الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم في مصر القديمة

ميرفت فتحي المراغي
(Mervat Fathy Elmaraghy)

2019 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلم في مصر القديمة
تحتل مصر مركزًا فريدًا في تاريخ الحضارات القديمة لا نظير له في الروعة و العظمة بين تاريخ الأمم كافة ، وقد تمتعت حضارتها بتفرّدها و أصالتها و إنجازاتها الضخمة ، كما أنها من أقدم الحضارات تاريخًا و أطولها استمرارية بالعالم القديم .
و الحقيقة أن المصريين في الألف الرابع قبل الميلاد لا يختلفون في شيء عن باقي الشعوب الحالية التي بلغت مبلغهم من التقدم و تعيش في نفس ظروفهم و أحوالهم و الدليل ما تركوه لنا مُدَوّنًا و منقوشًا على جدران معابدهم و مقابرهم و ما وصلنا من آثار مازلنا نكتشف منها الكثير .
و قد ساعد على قيام هذه الحضارة العظيمة و استقرارها لآلاف السنين وجود نهر النيل و أرض مصر التي نعتها المصريون القدماء بـ " كيمي " أي الأرض السوداء ، مشيرين بذلك إلى الطمي الذي غمرت به الأرض الفيضانات التي لا حصر لها و التي تدين له بخصبها الفذ الذي لا نظير له مما جعل مصر في استقرار و تنامي متجدد بفضل الزراعة .
و قد كانت مصر عبارة عن أقاليم متفرقة ، ثم أخذت تلك الأقاليم تتّحد مع بعضها بدافع المصالح المشتركة مُكَوِّنة بذلك دُوَيْلات صغيرة إلى أن تَمَكَّن الملك " مينا " من توحيدها في عام 3200 ق.م ، وبذلك تكون مصر هي أقدم دولة عُرِفَت في التاريخ و تَوَحَّدت تحت زعامة حاكم واحد أسّس أول أسرة فرعونية حكمت مصر .
و قد دوَّن المصريون القدماء تاريخهم منذ الأسرة الأولى ، فقد عُثِر على وثائق تُسمَّى " القوائم الملكية " و أهمها : حجر باليرمو ، و بردية تورين ، و ثَبْت الكرنك ، و ثَبْت أبيدوس ، و ثَبْت سقارة و كلها تحتوي على أسماء الفراعنة و مدة حكمهم ، كما عُثِر على " نصوص الأنساب " و هي نصوص كتبها بعض الأفراد عن تاريخ حياتهم و أهمها نص " عنخف- ان – سخمت " الذي كان كاهنًا لكل من الإله (بتاح) و زوجته الآلهه (سخمت) في عهد الأسرة الثانية و العشرين (750 ق.م) ، فقد كتب هذا الكاهن نسبًا طويلاً لعائلته على لوح من الحجر الجيري ذكر عليه ستين جدًا له و كتب أمام الكثيرين منهم أسماء الملوك الذين عاشوا في أيامهم .
كما عُثِر على الكثير من الوثائق التي تُعَد مصدرًا مهمًا تم استقاء المعلومات منه عن تاريخ مصر القديم ، كذلك عُثِر على الكثير من أوراق البردي و التي تحتوي على معلومات طبية و علمية و مراسلات و أوامر و مراسم و تعاويذ و وصفات و طقوس دينية مختلفة و التي ساعدتنا على معرفة ما وصل إليه أجدادنا القدماء من مُنجزات و اختراعات علمية و أدبية و فنية عظيمة تُثير الدهشة و الفخر .
فهيا بنا عزيزي القاريء لنتعرف سويًا على أهم و أبرز تلك المُخترعات التي أنجزها أجدادنا المصريين في مُختلف الميادين العلمية .
1- الفلك :
لقد اهتم المصريون القدماء برصد الجرام السماوية و دراسة حركاتها في السماء ، و قد عُثِر في قبر الأمير " سنموت " من زمن الأسرة الثامنة عشرة على مصور فلكي يظهر في وسطه ( الدب الأكبر و الدب الأصغر و نجم البليلو و في القسم الجنوبي من السماء يظهر نجم الأوريون و نجم الشعري المُسمَّى " سيريوس " ) .
و استطاع المصريون القدماء تمييز الكواكب السيَّارة من النجوم الثوابت و ذكروا في فهارسهم نجومًا من القدر الخامس ( وهي لا تكاد تُرى بالعين المجردة ) ، ومن خلال ملاحظاتهم و رصدهم أنشأوا التقويم المصري المسمى بـ التقويم التحوتي نسبةً إلى " تحوت " إله المعرفة و الكتابة و التقويم و الذي أصبح أعظم ما أورثه المصريون إلى الإنسانية ، و قد قسموا السنة إلى اثني عشر شهرًا و كل شهر إلى ثلاثين يومًا ثم أضافوا خمسة أيام إلى السنة لتصبح 365 يومًا مما يتفق مع الحقائق الفلكية .
كذلك استطاعوا أن يعرفوا و يحددوا أوقات الكسوف و الخسوف و قسموا كلاً من الليل و النهار إلى اثنتي عشرة ساعة ، و اخترعوا الساعة الشمسية و كذلك الساعة المائية في عهد الأسرة الحادية عشرة و قد نقلها عنهم الإغريق ثم انتشرت فيما بعد في أوروبا .
2- الرياضيات :
لقد عُثِر على ملفات و وثائق تحتوي على قواعد الحساب قائمة على الأساس العشري الذي مازلنا نستعمله في حياتنا إلى الآن ، كما تضمنت مباديء الجبر و الهندسة و نحن لا نملك أنفسنا من الإعجاب عندما نقرأ في أمثال تلك البرديات الشيء الكثير عن هندسة المسطحات و نرى كيف عرف القدماء المصريين قواعد لحساب مساحة المثلث و المربع المنحرف و الدائرة على وجه دقيق .
و أقدم رسالة في الرياضيات هي " بردية أحمس " و التي يرجع تاريخها إلى 2700 ق.م و هي تحسب مساحة مخزن للغلال أو مساحة حقل ، كما تحوي معادلات جبرية من الدرجة الأولى ، كذلك عرفوا قياس أحجام الاسطوانات و الكرات و كيفية حساب كتلةهرم مربع الأضلاع .
و في هذا يقول هيرودوت : " إن الهندسة اكتُشِفَت في مصر ثم ذهبت بعد ذلك إلى بلاد اليونان " ، و يؤكد غيره من المؤرخين أن النظريات الهندسية اكتشفها المصريون قبل غيرهم بسبب حاجتهم إليها في تحديد مساحات الأراضي .
و إضافة إلى ذلك فقد كانوا يعرفون خواص المربع المنشأ على الوتر في المثلث القائم الزاوية و هذه الخواص هي التي عممها بعد ذلك " فيثاغورس " لجميع المثلثات القائمة الزاوية ، كما كانوا يعرفون المتتاليات العددية و الهندسية .
3- الطب :
كان المصريون القدماء متطورين في مجال الطب ، فقد وًجِدَت برديات عديدة تحتوي على وصفات طبية لمعالجة أمراض عديدة و فيها وصف لبعض العقاقير و الأدوية و طريقة المعالجة بها .
كما صُوِّرَت على جدران معبد (كوم امبو) بعض الأدوات المستعملة في الجراحة و وُجِدَت على إحدى جدران مقابر الدولة القديمة صور لبعض العمليات الجراحية في اليد و الأنف و القدم و غيرها .
أما العقاقير فكانت تُصنع من الأعشاب و النباتات التي تنبت على ضفاف النيل ، وقد صنّفها المصريون و وضعوا وصفًا لخصائصها كالخشخاش الذي استعملوه لتسكين الآلام و النعناع و الكندر و غيرها من المواد العطرية و التي استخدموها في الجروح و الدهانات الخارجية و غيرها من الأعشاب و النباتات التي فطنوا إلى أهميتها و اكتشفوا كيفية استعمالها كأدوية و عقاقير للأمراض المختلفة .
و قد عرف القدماء المصريون السموم و عرفوا أعراضه و تذكر بردية " أيبرس " تحذيرًا من مخاطر لدغة العقرب و أوصت باستعمال العسل و براز فرس البحر كعلاج لها ، كذلك عرفوا البنج و الزرنيخ و غيرها .
و كانوا يراعون عمر المريض عند وصف العلاج و يحددون المقادير الواجب تناولها فنشأت بذلك مباديء علم الفرمشة (الصيدلة) ، و قد ساعد تحنيطهم للموتى بشق جسم الإنسان و إخراج الأحشاء منه على إطلاعهم على أعضاء الجسم الداخلية كالقلب و المعدة و الرئة و غيرها ، و تدل إحدى البرديات على معرفتهم بالدورة الدموية و علاقة النبض بالقلب ، كما تمكنوا من معالجة كسور العظام .
كذلك عرفوا طب الأسنان حيث عثر على جمجمة فيها ضرسان مربوطان ببعضهما بخيط من الذهب , كما استطاعا علاج تسوس الأسنان .
و وجدت بردية في (الفيوم) تحتوي على معلومات في الطب البيطري و فيها جزء خاص بأمراض النساء و الحمل و العقم .
و عرف المصريون التخصص في الطب فكان كل طبيب يختص بعلاج مرض من الأمراض فبعضهم اختص بالجراحة ، وبعضهم بمعالجة أمراض العيون ، و بعضهم بأمراض النساء .. إلخ .
و قد كان هناك نظام أدبي و أخلاقي في المعالجة فالطبيب بعد اطلاعه على المرض كان عليه أن يُعلن بصراحة إلى المريض عن مدى مقدرته في معالجة مرضه و كان عليه أن يُصَرِّح بإحدى العبارات التالية :
_ هذا المرض لا أستطيع معالجته .
_ هذا المرض من المحتمل أن أستطيع معالجته .
_ هذا المرض أستطيع معالجته .
و قد أُلْحِقَت ببعض المعابد مدارس خاصة بالطب ، كما كان للقصر الملكي أطباء عديدون مختصون .
إذن رأينا معًا كيف بلغ أجدادنا القدماء من تطور في العلوم المختلفة و كيف كان لهم السّبق في التوصل إلى اكتشافات علمية و اختراعات و إنجازات عظيمة كانت دومًا منبع و مصدر ملهم لغيرها من الأمم و الحضارات .
المصادر :
مصر أيام الفراعنة / محمد الخطيب .
مصر الفراعنة / سير ألن جاردنر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا