الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثالوث الانتهازي

صليبا جبرا طويل

2019 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تسقط القيم، والاخلاق، ليتبعها أوطان وشعوب، عندما يتحالف انتهازيون من سياسيين، ورجال دين، واصحاب ملايين.

في الشرق، الحياة تبقى، وستبقى راكدة، ما دام من يقودون ما يسمى " التغير" يظهرون ما لا يخفون، همهم الوصول وامتلاك الحكم، والسيطرة والتسلط، يتبعون نهج وأسلوب من سبقهم حاضرا، وماضيا، يجتهدون في ترتيب نمط حياة شعوبهم ليسير بوتيرة واحدة، على ايقاع موسيقي رتيب، مملل، بليد، خانق، كي يحافظوا على مكتسباتهم. معتبرين انفسهم أوصياء، أولياء على الشعب.

بالمصالح، ترتبط دول الشرق بعضها ببعض، فلا الدين، ولا اللغة تمكنان من توحيدها. يغلب على كل منها الطابع القبلي، فارضا سلوكه، وأدبياته، ومنهجه، محافظا، متمسكا بالقوانين العشائرية المعمول بها منذ قرون، الى جانب القوانين المدنية المعاصرة. كونه عشائري يكون ولاء ابناءه للقبيلة اكبر أو مساويا لولائهم للدولة . القبيلة تشكل ندا قويا للأحزاب السياسية، وشريكا لها أو منافسا، أو حليفا في أي انتخابات تجرى، معتمدة في تأثيرها على توجيه أبنائها. بعض العشائر تتبنى نظاما اقتصاديا، تجبي اشتراكا ماليا من افرادها – خاصة الذكور منهم – لتمويل المشاريع الخاصة بهم. من هنا يبدا الخلل في التركيب المجتمعي. في هذه الدول الشرقية، الصراعات والتحديات تتغلب على التفاهمات فيما بينها، و الفساد يتجذر فيها بسبب حكمها ايضا، من قبل ثالوث انتهازي، متمكن متماسك من ساسة، ورجال دين، وأصحاب ملايين، مرتبط بتحالفات مع قوى غربية استعمارية رأسمالية تعزز صموده، من خلالها يستمد قوته، ودعهما المالي، والعسكري في أي ظروف محرجة خارجية، أو داخلية قد يتعرض لها.

الواقع الجديد كما في الماضي القديم، الحياة تستمر لتتمحور حول وجود الفرد، أو عدم وجوده، بين ان يكون له قيمة أو لا يكون، في عالم لا يمكنه من تحقيق تطلعاته، واحلامه، ولا حتى العيش بكرامة، ليقف متسولا على بوابة الحياة، مناجيا رب العالمين ،متسائلا : "أنا من أكون ؟ " و"مستقبلي، ومستقبل ابنائي في وطني العزيز الغالي كيف سيكون؟ " . في المقابل، يقف من جثوا على رقاب البشر، حفنة تمتلك القرار السياسي، والديني، والمالي يهندسون كما تحلوا لهم الحياة، بما يلبي مصالحهم، شاكرين المعطي، ومانح المراكز، رب العالمين. ليس كفرا، بل تعجب مؤمن اتسأل: "أين انت يا الله؟ وعلى أي مسافة تريد أن يقف محبيك من المحتاجين أمام محبيك من الانتهازيين؟، وكيف تريدهم أن يتصرفوا معهم؟، هل تريدهم أن يخرجوا عن طاعتهم؟".

في الشرق، المبدأ التربوي الاول هو ان تتعلم الطاعة والخوف، وخيرة المعلمين، وافضلهم هم رجال الدين. بشكل ممنهج ، يزرعون الخوف في قلوب رعاياهم، يستلموهم، يقيدوهم منذ لحظة الولادة حتى الممات، ليطيعوا جبراً لا اختياراً، دون ادارة أو تفكير، ليستسلموا في كل صغيرة وكبيرة لمن أوكلهم، واقامهم، وولاّهم الله نيابة عنه في ادارة شئونهم الروحية، أولئك الذين يرون في الدين عبودية لا حرية كما ارداها الديان ان تكون، بأيديهم مفاتيح السماوات. لذلك يعيش الفرد مستسلما بعقله وقلبه كليهما خوفا من غضب الله، وجبروته، وسطوته وبطشه،... الخ دون ادراك محبة الله لهم، وعطفه وتسامحه معهم، ولطفه بهم. ثم ينقلونهم جاهزين الى حكم الزعيم الأمر الناهي الذي يحرص على تطبيق حكم الله على الارض بحسب دبلوماسيته، ومفاهيمه الغامضة التي لا تحتمل التأويل والتفسير. فيغدوا القائد معصوم عن الخطاء لأنه يبطش، ويكون الملهم لأنه مفكر، والثوري لأنه مناضل، المحبوب لأنه يتبرع بسخاء، بين يديه حاضر ومستقبل الامة، وبيده الحياة والموت، من عصاه تحل عليه لعنات الله، ومن أيده تحل عليه بركاته. من المهد الى اللحد تستمر هذه التعاليم في توارثها، من جيل الى جيل، ليبقى القائد المبجل سليل الاباطرة، والقواد، والثوريين العظماء، القائد الملهم. قائد صنعه ثالوث سياسي، وديني، وراس مالي يتناسب مع حجم مصالحهم، ليتقاسمو، ويحكموا الوطن والانسان. ما يترتب على المواطنين هو تقديم الولاء والطاعة العمياء. من يطيع بشكل اعمى يفقد الارادة والفكر، حتى انه يفقد صفته كانسان، ويفقد علاقته السليمة بالله. وتصبح كل كبيرة وصغيرة مفروضة عليهم تدمغ باسم الرحمن. دون ضمير أو أحراج أو حتى الشعور بجريمة يرتكبها كل من يستخدم اسم الله كعنوان ليمرر مخططاته، ومعاصيه. ليصبح كل شيء مقدر لهم من الله. عندها يصبح شئاناً محرما، مناقضا للطبيعة الالهية ان تدخل به انسان. فالثروة حتى لو كانت صاحبها جمعها من دماء الشعب، هي هبة له من عند الله، من حقه أن يحتفظ بها في بنوك الغرب.

في مجتمعات، فيها حاكم ظالم سارق، يهلل له اصحاب رأس المال، يسانده رجال دين ، يتعلم المواطنون منذ الصغر ان فقرهم من الله، ونكباتهم من الله، وامراضهم من الله، وبتلائهم من الله، وضعفهم الجنسي من الله، وما تحمله نساؤهم من الله، وعدوهم من الله، لا تتوقع منهم ان يتقدموا في المعرفة والعلوم، لانهم ينتظرون اشارة من عند الله، واهب العقول كي يبداؤا في استخدام عقولهم. في ذلك ايضا للأسف مرجعياتهم ستكون اوصياء الله الحاذقين في الامور الدنيوية والدينية. شئت أو أبيت فهم يشكلون لك الطريق في الحياة وما بعد الحياة. وما خروجك عن طاعتهم الا تحديا لهم. تأكد، وادرك بأعماق أعماقك ذلك ليس تحدياً لله.

الساسة يصبحون رهائن طائعين لأصحاب رأس المال، كلما مولوا حملاتهم الانتخابية، ليسهل توسعهم في احتكار المشاريع المختلفة. ورجال الدين يصبحون اداة بأيدي اصحاب راس المال، كلما مدوهم باحساناتهم المستترة بدعم مخفى، أو على مرأ وسمع المؤمن. لتسهيل مصالح الانتهازيون، يتحدون، ليسيروا المجتمع بما يخدمهم. البعض في الشرق يبحث عن دور للمعارضة في احداث تغيرات اجتماعية. للأسف المعارضة صورية لا اكثر، مشلولة الاداء تستخدم كواجهة تظهر ان لها ثقل وفعالية ودور في احداث فرق سياسي واقتصادي وتقدمي. بصراحة المعارضة اقرب الى الميوعة في مواقفها، دورها لا يحدث تغير، أو تاثير، وجودها مثل عدمه، هي اسم على مسمى. المعارضة كسيحة يهمها مصلحتها، والمحافظة على مواقع زعماءها المكتسبة، هناك غزل بين السلطة والمعارضة، وعلاقات حميمة في احيان اخرى تسمح بانفراد الحكام للسلطة في قراراتها. السلطة الحاكمة بيدها الابقاء والاجهاز على المعارضة بطرق ووسائل شتى. فقد تتهم لتصبح مسؤولة عن انحراف المجتمع وسلوكه المشين مثلا، ليعتقل افرادها، كون حكوماتنا ديمقراطية اسماً لا فعلاً.

لو تم وضع كل فرد انتهازي يعشعش، ويسمن داخل هذا الثالوث تحت مجهر معاصر، وقسناه بمعايير أخلاقية، وحقوقية، ومدنية، لوجدناه تحت القانون، لكن من يتستر عليه، ويدافع عنه ليجعله فوق القانون. يدافع الانتهازيون، الفاسدون عن بعضهم البعض، بمكر، بدهاء، بطرق شتى مستغلين المقدس، وغير المقدس ليقنعوك بان ما انت فيه من حال سببه أولا الهي، كونك مبتعدا عن الدين وطقوسه، وثانيا قوى خارجية استعمارية، تهدف للنيل من انجازات الدولة . كما انهم يبرروا افعال الفاسد بقولهم:" انه بشر، له ما له، وعليه ما عليه، ويجب عدم الالتفات الى ما يثير الجدل ويفرق الشعب". صحيح كلنا بشر، لكن ان كان حاصل على حصانة فذلك لا يعني اننا جميعا سواسية امام القانون، يحاكم فقير بسبب سرقة رغيف خبز، ومن سرق وطن لا يحاكم.

الثالوث الانتهازي لا يمكن ان يحقق تطلعات الشعوب، ويحقق احلامها، وتقدمها. هو شر يحمل بذور انهيار المجتمع، مستغلا الفكر، والمقدس، والمال ابا الشرور، استغلالا خسيسا دنيئا، عوضا عن انتشال المجتمع من مستنقع الجهل، والتخلف، الى واحة التنوير والتقدم. الفصل بين السياسية والدين هو الحل الامثل ، بذلك يتفرغ الساسة لقضايا شعوبهم دون امتلأت، ورجال الدين يتفرغون لروحانيات رعاياهم دون الارضيات المادية.

ان لم يستفد أي شعب، على وجه الارض، من كتبه المقدسة وأديباتها، التي تقدم اسس، ومبادئ، واساليب التعامل الانساني، والاخلاق الحسنة، والمحبة، والتسامح بين الانسان والانسان، أينما كان، بعيدا عن عقيدته، ولونه، وجنسه، فاعلم ان الدمار حليفه. علينا ان لا نحمل فشلنا البشري، وعيوبه، ونقائصه الا على اطماعنا، وجشعنا. عدم احترامنا لقوانين حقوق الانسان، وحرياته، وكل توجه لا انساني يصدر عنا ومنا، نتيجة لما من صغرنا زرع فينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah