الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة عن الميثولوجيا - الحلقة الثانية

ميرفت فتحي المراغي
(Mervat Fathy Elmaraghy)

2019 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سلسلة حلقات عن الميثولوجيا -
الحلقة الثانية :
- ميثولوجيا و معتقدات ما قبل التاريخ :
تحدّثنا في مقدمة هذه السلسلة عن ماهيّة الميثولوجيا و أنها تُعنَى بدراسة علم الأسطورة ، و تعرّفنا معًا على أهميتها و نشأتها .. أما الآن فسنعرض لمعتقدات ما قبل التاريخ و سنلقي الضوء على الجانب الروحي لإنسان تلك الحِقبة .
بداية ً فعصور ما قبل التاريخ يُطلق عليها " العصور الحجرية " و هي العصور التي سبقت اختراع الكتابة و تُمثّل أغلب حياة الإنسان على الأرض و يسودها استخدام الأدوات الحجرية .
و تنقسم العصور الحجرية إلى عدة عصور و هي كالتالي :
1- العصر الحجري السحيق ( الإيوليت ) : و ليس لهذا العصر بداية محددة فهي مرتبطة بظهور الإنسان الذي أُطلق عليه " الإنسان القردي " و الذي كان مُلتصِقًا بالغابات و الحيوانات .
2- العصر الحجري القديم ( الباليوليت ) : و يمتد بين 500,000 سنة ق.م و حتى 12,000 سنة ق.م .. و هو العصر الذي ظهرت فيه ثلاثة أنواع من الإنسان هي ( المنتصب ، النياندرتال ، العاقل ) ..
و يُقسّمه العلماء إلى ثلاثة عصور هي :
أ‌- الباليوليت الأدنى (500,000 _ 100,000 سنة ق.م ).
ب‌- الباليوليت الأوسط (100,000 _ 40,000 سنة ق.م ).
جـ- الباليوليت الأعلى (40,000 _ 12,000 سنة ق.م ).
3- العصر الحجري الوسيط ( الميزوليت ) : 12,000 _ 8,000 سنة ق.م .
4- العصر الحجري الحديث ( النيوليت ) : 8,000 _ 5,000 سنة ق.م .
5- العصر الحجري المعدني ( الكالكوليت ) : 5,000 _ 3,000 سنة ق.م .
و هكذا فهذه هي تقسيمات عصور ما قبل التاريخ و الآن فلنتعرّف معًا من خلال السطور القادمة على ميثولوجيا و معتقدات إنسان تلك العصور ..
لم تظهر حياة روحية متطورة لدى إنسان العصر الحجري القديم ( الباليوليت ) و بالأخص في " الباليوليت الأدنى " و لكن يمكن القَوْل بأنه قد بزغت بوادرها الأولى و لاسيما بعد اكتشاف إنسان هذا العصر للنار و التي اعتبرها شيئًا مقدسًا نظرًا لقدرتها الغريبة و خصائصها المُتفرّدة و التي جعلت الإنسان يتأمّل صفاتها و آثارها و شكلها مما انعكس إيجابيًا على وعيه و من ثمّ على قوته الروحية ، فظهور النار كان عاملاً نوعيًا حرّك في الإنسان قواه الدينية المميزة لهذا العصر .
أما في عصر الباليوليت الأوسط فقد ظهر إنسان النياندرتال
و هو أقدم نوع بشري عُنِي بدفن موتاه في القبور كما دلّت الحفريات و اتّبع في ذلك تقاليد معينة مما يدل على تمتعه بحياة روحية دينية ، فقد عُثِر على مقابر في كهوف بجنوب فرنسا كان بها هياكل عظمية للنياندرتال و كانت في وضع الجثو ( أي وضع الجنين ) ، و إلى جانب هذه القبور وُجِدَت حفرة مليئة برماد و عظام ثور بري ، كما عُثِر على هياكل أخرى بعضها كان في وضعية الاستلقاء و بعضها كان في وضع جانبي مُتوسّدة ذراعها الأيمن و تحت الرأس كومة من شظايا الصوان و قُرب اليد وُضِع مقبض فأس حجرية و أصداف و بقايا عظام لحصان بري ، و كان اتجاه جل الهياكل العظمية وفق محور شرق غرب أي أن الرأس في اتجاه المشرق و العُقْب في اتجاه المغرب و في ذلك دلالة كبيرة على اعتقاد إنسان النياندرتال في البعث ففي توجيه رأس الميت نحو مشرق الشمس دلالة رمزية على البعث كحالة بعث الشمس و إشراقها .
كما عُثِر على أكبر تجمع للقبور النياندرتالية في فلسطين و كان وضع الهياكل بها شبيهًا لدرجة كبيرة إلى الوضع الذي ذكرناه أعلاه ، و كان مرفق مع بعض الهياكل هدايا جنائزية كعظم فك خنزير بري و اُحيطَت هياكل أخرى بقرون ماعز جبلي مغروسة في الأرض و لهذا دلالة , فقد كان إنسان النياندرتال ينظر للحيوانات على أنها رمز مقدّس كصلة روحية مع فصيلة معينة من الحيوانات التى كانت مصدر غذائه و كذلك الحال مع الحيوانات الوحشية فقد نظر إليها برهبة و خوف و قدسية و من الشواهد على ذلك ما وُجِد في مغاور كهوف الألب من عدد من جماجم دِببة كانت محفوظة و مُرتّبة بطريقة خاصة و أُحيط بعضها بحجارات صغيرة و بعضها الآخر بألواح محجرية و خمسة جماجم لإنسان النياندرتال محفوظة مع عظام الساعد في جدار الكهف .
و قد أطلق الباحثون مصطلحات مثل " سيد الحيوانات " و " سيد الدببة " ليصفوا ذلك الفرد من أفراد القبيلة و الذي كان يظهر لهم على هيئة حيوانية لا بشرية ، و هو من كان يُمَكّن أفراد القبيلة من صيد الحيوانات و يسوقها إليهم ، لذلك يُرجح الباحثون أنه تم تقديسه و وصل الحال فيما بعد إلى حد عبادته و الصلاة إليه .
و كذلك في العراق عُثر على هياكل مُحاطة بأنواع معينة من البراعم و الأزهار و التي تَبَيّن أنها من النوع الذي يُستعمل اليوم لتحضير أنواع معينة من الأدوية و العقاقير .
و يرى بعض الباحثين أن إنسان النياندرتال كان له اعتقاد بالروح من طريقة معاملته للموتى فقد اُكتُشِفَ في كهف كرابينا بكرواتيا بقايا مُتكسّرة لأكثر من عشرة جماجم لإنسان النياندرتال و كان بعضها محروقًا و معه بقايا حيوانات وحشية مما يُشير إلى عادة أكل أدمغة الموتى فقد رأى إنسان النياندرتال أن الرأس هو مقر قوة وروح الفرد و أنه ربما إذا تناول دماغه فإن هذه القوة أو الروح ستنتقل له .
إذن قارئنا العزيز فإن كل هذه دلائل و شواهد هامة تشير إلى أن إنسان النياندرتال الذي عاش في عصر الباليوليت الأوسط كان يتمتع بحياة روحية دينية فلقد عُنِيَ بدفن مُقَدّسه معه و الذي يتمثّل في ( النار ، الحيوان ، الأدوات التي استخدمها ) لكي يحميه بعد الموت مما يَنُم عن اعتقاده باستمرار حياته بعد الموت و البعث و إقدامه على حياة مُقبلة ، فقيامه بشعائر دفن مُعينة يوحي و يدل على موقف أيديولوجي متماسك من مسألة الموت و اعتقاد واضح بأن الكائن الحي يتألّف من جسد مادي و روح و أن هذه الروح تفارق جسد الميت و تكتسب قوة غير عادية عند استقلالها قد تكون خيّرة أو شريرة و هذا ما يفسر دفن جثة الميت في وضع الجنين لأن هذا الوضع من شأنه منع الجسد من التمدُّد و الخروج إلى عالم الأحياء .
و كذلك دفن الأدوات التي كان يستخدمها النياندرتال في حياته يدل على اعتقاده بوجود حياة أخرى بعد الموت تشبه حياته التي عاشها إلى حد كبير .
و هكذا فقد تعرفنا سويًا على طبيعة الجانب الروحي و الديني لدى إنسان تلك العصور الحجرية القديمة ( الباليوليت الأدنى و الأوسط ) و رأينا كيف نشأ و نما لديه الحس الديني و تطوّر و عرضنا لأهم الشواهد و الدلائل التي وصلتنا من هذه العصور السحيقة ، أما عن ميثولوجيا و معتقدات إنسان عصر الباليوليت الأعلى ( الإنسان العاقل ) و بقية العصور الحجرية الأخرى فهذا ما سنتناوله ونعرضه في مقالتنا القادمة .. فإلى لقاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا