2019 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شعارنا : حرية - مساواة – أخوة

في سنة 2010 طرحت سؤالا في مقال عن حرية الاعتقاد و سيادة الناس على أبدانهم في الدولة العصرية هل هي مكفولة ؟

على أساس أن الدماغ الذي يحتضن المعلومات حول الإعتقاد هو جزء لا يتجزأ من جسم الانسان .و بالتالي فالتدخل في الإعتقاد يكون لزوما تدخلا في سيادة الناس على أبدانهم بسبب أن المراكز العصبية العليا التي تتحكم في كل الجسم توجد في هذه المنطقة بالذات .

و خلال المقال كانت هناك جملة من الاقتراحات و الافكار من بينها الدعوة لعلمنة الدولة كضامن للسلام المجتمعي و للسلام بين الشعوب عن طريق تجريم التكفير و الدعوة لثورة ثقافية .

كثيرون من الأساتذة الكبار قبلنا مثل الاستاذ اركون و الاستاذ عابد الجابري و غيرهم كانوا لا يتحملون أي مسؤولية سياسية رسمية كناطقين باسم حكومة معينة دعوا هم ايضا للثورة الثقافية مثل ما وقع في الصين على يد ماو تسي تونغ ...

هذه الدعوات تبدو كخير يرجوه الانسان للذين يشترك معهم في العيش داخل حدود جغرافية معينة و لا يطمع من خلالها لمناصب أو سلطة او مال او غير ذلك ..تبدو عادية تماما ...

لكن أن يأتي أحدهم اليوم و هو "سجين سياسي" لعب دور الزعيم " أمغار باللغة الامازيغية" الذي يحيط به الحراس الشخصيين في سابقة بالمغرب وكأننا في كولومبيا ، همه مغادرة أسوار السجن و عشية تأكيد الاحكام ضده في محكمة الاستئناف و يدعو للثورة الثقافية ، فهنا يُفهم من ذلك أن الثورة التي يقصد بكل وضوح ليست ثورة ثقافية و إنما هي ثورة فحسب (هذا افتراض) .لأن تلك الثورة ستؤدي لزوما لفتح ابواب السجن الذي يقبع فيه.و يتسنى له بعد ذلك مغادرة اسواره ........

إذا كان الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الاعلام الالكترونية المغربية حول الموضوع صحيحا فالإفتراض الانف الذكر كان يمكن أن يكون غير صحيح لو أن ذلك "السجين" لم يكن يوظف في خطاباته الثقافة الدينية القديمة المضادة لهويته الامازيغية و التي ترزح تحتها منذ 14 قرنا الآن...

إن الثورة الثقافية التي دعونا لها هدفها تغيير العقليات و الثقافة السائدة منذ قرون في كل شمال افريقيا و ذلك بالدراسة والتحليل ونشر الوعي بضرورة طرح نفايات التاريخ العلمية جانبا والتسلح باسلحة العصر الحديث من الفلسفة والعلوم الحجديثة والتكنولوجيا و غيرها مما يفيد الانسان .لأن تلك المعتقدات الدينية القديمة الوافدة لم تعد تلبي حاجيات الانسان و اصبحت تحرج الحكام و تجعلهم يمثلون مسرحية الورع والتقوى التي هم في غنى عنها و تضيع عليهم وقتا طويلا هم في امس الحاجة اليه من اجل التعامل مع قضايا عملية تحتاج الاحصاء والحساب والنظريات الاقتصادية والسياسية و الادارية لحل مشاكل العصر امام تقدم العلم الحديث والتكنولوجيا ووسائل الإتصال السريعة و ازدياد النمو الديموغرافي و مشاكله و مشاكل التصحر و نذرة الامطار وقلة الانتاج الزراعي و الغذائي و غير ذلك ..

و بدون انسان سوي و متكيف مع العصر عقليا و له تربية مسالمة منسجم مع ذاته لا يؤمن بأشياء لا وجود لها في الواقع ، كيف يمكن ادارة البلدان بطريقة عقلانية تحترم حرية و كرامة الانسان و تحافظ على السلام المجتمعي ؟

كيف يمكن تخيل قدرة إنسان يعيش بجسده في القرن 21 و بعقله في القرن السابع الميلادي أن يجابه مشاكل القرن 21 ؟؟

هذا عبث ..ثم يتساءل الناس من اين جاءنا التخلف و الفقر و انحدار الاخلاق في مجتمعنا ؟؟

الفقر الاخطر لدى الانسان هو الفقر الفكري .هذا شيء مفروغ منه.

الانسان لكي يتقدم و ينتج و يبدع يجب ان يكون حرا و متحررا من الاوهام و منسجما مع الواقع الطبيعي الذي يحيط به ...

فالحرية الدينية التي دعونا لها في المقال الانف الذكر ليست حرية العواهن المطلقة ، وانما هي مشروطة بعدم الدعوة للحرب او العنف او العنصرية او الكراهية أو محاولة تغيير النظام السياسي القائم بالقوة ...و بالتالي فهذه الشروط هي اعتراض على الفقرة (ب) من المادة 18 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تقول (للوالدين ان يربيا ابناءهما وفق قناعاتهما الخاصة).فقلنا لا..غير معقول ان تربي ابناءك على اعتقادات تدعو للعنف او للحرب مثلا ..لان السلام العالمي يتأسس على الاحترام المتبادل ..

والثورة الثقافية التي دعونا لها قد بدأت بالفعل ...و لا تزال مستمرة ..و ستبقى مستمرة لعشرات السنين اخرى ربما .

و الدليل هو ما نشاهده اليوم من تغيير في العقليات و نبذ التطرف والدعوات للاصلاح الديني و من تحول نحو الدولة المدنية الديموقراطية في المنطقة ..

و في هذا الاطار أيضا تدخل الزيارة الناجحة للبابا فرنسيس للمغرب و التي هي حدث دولي تابعته كل وسائل الاعلام العالمية الكبرى ..فهي إذن ليست حدثا صغيرا...

و هي زيارة تاريخية و مهمة و جريئة بكل المقاييس في كل تفاصيلها غير المسبوقة .و هي أفضل من زيارة الراحل البابا جون بولس الثاني للمغرب .لأن ما حققته هذه الزيارة يفوق بكثير ما حققته سابقتها ..

ولأنها أيضا تؤسس للاخاء و التعايش والسلام بين الشعوب والحضارات و الحوار بالكلام و التمتع بالتنوع والاختلاف البشري الذي هو ارادة الهية من منظورنا .

و على الذين اعترضوا عليها مثل وجدي غنيم من مصر ان يراجعوا اي طبيب نفسي فورا قبل فوات الاوان ..فليس لهؤلاء اي طوبة في المغرب حتى يقولوا للبابا "لا اهلا ولا سهلا بك في المغرب " ...

نقول لهؤلاء إن الثراث المسيحي هو جزء لا يتجزأ من ثراث شمال افريقيا الديني .و أجدادنا كانوا مسيحيين قرونا عديدة قبل الغزو العربي الاسلامي الحربي لشمال افريقيا..هذا مثبت في التاريخ ...

و إذا كانوا يجهلون هذا التاريخ فهذا ليس عيبا ..عليهم ببساطة ان يعودوا للمدرسة الابتدائية لدراسة ذلك .

فشمال افريقيا في الواقع ليست عربية و لا اسلامية .لان مهد العرب و الاسلام و وطنهم هو شبه الجزيرة العربية كما تسمى باسمهم و التي كان يعيش معهم فيها اليهود ..اما شمال افريقيا فهي للاقباط و اليهود في مصر و في الباقي الامازيغ والافارقة واليونانيين والسومريين و غيرهم من المجموعات البشرية التي استوطنتها قبل الميلاد ...

و الان نحن احرار و راشدون . و يمكننا ان نكون مسيحيين أو غير ذلك في اي وقت شريطة ان لا نؤذي الاخرين بممارستنا الدينية .

فالحرية ليست هي ان يفعل الانسان ما يريد فقط بل خصوصا أن لا يُفرض عليه ما لا يريد ..

إن هذه اللحظات التاريخية ليست للهزل أو اللعب في هذه المرحلة الدقيقة و الخطيرة من تاريخ المنطقة .و هو ما أشرنا له في مقال سابق منذ شهور و سميناه المنعطف التاريخي الجديد الذي ستدخله شمال افريقيا ..و قديما قالوا في الشدة يُعرف الصديق.

و لذلك يجب العمل على تحقيق اهداف الثورة الثقافية الفعلية التي تؤدي لتغيير الانسان قبل التباهي بتشييد الحيطان ...

مع متمنياتي للجميع بموفور الصحة والسلام ...آمين.

تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran