الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة في الميثولوجيا

ميرفت فتحي المراغي
(Mervat Fathy Elmaraghy)

2019 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في بداية عرضنا لهذه السلسلة أود أن أعرض لمحة عن ماهية الميثولوجيا وتعريفها ونشأتها و أهميتها .. لنبدأ معاً رحلتنا في عالم الميثولوجيا و الأساطير :
إذن ماذا تعني الميثولوجيا ? .. هي علم الأسطورة و تعنى بدراسة وتفسير الأساطير، و الأسطورة في اللغة العربية جاءت من السطر وهو الخط أو الكتابة و جمعه " أسطار " وجمع الجمع " أساطير " .
وكان الفيلسوف اليوناني أفلاطون هو أول من استعمل تعبير " Muthologia " للدلالة على فن رواية القصص و بشكل خاص على ذلك النوع الذي ندعوه اليوم بالأساطير ومنه جاء تعبير " Mythology " المستخدم في اللغات الأوروبية الحديثة ، وهي مشتقة من الأصل اليوناني " Muthas " وتعني قصة أو حكاية .
و يعرفها الباحث / فراس السواح في كتابه " الأسطورة والمعنى " بأنها حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون و الوجود و حياة الإنسان. كما يمكن تعريفها بأنها حكايا تقليدية عن الآلهة و أنصاف الآلهة و الأبطال تُصَاغ في قالب شعري فني أدبي مميز مما يساعد على ترتيلها و حفظها و تداولها عبر الأجيال.
وترتبط الأسطورة بالدين فكما نعلم فالدين مكون من ( العقيدة و الطقوس و الأسطورة ) و الأسطورة تُعَبِّر عن شق الدين الاعتقادي الذي يستخدمها كأداة للمعرفة و الكشف والفهم ، فالإنسان منذ وُجِدَ على سطح البسيطة وهو يحاول فهم ما يدور حوله من ظواهر يعتريها الغموض و يحاول جاهداً إيجاد تفسيراً لها فقد راعته أحداث و ظواهر كثيرة كالموت والحياة ، و الخير والشر ، والبروق والرعود و الأمراض و غيرها من الظواهر التي حاول السيطرة عليها و التصدي لها و كشف حقيقتها و حقيقة العالم من حوله و إخضاعه لرغباته و مصالحه ،
ومن هنا نشأ الحس الديني و الذي لجأ إليه الإنسان عندما عجز عن تفسير ما يحدث و أيقن أن هناك قوى ماوراءية خارقة تقف وراء تلك المظاهر المتبدية لهذا العالم ، قوى إلهية مفارقة له و فعّالة فيه ، فبدأ الإنسان يتأمل تلك القوى و يُجَسِم كل شيء خارق منها يحسه و لا يستطيع الوصول إليه فيجعله إلهاَ و يعمل على استرضاءه ، فالنار و الرياح و الشمس و القمر و النجوم كان ينظر لها الإنسان البدائي كآلهة و أخذ ينسج حولها القصص و الأساطير و يتناقلها خلفاً عن سلف ، فالأساطير هي التي ترسم صور الآلهة و تعطيها أسمائها و تكتب لها سيرتها الذاتية و تاريخ حياتها و تحدد لها صلاحياتها و علاقات بعضها ببعض، ومن هنا ظهر الدين ومن ثم ظهرت الأسطورة.
وكما هو الحال في أى معتقد ديني فنجد أن الأسطورة تُخَاطِب الجوانب الانفعالية و غير العقلانية في الإنسان ، فهي تمارس سحرها الخاص و سلطانها الذاتي العميق على النفوس ، وكانت تتمتع الأسطورة بقدسية عظيمة وكان الكفر بها يعد كفراً بكل القيم التي تشد الفرد الي جماعته و ثقافته و فقداناً للتوجه السليم في الحياة.
وترجع هذه القدسية و السطوة العظيمة التي تمتعت بها الأسطورة لارتباطها بنظام ديني معين و تشابكها مع معتقداته والتي في حال سقوط ذلك النظام تسقط بالتبعية الأسطورة و تنهار و تتحول إلى مجرد حكاية دنيوية خرافية كسائر الحكايات الشعبية .
وليس للأسطوره فهي لا تَقِصْ حدث جرى في الماضي و انتهى بل تُعَبِّر عن حدث ذي حضور سرمدي دائم، فهي إما تُعَبِّر عن حقيقة أزلية كما الحال في أسطورة الخلق ، وإما تعبر عن حدث يتكرر على الدوام ويتجدد مع بداية كل عام حسب المعتقد ، كما أن ليس لها مُؤَلِّف معين لأنها ليست نتاج خيال فردي أو حكمة شخص بعينه و لكنها نتاج تأملات الجماعة و حكمتها و خلاصة ثقافتها .
وتَكْمُن أهمية الميثولوجيا أو دراسة علم الأساطير و دراسة ما وصلنا من إرث ميثولوجي عظيم في معرفة و استقراء وفَهم الشعوب البدائية القديمة و سلوكياتها و حياتها الروحية و الفكرية و الثقافية فهي تعكس لنا كيف كانت تفكر تلك الشعوب و كيف انتهجت في عباداتها و معتقداتها و كيف تطور فكرها و كيف وصلت إلي كل تلك الحضارة والتقدم .
كما تُعَدْ الأسطورة أصلاً للفن و الدين و التاريخ و تُعَدْ مرجع مهم و ثري للباحثين في شتى العلوم لاسيما العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع و النفس و الاركيولوجي ( علم الآثار ) و الانتروبولوجي (علم الانسان) و علوم التاريخ فهي تقدم لهم مادة قيمة و ثرية لا تقدر بثمن .
وهكذا قارئنا العزيز فقد تعرفنا معاً على ماهية الميثولوجيا و علم الأسطورة و أهميتها العظيمة و كيف أنها ميراث ثقافي بشري مميز و عظيم ، و ستنال في المقالات القادمة عرضاً لأهم تلك الأساطير بداية من عصور ما قبل التاريخ وكيف كانت معتقدات و روحانيات إنسان تلك العصور مروراً بالحضارة الفرعونية و الإغريقية و حضارات بلاد الرافدين .. فإلى لقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا