الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة المثقف بالكتاب والمكتبة

صاحب الربيعي

2006 / 4 / 29
المجتمع المدني


هناك علاقة خاصة بين المثقف الحقيقي والكتاب لأنه منهل لمكتسباته المعرفية وغذاءً لروحه لايستغني عنه وأكثر ما يعتز به المثقف في حياته هو مكتبته التي تضمن أمهات الكتب وكنوز المعرفة. إنها عالمه الخاص، أسراره المتناثرة بين طيات الكتب، ملاحظاته وآرائه المدونة على قصاصات من الورق تختفي بين صفحاتها أو صورة لحبيبة يخفيها عن أعين الفضوليين أو رسالة غرام تغفو بين أحضان الكتاب أو وردة حمراء اقتطفها خلسة من وجنتا حبيبته تستقي عطشها من حبر الكلمات.
مكتبة المثقف هي عالم خاص، عالم روحي، عالم لايعرف الجوع والفقر الذي يجتاح المجتمع. وقد يضطر المثقف لبيع مقتنياته الحياتية لشراء الغذاء وإشباع رغبات جسده، وغالباً لاتترك أثراً في نفسه لوجود فسح لاقتنائها ثانية!.
ولكن حين يضطره الزمن لبيع مكتبته من أجل سد رمقه من الغذاء ليحيا، يصبح جسداً بدون روح، كائناً بدون إحساس تائه بين الكائنات، كائن خسر روحه، باعها مرغماً لسد رغبات جسده الفاني. أيا شعور ينتاب المثقف حين يحيا دون روح، أنه ينزف قهراً وندماً في داخله حين تجبره الظروف لعرض روحه للمزاد في سوق الكتاب.
يقول ((أرنست همنغواي))"أن الكتب الجيدة، ما هي إلا كنوز من الكلمات الطيبة والأفكار الذهبية التي تصبح رفاق حياتنا وبلسم جراحنا حين نتذكرها ونقتنيها".
يتفاخر الناس العاديين بمقتنايتهم الذهبية وأموالهم وثيابهم الفاخرة التي لاتعدو سوى مظاهر مزيفة لحياتهم في المجتمع، لكن المثقفين يتفاخرون بامتلاكهم أمهات الكتب التي تحتضن كنوز التاريخ والقيم العليا والمعارف الإنسانية، فهي مظهر حقيقي لحياتهم في مجتمع يعيش زيف الحياة.
إن أضعت مثقفاً في زحمة المجتمع، فأبحث عنه في سوق الكتاب أو في المكتبات العامة والخاصة. أسئل عنه الكتب المعروضة على الأرصفة فأكيد قلبها أو القى التحية عليها من بعيد، أسئل عنه تماثيل مشاهير المثقفين في الساحات العامة يدلونك عنه!.
هناك في سوق الكتاب أو في مقهى الأدباء أو ربما تجده منزوياً عند شاطئ نهر أو غابة منعزلة يقرأ كتاب جديد!. هناك سباق مارثوني بين المثقفين الحقيقيين للفوز بكتاب جديد، فهو يبيع مظاهر زيفه الحياتي ليوفر ثمن كتاب لإشباع جوعه الروحي للمعرفة.
يروي ((علي الشرقي)) عن زميله ((حسين النوري)):"أنه كان مشغوفاً باقتناء الكتب، وصادف أنه وجد مجموعة من الكتب معروضة للبيع في المزاد في شارع المتنبي للكتاب. ولم يكن يملك ثمنها، فأودع عباءته عند منادي المزاد رهناً ريثما يسدد ثمنها وقد عاد إلى بيته دون عباءة".
من الصعب على الإنسان العادي أن يفهم هذا الضرب من الجنون عند المثقفين الحقيقيين لاقتناء الكتب، ومن المستحيل أن يدرك المرء العادي معنى الغذاء الروحي.....أنه عالم خاص لايحياه سوى المنذورين منذ ولادتهم ليكونوا أبناء لعالم مختلف عن محيطه، يأخذ على عاتقه طرح الأسئلة على كل ما هو سائد في المجتمع ليحفزه على إيجاد الحلول اللازمة لمشكلاته الاجتماعية المستعصية للحاق بركب الأمم المتحضرة.
وغالباً ما يفرض المثقف الحقيقي بعض أنماط عالمه الخاص على المحيطين به، ويشكو بألم عدم تفهمهم له وهم يشكون جنونه الذي يتناقض مع الواقع!. يشترك العامة من الناس بعالم واحد يسوده أنماط محددة من التعايش المشترك فيما بينهم ويعيش المثقف الحقيقي عالمه الخاص المنفصل كلياً عن عالم الآخرين، من خلال هروبه لعالم العزلة أو التقوقع في عالم خاص مع أقرانه من المثقفين
المثقف عالمه صغير، لكنه مؤثراً في عالم المجتمع الرافض للعوالم الأخرى ولايعي أن للمثقف عالم ظاهري يتعاطى من خلاله مع الناس، وعالم باطني-روحي يحتاج لغذاء معرفي ويموت دونه.
يقول ((جيمس لالنجتن))"أنه ذهب إلى السوق عشية عيد الميلاد لشراء طعام العيد، لكنه وجد كتاباً جديداً فاشتراه بكل ما يملك من المال. وعاد إلى البيت ليزف البشرى لزوجته فسألته عن طعام العيد؟ فقال لها: أن طعام العيد نأكله ونستلذ به فقط هذه الليلة، والكتاب الذي اشتريته نتمتع بلذته طول العمر".
هذا الهوس والجنون الذي ينتاب المثقف الحقيقي حين يجد كتاباً جديداً يغذي روحه ويزيد معرفته ويرفع من مستوى وعيه......لايمكن أن يجد قبولاً أو فهماً من الآخرين، فمن المستحيل أن يفهم المرء هذا الهوس والجنون دون أن يكون مصاباً بذات داء الجنون!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. تقرير أميركي يشيد بجهود البلاد في محاربة الاتجار


.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا