الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية طفل الرمال عكست لنا وضعا يُؤسف له كانت تعيشه المرأة

حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)

2019 / 4 / 20
الادب والفن


1
قراءة الطاهر بنجلون - الذي يعتبر اليوم من أهم الكتاب المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية ـ أمر ، أكاد أقول ، أنه ممتع ، هذا شعور ينتاب كل قارئ ما إن يمسك رواية من رواياته العديدة .
تعرفت عليه بادئا ذي بدء ، من خلال روايته " لن ترحل" ، ثم توالت اللقاءات من خلال "نزل المساكين" مرورا ب"البلد"، " حينما تترنح ذاكرة أمي " ، "الإرهاب كما نشرحه لأولادنا" وليس أخيرا رواية " طفل الرمال" التي هي موضوع قراءتنا والتي أسالت منذ صدورها عن دار سوي في باريس سنة 1985 ، مدادا كثيرا ، وذلك لقدرتها – بجانب أشياء أخرى - على اختراق جدار الصمت الكثيف الذي كان يلف وضع المرأة آنذاك في المجتمع المغربي والذي ما برح حتى اليوم وضعا دونيا مقارنة مع الرجل . ترجمت أعماله إلى أكثر من خمسة وأربعين لغة ونال عليها العديد من الجوائز الدولية منها على سبيل الذكر لا الحصر : جائزة غونكور الفرنسية عام / 1987 جائزة إمباك الأدبية عام 2000 / جائزة دبلن للآداب سنة 2004
2
تحكي رواية طفل الرمال التي تقع في ثمانية عشر فصلا عن " زهراء - أحمد " البنت الثامنة لأب وأم ينجبان فقط الإناث - والتي يقرر الأب أن يلغي شخصيتها الأنثى زهراء ، ليبدلها بشخصية الذكر أحمد .إذ يقول لزوجته : " سيكون وليدك ذكرا ، رجلا ، وسيكون اسمه أحمد حتى لو كان أنثى ! لقد رتبت كل شيء ، وحسبت حساب كل شيء. سنستقدم للا راضية ، القابلة العجوز ، فلن تعمر سوى عام أو عامين ، ثم إنني سأنفحها بالمال الكافي كي تصون السر . سبق أن اتفقنا ، طبعا ستكونين أنت بئر هذا السر وقبره." وذلك لعدة أسباب تتجلى :
- أولا في إحساسه بالعار والخزي والمرارة ونقص في الرجولة بإنجاب البنات فقط ، يقول الراوي : " وكان يحدث له أن يبكي في صمت . كان يقول بأن هناك وصمة عار على وجهه وأن جسده مسكون ببذرة لعينة وأنه يعتبر نفسه زوجا عقيما أو رجلا في مرحلة العزوبية ، لا يذكر أنه تلمس يوما وجه إحدى بناته . كان قد رفع بينه وبينهن سورا منيعا ، كان عديم الملاذ والبهجة ولم يعد يحتمل تهكمات أخويه الذين كانا يأتيان إلى الدار عند كل ولادة. "هنا يتجلى شيء مهم تجدر الإشارة إليه وهو أن المجتمع الذكوري لا يمارس سطوته وهيمنته فقط على النساء كما يظن الناس ، بل على الرجال أيضا ويحولهم إلى أشخاص قساة غصبا عنهم. ، ففي الثقافة الذكورية الأبوية المهيمنون مهيمن عليهم بهيمنتهم كما يذهب إلى ذلك عالم الاجتماع بورديو .
- أما السبب الثاني فيتحدد في منع أخويه الطماعين من الاستحواذ على ثروته ، هنا يقول الراوي : " لا بد أنكم تعلمون يا أصدقائي وشركائي بأن ديننا لا يرحم الرجل الذي لا وريث له ، فهو يجرده من أملاكه كلها أو تقريبا لفائدة الأشقاء ، أما البنات فلا يحصلن إلا على ثلث الإرث ، لذا كان الشقيقان يرتقبان موت أخيهما الأكبر لكي يقتسما حصة كبيرة من ثروته "
لتجد زهراء -–بطلة القصة نفسها مجبرة على سلك هذه الطريق أي أن تكون رجل وفق مشيئة الأب ، بل ويذهب بها الأمر إلى أن تحب وضعها وذلك نتيجة مقارنتها بين وضع الرجل ووضع المرأة في المجتمع المغربي ذا العقلية الذكورية ، حيث أن المرأة كما أسلفت أعلاه تعايش وضعية دونيا ، ، أي أقل مرتبة وقيمة من الرجل . إذ تقول للأب : " ليس فحسب أقبل وضعيتي وأعيشها ، بل أحبها ، إنها تهمني ، فهي تسمح لي بالحصول على امتيازات ما كنت لأعرفها أبدا ، وهي تشرع في وجهي بعض الأبواب ." لكن بعد وفاة الأب ، يتغير كل شيء ، تنقلب حياة بطلنا ويبدأ في البحث عن العودة إلى أصله إذ يقول : آن الأوان لأولد من جديد ، لن أتغير في الواقع ، بل سأكتفي بالعودة إلى نفسي ، إلى ما كنته قبل أن يبدأ القدر الذي لفقوه لي في السريانويجرفني داخل إحدى التيارات . هكذا تخرج من المنزل من أجل إيجاد نفسها التي حاولوا إخفائها أو إلغائها ، لتنتهي القصة نهايات مفتوحة على كل الإمكانات ومختلفة باختلاف الرواة .
3
إن رواية طفل الرمال قد عكست لنا وضعا يُؤسف له كانت تعيشه المرأة في مجتمعنا المغربي ذي البنية التقليدية الأبوية ، فهي في روايته هذه مسلوبة الإرادة ، خاضعة للرجل بشكل تام ، فاقدة للكرامة ، مسربلة بجدار سميك من الصمت . لا يسمح لها بالكلام أمام الأجانب . فالكلام من حق الرجل وحده .
إن المرأة في رواية طفل الرمال وجودها غير مرحب به ، وجودها يجلب العار – لهذا كان يحس الأب الذي ينجب الإناث فقط بأن وجهه يكسوه العار . ولكي يسترجع ماء وجهه / ولكي يغسل عاره ، فها هو يلعب دور الإله مثلما لعب أجداده هذا الدور في الجاهلية بدفنهم بناتهن . لكن لأنه لا يستطيع فعل ذلك ، خوفا من القانون ، فهو بدل ذلك يخلق ذكرا من أنثى ، يلغي شخصية الأنثى ، وإذا نظرنا إلى الأمر جيدا ، وجدنا أنه فعل ما فعله أجداده سابقا وإن اختلفت الطرق .
4
عود على بدء
تأسيسا على سبق يمكن القول أن رواية طفل الرمال قد عكست لنا وضع سوداوي إلى أبعد حد كانت تعيشه المرأة ، بيد أنه وضع ، كي لا نكون ظالمين ، قد عرف تطورا إلى حد ما في السنين الأخيرة وهو تطور ساهمت فيه كما يقول الباحث عصام عدوني في بحثه الموسوم ب العنف والتمييز ضد المرأة في جملة من العوامل يمكن أن ندرج ضمنها الانفتاح والتوجه الليبرالي الذي دشنه المغرب منذ أواخرالقرن الماضي ، بالإضافة إلى زخم الفعل السياسي الجماهيري بفعل تطور حركة حقوقية ونسائية ذات قوة مطلبية وازنة وقدرة كبيرة على التعبئة والتفاوض ، إضافة إلى المتغيرات الدولية التي دفعت ، وما زالت تدفع ، في اتجاه تعميق الإصلاحات "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا