الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصداقة والعداء في الوسط الثقافي

صاحب الربيعي

2006 / 4 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الوسط الثقافي وسط مهني يجمع عينات مختلفة التربية والنشأة والسلوك والممارسة يمتهنون العمل الثقافي وتختلف مكتسباتهم المعرفية تبعاً لمدى الجهد الشخصي الذي يبذله المثقف للارتقاء بوعيه لمراتب أعلى لينعكس ذلك على حجم وجودة نتاجه المعرفي.
وبما أن الوسط الثقافي وسط مهني فإنه يعيش نفس تناقضات الأوساط المهنية الأخرى (الايجابية والسلبية) بين أفراده، فالايجابية منها تدفع نحو التنافس الشرعي لإنتاج معارف جديدة والسلبية تعكس أوجه الحسد والغيرة والتنافس غير الشرعي لتفصح عن أوجه العداء والصداقة الشللية للنيل من الآخر ونتاجه لإعلاء شأن الذات.
عموماً يعود السلوك غير سوي للطبيعة البشرية الكامنة (العدائية) الساعية لتحقيق مصالحها على حساب الآخرين، وتتلاشى ظاهرة العداء والحسد تدريجياً من الذات مع ارتقاءها بالعلم والمعرفة لتكون أكثر صفاءً في عقد علاقة الصداقة السليمة مع الآخرين.
والصداقة ليست الوجه المضاد للعداء وأنما هي سلوك وممارسة يتم اختبارها عبر الزمن لترتقي لمستوى حب الخير، فالذات الخيرة تحب الخير للآخرين.
يقول ((الأمام جعفر الصادق-ع))"لاتسم الرجل صديقاً، سمه معرفة حتى تختبره بثلاثة: تغضبه فتنظر غضبه أيخرجه عن الحق إلى الباطل وعند الدينار والدرهم وحتى تسافر معه".
لكن أحياناً يفرض عليك الوسط الثقافي التعامل مع عينات مختلفة التربية والنشأة والسلوك بحكم المهنة مهما حاولت أن تنأى بنفسك عن التعامل معهم، حيث يشعر المرء بالاختناق من الرياء والغمز من قناة الآخرين أو التعريض بهم بغرض إعلاء شأن الذات التي تعاني من نقص في مراتب وعيها ونتاجها الإبداعي.
وتصبح خيارات التعامل محدود معهم مقابل اللجوء لعام العزلة للحفاظ على مراتبية النفس ومكتسبتها المعرفية وعدم زجها في أتون الصراع الشخصي والنيل من الآخرين بدون وجه حق.
تتساءل (( مي زيادة)) قائلةً:"لو أرغمت على قبول أحد الثلاثة فأيهم تختار: الذي يعاديك علناً ويرجمك صراحاً مؤولاً كل حسنة فيك نقصاً لك؟ أم العدو اللابس ثوب الصديق الذي يدس وراء كل ثناء ظاهر ضعفه من الطعن؟ أم الذي يبدأ بالثناء عليك أجمل الثناء ليصدق الناس، ومن ثم يبدأ افتراءه بحجة الثناء المضلل عليك؟".
إن الحسد والغيرة تتأصل في الذات التي تعاني من سوء التربية والنشأة ومن عدم القدرة على منافسة المبدعين منافسة شرعية، فنجاح الآخرين يعد فشلاً كبيراً للذوات غير السوية لأنه يعمق الهوة بين الذات المبدعة والذات غير المبدعة، فالأولى ترتقي أكثر بالنفس لمراتب أعلى من خلال مكتسباتها المعرفية ونتاجاتها الإبداعية. والثانية تغوص أكثر في دهاليز النفس الكامنة والخاوية من المعرفة وضئيلة الإنتاج المعرفي، فتدفعها لإتباع مسالك غير مشروعة لإعاقة الآخرين بغرض الحد من سقوطها الذاتي نحو الحضيض.
وغالباً ما تفلح الذوات غير السوية في مسعاها لأنها أكثر قدرة على تزيف الحقائق بالباطل لإقناع الآخرين بدعواها، فالباطل والزيف والادعاء مظاهر كامنة في الذات لا تغادرها إلا بإحلال المعرفة والعلم مكانها للارتقاء بالنفس لمراتب أعلى تطرد الشر من الذات ليحل الخير مكانه.
تتساءل ((مي زيادة)) عن ذلك قائلةً:"أليس من المدهشات أن مظاهر الباطل أقدر في الإقناع من مظاهر الحق".
إن اختلاف مستويات الوعي بين المثقفين في الوسط الثقافي يمكن لمسه بوضوح عند رصد ممارساتهم وسلوكياتهم المتباينة في الحياة العامة، فقد يكون البعض منها متعارضاً تماماً مع الثقافة ويثير تساؤلات عديدة بشأن المثقف ذاته ومكتسباته المعرفية وجدوى نتاجاته.
وفي هذه الحالة يتعين النظر إليه بعيداً عن طهرانية الثقافة وقدسية المهام ومستوى المكتسبات المعرفية باعتباره عضواً في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به، وحينها يمكن التوصل لفهم أقرب إلى الواقع لمفهوم الصداقة والعداء في الوسط الثقافي باعتباره وسطاً مهنياً حدود وعي أعضاءه يتراوح بين القمة والوادي، وما أدراك ما الفرق بين الأعلى والأسفل؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟


.. احتراق ناقلة جند إسرائيلية بعد استهدافها من المقاومة الفلسطي




.. بعد فرز أكثر من نصف الأصوات.. بزشكيان يتقدم على منافسه جليل


.. بايدن في مقابلة مع ABC: كنت مرهقاً جداً يوم المناظرة والخطأ




.. اتصالات دولية لتخفيف حدة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل ومخاو