الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الأقلية في البلاد العربية

جاك ساموئيل

2019 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مفهوم الأقلية في البلاد العربية
مفهوم الأقليات من أكثر المفاهيم شيوعا و تداولا في المجتمع العربي يحمل معنى إقصائي و إلغائي وفوقي بحق الشعوب الأصيلة و هذا المفهوم من أكثر المفاهيم تداولا إعلاميا وسياسيا واجتماعيا هذا المفهوم يشير إلى شريحة واسعة مهمشة من المجتمع ذات انتماء ديني أو اثني أو قومي تم تجاهلها بحكم تعدادها أو توزعها الديمغرافي او انتمائها المذهبي الديني بحكم اختلافها عن الحالة المذهبية السائدة كما يحصل في معظم الدول العربية و خصوصا في مصر اتجاه المسيحيين عموما والأقباط خصوصا ، حيث يعتبر وجودها تحصيل حاصل دون الاعتراف بهذا المكون الأصيل كوجود حضاري و ثقافي و تاريخي ناهيك عن اختزال دورهم السياسي و حرمانهم من الامتيازات .
حيث ينسب لهذه الشريحة على أنهم الأقلية دون التطرق إلى الأسباب التي جعلت منهم أقلية أو الظروف القاهرة التي تعرضوا لها أو فرضت عليهم بسبب الحروب كما حصل بمذابح 1915 بحق السريان الاشوريين والأرمن و قد شاع هذا المفهوم زمن الإحتلال التركي بحق المسيحيين عندما قامت تركيا بتقسيمهم إلى نظام الملل لتفرقتهم و قامت باتباع إجراءات قاسية بحقهم بهدف بعثرتهم و تهجيرهم وضرب تجمعاتهم الديموغرافية باضطهادهم وتفريغهم من ثقافتهم بأبشع مجزرة عرفها التاريخ ( سيفو ) كما يسميها السريان .
المثير أن هذا المفهوم لا يزال متداولا حتى اللحظة في الإعلام العربي فجميع الدول العربية التي تدعي التساوي بين مواطنيها تختلف في تعاملها مع من تعتبرهم أقليات !!
كما تعتبر المسيحيين من الاشوريين و السريان والأرمن والأقباط أقلية مهاجرة على خلاف المهاجرين الحقيقيين الذين جاؤوا بالحروب و الغزوات و بحكم التوطين العثماني وبتسهيلات وامتيازات من الباب العالي . لذلك عندما تشرع العلمانية في دساتير هذه الدول تلغى جميع المظاهر العنصرية الإثنية و الدينية ذات الامتيازات السياسية و السلطوية و تبقى المواطنة و الإنتماء للوطن فوق كل مذهب أو دين أو عرق أو عشيرة فهل يتحقق ذلك يوما لمن يحلمون بالعلمانية في بلاد غارقة حتى أذنيها في مستنقع عنصري ديني موحل ؟؟
جميع الأنظمة العربية تنطلق بدساتيرها من مبدأ ديني تشريعي إسلامي وليس مدني علماني فكيف يمكن لهذه البلاد أن تشهد تطورا اجتماعيا و اندماجا مع حضارات وثقافات الشعوب والأمم الأخرى و هي بالكاد تعترف بالقوميات و الإثنيات التي تعيش في كنفها و تقبل التعايش معها ومنحها حقوق المواطنة الكاملة كما في ليبيا و السودان و السعودية والجزائر و المغرب و الإمارات . .
فالحضارة ليست كلاما معسولا و بناء من قلاع وقصور بل هي ابتكار وابداع ومنجزات عبر التاريخ ساهمت في إعدادها ثقافات الشعوب و بتراكم ثقافي معرفي ومنحتها حرية التفكير لبناء حضارة جديدة فهل تستطيع هذه المنظومات المحاطة بإيديولوجيا ترفض الآخر والإندماج معه من خلال قولبة المجتمع و حجر العقل الجمعي في مكان ضيق مأسور أن تتقبل التغيير و الخروج من دائرة القانون الشرعي كمنظومة للدولة ؟؟
ويمكن تعريف الأقليات على أنه (( عبارة عن ذلك المصطلح الذي يشير إلى مجموعة من الناس الذين يقومون بالتعايش مع مجموعة أخرى أكثر هيمنة وسلطة )) ، حيث إن مجموعة الأقليات تكون تابعة ، وليست مسيطرة ، هناك من يعتبر أن العدد ليس له علاقة بتحديد من هي الأقلية في مكان ما ، فقد يكون عدد الأقليات أكبر من عدد المجموعة المهيمنة والمسيطرة ، وتجدر الإشارة إلى أنّه لا بد من توافر بعض الخصائص ، والمميزات الثقافية ، أو الدينية ، أو حتى الإثنية في المجموعات التي يمكن أن يطلق عليها اسم الأقليات كما في مصر ، وقد تختفي أقلية معينة من مجتمع ما من خلال قيامها باستبدال ثقافة ذلك المجتمع مكان ثقافتها الخاصة بحكم الهيمنة والسيطرة . في بلاد الشام على سبيل المثال كانت المسيحية هي السائدة قبل الغزو العربي الإسلامي وتأثير الحضارة الهلينية واضحا حيث تعرض المسيحيون عبر تعاقب الخلفاء للإضطهاد والضغط منهم من أسلم وذاب في ثقافة الغازي ومنهم من غادر، و اكتملت عجلت الإضطهاد بعد أن استولى العثمانيون على الخلافة إثر سقوط العباسيين حيث اتبع العثمانيون سياسة تحض السكان الأصليين إما على المغادرة أو اعتناق الإسلام لذلك وبقي مفهوم الأقليات متداولا وشائعا في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية ، و يصر المؤرخون العرب على وصف دخول العرب إلى البلاد التي لم تكن عربية بالأساس مثل مصر والمغرب والسودان وفارس بالتعبير ((الفتح العربي)) أو ((الفتح الإسلامي))؟ ولا يستخدمون مصطلح الغزو أو الاحتلال الذى يستخدمه الآن نفس المؤرخون أحفادهم في حالة احتلال أمريكا للعراق مثلاً أو الإحتلال التركي الذي دام أربعة قرون ؟
ما فعله العرب لم يكن أفضل, فهم حين غزوا هذه البلاد غيروا حضارتها تماماً, وبدلوا معتقدات أهلها إلى الإسلام , وفرضوا لغتهم وثقافتهم العربية على تلك الشعوب وحكموا أهلها كما يفعل بقية الغزاة . فلم يسمحوا لأهل تلك البلدان بأن يحكموا أنفسهم, أو حتى بمشاركتهم في الحكم , وارتكبوا جرائم نكراء بحق السكن الأصليين, دونها مؤرخون عرب ووثقها الباحثون. قد يقول قائل منهم: إننا أتينا بالحق والناس قد ارتضوا ذلك . وهذا نفس ما يقوله كل غاز أو محتمل, وهو نفسه ما قاله المستعمرون البريطانيون والفرنسيون وغيرهم حين استعمروا بلداناً في أفريقيا وآسيا. ألم يقولوا إنهم عمروا تلك ((المستعمرات)) وعلموا أهلها السلوك الحضاري؟ إذن ما الفرق بين هؤلاء الغزاة وسابقيهم من الفاتحين العرب؟
هل سيبقى هذا المفهوم شائعا و الذي بات مصطلحا تتداوله المجتمعات العربية ومتعارفا عليه في الأوساط السياسية في زمن أصبحت فيه الدولة الوطنية هي السائدة هل ستستطيع المنظومات العربية أن تقر بمنظومة علمانية و يبدأ التحول بشكل جدي لمواكبة الدول المتقدمة و الإنتهاء من موروث ديني لم يجلب إلا الويلات و النزاعات و الصراعات ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تـــحـــيـــة
غسان صابور ( 2019 / 4 / 10 - 08:28 )
أهلا بك بالحوار المتمدن... وحتى نلتقي..


2 - إضـــافـــة...
غسان صابور ( 2019 / 4 / 10 - 09:53 )
Jack SAMUEL
يا صديقي الطيب

من جديد.. أهلا بك على صفحات -الحوار المتمدن- أملا لك متابعة كتاباتك وتحليلاتك الصحيحة.. عن شعب بلد مولدك ومولدي.. ســـوريــا.. وخاصة ما يسمى أقلياتها التي كانت عبر السنين أكثرياتها التاريخية.. والتي بفعل الغزوات الدينية.. إما هاجرت.. أو اعتنقت ديانة السلطان والحاكم والأمير والوالي...
تابع الكتابة يا صديقي.. إنها البلسم الوحيد الباقي لآلامنا ومآسينا.. وجراحنا...
مع تحية فولتيرية مهذبة.
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا

اخر الافلام

.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا


.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو




.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط