الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟! /3.... شهادات/1

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2019 / 4 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


خـــارطــــة الــحضـــــارة الإنــســـانــيـــة:
إن فـــهـــم المبادئ الأولية لآليات حركة المجتمع والتاريخ والحضارة الإنسانية ، تعد مدخلاً لابد منه للوعي بطبيعة الحضارة الإنسانية وطبيعة الإنسان الذي صنعها نفسه ، وفهم طبيعة حركتيهما صعوداً وهبوطاً وانتقالاً وجموداً ، وأيضاً لفهم باقي موجودات الطبيعة وأشيائها وحركيتها وتحولاتها وقوانينها في الطبيعة فهماً موضوعياً ، وهذا الفهم الجوهري يعد واحداً من أصعب ما يواجهه الإنسان في بيئته الخاصة وفي عالمه الكبير!
لكن الأصعب منه هو فهم الإنسان لذاته ولعملية تطوره التدريجي من كائن بهيمي أعجم ، إلى كائن بشري واع ومنتج للحضارة ، وفهم جميع تحولاته الفكرية والنفسية والثقافية والبيئية ، التي صيرته في النهاية كائناً حضارياً أخذ يترقى ـ خلال التاريخ ـ من طور حضاري إلى آخر أرقى منه بحركية واستمرارية متواصلة ، حتى وصل في النهاية إلى أرقى المراتب الحضارية ، والتي تجسدت أخيراً بصورة هذه الحضارة الحديثة ، التي نعيش اليوم جميعنا تحت ظلالها ونتقاسم منافعها ، وفي الوقت نفسه نتقاسم مخاطرها وكوارثها ورعب أسلحة النووية وباقي أسلحة الدمار الشامل التي أنتجتها ، والقادرة على افناء الجنس البشري وحضارته وكرته الأرضية برمتها عشرات المرات بثوان معدودات ، إذا ما ضغطت أزرارها بأيدي أنصاف مجانين.. كـ : هتلر ، وترامب ، ونتنياهو ، وأشباههم الكثيرين ، وتدمير هذه الحضارة الإنسانية الحديثة بكاملها ، والتي كانت ثمرة لجهد مليارات من البشر منذ الخليقة إلى اليوم ، وليست ثمرة لجهد جنس واحد من الاجناس البشرية ، أو لتفوق الإنسان الأوربي الأبيض وحده على باقي الأجناس البشرية .. وهو المعنى الذي يراد له أن يشاع ويعمم!
*****
وإذا كان مبتدأ ومنشأ الحضارات الأولى معروفاً ، وهو واديي الرافدين ووادي النيل ، فإن خارطة انتقالها منهما إلى أقطار الدنيا الأخرى ، فيه كثير من التعقيد والالتباس الذي يستعصي على الفهم والتفسير أحياناً!
وهذا التعقيد متأتي من كون الحضارة الإنسانية لا تتطور عمودياً في مكان واحد دائماً ، أي لا يستمر تطورها في نفس البلد أو الإقليم الأول الذي نشأت فيه أول مرة ، ولا تستمر خبرتها في ذلك المكان وحده بالتراكم صعوداً حتى النهاية ، إلا في أيامها وسنينها وقرونها الأولى ، وبعدها تغادره منتقلة ـ أفقياً ـ إلى أمم وبلدان وأقاليم أخرى ، ووفق قواعد وقوانين وآليات حضارية وتاريخية وإنسانية شبه ثابتة . وعندها تنتكس الحضارة في بلدان نشأتها الأولى ، وتُصْعِد بديلاً عنها بلدان وأمم وفضاءات حضارية أخرى!
فتتحول بلدان النشأة الأولى إلى أمم وبلدان متخلفة ، بينما تصبح الثانية أمم وبلدان متطورة ومتقدمة ومتحضرة ، ثم تعاد نفس العملية الحضارية بانتقالها إلى أمم وشعوب وبلدان أخرى ، وهكذا دواليك حتى قيام الساعة!

وها نحن أبناء هذه الأجيال نرى بأم أعيننا افول حضارة أوربا ودورها الريادي والقيادي العالمي ، وانتقال ثقلها ودورها إلى أميركا الشمالية ، والتي بدت عليها هي الأخرى معالم الأفول الأولية والقادمة إليها حتماً ، وكذلك بدت معالم انتقال الثقل الحضاري الريادي والقيادي برمته ، إلى الجنس المغولي الأصفر بكامله كالصين وتوابعها الحضارية ، والذي تنتمي إليه أمم وشعوب وبلدان أقصى شرقي آسيا ووسطها!
وبكلام آخر إن هذا الانتقال يعني ، انتقال القيادة والريادة الحضارية والسياسية وحتى الاقتصادية ، من الجنس الآري الأبيض المهيمن على العالم منذ سبعة قرون ، إلى الجنس المغولي الأصفر القادم بسرعة الضوء!
وما يدرينا لعل الريادة والقيادة الحضارية والسياسية تعود من جديد إلى منبتها الأول ، أي إلى الجنس السامي/ العربي الأسمر الذي ابتدعها أول مرة . ومثل هذا الانتقال الحضاري ليس غريباً عند الأمم ذات التراث الحضاري الكبير ، كالصين والهند والعرب........الخ ، وكان دائماً يحدث مثل هذا الانتقال الحضاري خلال حقب التاريخ المتعاقبة ، ووفق آليات وقوانين خاصة بالتاريخ والحضارة الإنسانية!

لقد كانت خارطة الحضارة الإنسانية خلال جولتها الطويلة تؤشر على رقعتها ، بأنها قد طافت بأمم وشعوب وأقاليم كثيرة ، لكن المعروف والمؤكد علمياً أن منبت الحضارات الإنسانية الأولى كانت على مجرى الأنهار العظمى ، في واديي النيل في مصر ، وفي بلاد ما بين النهرين العراق/وسورية ، ثم انتقلت من بلدان نشأتها الأولى هذه بشكل أفقي تقريباً ، إلى أمم وبلدان وشعوب وقارات العالم الأخرى!

فقد انتقلت الحضارات الأولى من العراق :
إلى بلاد فارس وآسيا الوسطى والهند والصين وباقي أقطار الشرق الآسيوي!
وانتقلت من مصر :
إلى بلاد اليونان أولاً ثم إلى الرومان والبلاد الأوربية الأخرى بعمومها ، وإلى بعض مناطق أفريقيا! .
مع ملاحظة أن اليونان ـ التي نفخوا في صورتها وأرجعوا إليها أهم الفضائل الحضارية ـ تكاد أن تكون بلاداً شرقية وليست غربية ، في جغرافيتها وأزيائها وطبيعة مجتمعها ، وحتى في تخلفها الحالي!
*****
بعد ظهور الإسلام تجددت روح الحضارة عائدة إلى أماكن نشأتها الأولى : العراق ومصر وبلاد الشام ، ومنهم وبواسطتهم دخلت إلى بلدان المغرب العربي وبلدان وأمم الشرق الإسلامي برمته ومكثت فيه لقرون عديدة ، ثم غادرتهم من جديد إلى البلدان الأوربية ومكثت عندها إلى الآن!
وكنتيجة حتمية لهذا الانتقال الحضاري ، تخلفت العرب وتخلف المسلمون وتخلف معهم الشرق بأكمله ، وبكل أممه وشعوبه وحضاراته العملاقة : فقد تخلفت الصين ، وتخلفت الهند ، وتخلفت جميع أمم آسيا وأفريقيا ، وخضعوا جميعهم خضوعاً كاملاً للغرب ، وحضارته وجيوشه وامبرياليته المتوحشة!
لكن بعض أمم الشرق وشعوبه ، كاليابان والصين والهند وما يعرف بالنمور الآسيوية ، وإلى حد ما تركيا وإيران أيضاً ، قد استعاد البعض منها عافيته وحيويته ونهض من جديد . في حين أن أمم شرقية أخرى لا زالت تغط في نوم عميق ، وتزداد تخلفاً بدلاً من أن تنهض وتتقدم ، وتأتي الأمة العربية وأغلب الأمم الإسلامية اليوم في طليعة هئولاء المتخلفين!
*****
فالمعروف أن العرب والمسلمون الذين كانوا بالأمس ـ وقبل الأوربيين مباشرة ـ يقودون العالم بأسره ، ويمثلون صفوته الحضارية المختارة ، أصبحوا اليوم في طليعة الأمم المتخلفة المهيمن والمسيطر عليها ، سياسياً واقتصادياً وحتى وجودياً من قبل القوى الأوربية الكبيرة!

لكن الغريب أن ((ما تمر به الأمة العربية وعموم المسلمين من تراجعات وانكسارات وهزائم مدوية ، ومنذ أكثر من ألف عام وصولا إلى العصر الحديث , تؤشر جميعها على خلل بنيوي خطير في التكوين النفسي والعقلي والاجتماعي والسياسي لهذه الأمة ، وقد أنتج هذا الخلل البنيوي المركب ملاين الأطنان ، من أفكار وقيم ومفاهيم وتقاليد ونظم اجتماعية متخلفة بمجموعها , وتحمل في كينونتها جراثيم مرضية مهلكة تفجرت جميعها ، وبكل قيحها وصديدها وعفونتها في أيامنا الخطيرة التي نمر بها اليوم ، وفي هذا العصر الخطير الذي لا يرحم!.

لكن الأغرب من هذا ، أننا قبل [الألف عام هذا] كنا أمة أخرى وشعب آخر.. أمة انتصرت على أكبر قوتين عظيمتين في ذلك الزمان , أزالت إحداهما من الوجود وحجمت الأخرى , ونشرت راياتها على أركان الأرض الأربعة وقاراتها الثلاث المعروفة أنذك , وتعاملت مع العالم الخارجي بثقة عالية بالنفس , وبانفتاح نفسي وفكري واجتماعي على الثقافات والحضارات الأخرى ـ أخذا وعطاء ـ وكونت لنفسها "مركبا ثقافيا جديدا" أقامت به حضارة إنسانية باهرة , بإنجازاتها الفكرية والعلمية والثقافية ، وحتى البعض من المنتجات الصناعية والتكنولوجية ، والتي غطت بمجموعها جميع شؤون الحياة ومتطلباتها حينذك , وأرست دعائم متينة شكلت فيما بعد مع غيرها من العوامل ، ركائز متينة (للبنية التحتية) التي قامت عليها الحضارة والمدنية الغربية الحديثة ، وسمحت للعالم الحديث والحضارة الحديثة أن يولدا معاً!
فمن النادر أن تجد اليوم علماً من العلوم الحديثة ، لم يضع العرب والمسلمون مبادئه الأولية ، أو المساهمة في وضعها!.
*****
وهذا ما دعا الكثير من العلماء الغربيين النزيهين والمنصفين ، إلى الاعتراف بفضل العرب والمسلمين على الإنسانية ، ودورهم الريادي في قيام الحضارات القديمة والوسيطة وحتى الحديثة ، بعد أن تخلصوا هئولاء العلماء من عقد الدين والتاريخ والجغرافيا ومن خلفية "الحروب الصليبية"
ومن هئولاء البروفيسور (جيم الخليلي) الذي نذر نفسه – كما قال هو – للعلم والمعرفة ، ولما قدمه العرب والمسلمون للحضارة العالمية الحديثة بالذات...... فخلص إلى نتيجة مفادها :
أن العالم الحديث ما كان يمكن له أن يظهر إلى الوجود ، بدون العلوم الأساسية التي ابتكرها العرب والمسلمون ، وأن لولا مساهمات العلماء العرب والمسلمين العلمية الأساسية ، لما وصلت الحضارة الإنسانية إلى كل هذه الانجازات الخيالية الباهرة!
وقد لخص هذا الرؤية بثلاثية علمية تقول (1):... بأن :
(1لولا علم الجبر العربي : لما تقدمت الرياضيات ، ولما تم الوصول إلى الفضاء وإلى الأعداد اللامتناهية!.
(2ولولا اللوغاريتمات العربية : لما تم صنع الحاسبات وكل المنتجات الاليكترونية الأخرى!.
(3 ولولا القلويات العربية : لما تقدمت الكيمياء خطوة واحد!!)) (2)

ولمعرفة المدى الذي وصلته الحضارة العربية الإسلامية في مختلف المجالات العلمية ، كالطب وعلوم الفلك والرياضيات بمختلف فروعها ، والجغرافيا وعلوم الحيل (أي علوم الميكانيك)..........إلخ ، ويمكن الرجوع إلى مؤسسات ومتاحف عالمية كـ "متحف العالم الإسلامي في جامعة فرانكفورت" ومتحف آخر شبيه به في إسطنبول و "مؤسسة ألف اختراع واختراع" عربي إسلامي ، لمشاهدة بعض المنتجات الصناعية والتكنولوجية التي أنتجتها الحضارة العربية الإسلامية ، والبعض منها قد تم السطو عليه من قبل بعض الغربيين ونسبوه لأنفسهم!

وكذلك يمكن الرجوع إلى مصنفات علمية غربية كثيرة ، أصدرها علماء غربيون منصفون ومجردون من الغرض:

كالألمانية (زيغيريد هونكة) : وكتابها الموسوعي ((شمس العرب تسطع على الغرب))!
والفرنسي (غوستاف لوبون) : وكتابه القيم ((الحضارة العربية))!
والأمريكي (مايكل هاملتون مورجان) : وكتابه ((التاريخ الضائع)) أي تاريخ ما قدمه العرب والمسلمون للحضارة الإنسانية!
والفرنسي الآخر (بيير روسيي) : وكتابه المعجز ((مدينة إيزيس: تاريخ العرب الحقيقي))!

وغير هئولاء كثير وكثير جداً ، وسنأتي على ذكرهم وأراء بعظهم لاحقاً!

لكن المؤسف ، أن كل هذا الذي قدمه العرب والمسلمون للحضارة الإنسانية ، كان ولا زال مجهولاً من قبل أغلبية العرب والمسلمين ، ومن الشباب العربي خاصة ، حتى أن الكثير منهم لا يصدقون هذه الكتب ، وهذه الشهادات العلمية لعلماء غربيين كبار ، لما أنجزه أجدادهم وحضارتهم في كافة المجالات العلمية والحضارية ، والتي غيرت مجرى حياة الإنسان على كوكب الأرض!.
وتكفينا هنا شهادة العالم والمحقق الأستاذ (باولز) لتدليل على ذلك المدى العالي والرفيع المستوى من التطور المبهر ، الذي بلغته الحضارة العربية الإسلامية في الجناح الغربي للأمة ـ أي الأندلس ـ والتي يقول فيها :

(( لقد كانت الحضارة العربية في قرطبة وغرناطة هي بحق مهد العلم الحديث... فقد تطورت فيها البحوث التجريبية وتطبيقاتها العملية في الكيمياء وأنظمة الدفع . وتورينا المخطوطات العربية في القرن الثاني عشر الميلادي, صواريخ صممت لمهام قتالية . ولو كانت إمبراطورية المنصورـ يقصد المنصور الأندلسي ـ متقدمة في البايلوجية كما في باقي العلوم, ولو لم يساعد الطاعون الإسبان على تحطيم تلك الدولة لكانت الثورة الصناعية قد بدأت في الأندلس في القرن الخامس عشر أو السادس عشر . وكنا سنشهد في القرن العشرين عصر غزو الفضاء العربي)) (3)

(يتبع)
بشهادات مماثلة كثيرة لعلماء غربيين كثر ، عن الحضارة العربية الإسلامية وما قدمته للبشرية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:
(1) فضائية الجزيرة الوثائقية: برنامج " علوم إسلامية " المصور في 2012 - 6- 10.
(2) النص من دراسة لنا بعنوان : "مداخل التاريخ السبعة" ستنشر قريباً .
(3) مجلة " علوم " في2 . 1984 - 11 -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له