الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأندلس، المغرب والصحراء: هل تمت ذاكرة حضارية جامعة؟

زهير سوكاح

2019 / 4 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قد يبدو ذلك الارتباط الخصوصي للمغرب الأقصى بالأندلس من جهة وبالصحراء من جهة أخرى أمرًا غير مألوف بل وغير مفهوم لدى غير المغاربة، لكن يمكن فهم هذا الارتباط الرمزي الوثيق من كونه في المقام الأول نتيجة لدينامية تاريخية وثقافية متدفقة منذ قرون طويلة، لا نجدها في بلدان مجاورة أخرى. بلغة أخرى: قُرب المغرب الأقصى من هاتين المنطقتين هو قرب حضاري وثقافي أكثر من كونه قربا جغرافيا، وهذا ما تجسده على سبيل المثال عبارة "العدوة العليا والعدوة السفلى"، حيث يقصد من العدوة العليا الأندلس، ومن العدوة السفلى المغرب الأقصى تحديدا وحصرا ودون غيره، أو على الأقل شماله الذي يتمظهر فيه التراث الأندلسي بشكل بارز، وكأنهما وحدة ثقافية موحدة ولو تخيُليا، في هذا السياق تبدو أماكن بعيدة حاليا عن الجغرافيا الحالية للمغرب الأقصى، مثل "الرندة" و"غرناطة" بل وحتى "جبل طارق" ذاته وكأنها قريبة على الأقل تخيليا بوصفها أماكن من ذاكرة المغرب الحضارية. نفس القرب المجازي نجده طاغيا في تمثلات هاته الذاكرة لأماكن مثل شنقيط بل وحتى تمبكتو وغيرها من حواضر الصحراء وجنوبها كما لو أن هاته الذاكرة تُصر على حضرنة الزمن المرابطي في حاضرنا، والذي وصل، في فترة من الفترات التاريخية، بين المغرب الأقصى وموريتانيا، ويبدو أن هذا الوصل الحضاري، إن جاز لنا التعبير، لايزال حيا في الذاكرة الحضارية المغربية، ولاربما أيضا في الذاكرة الموريتانية، بمعنى أن هذا الارتباط الذاكري لا يزال ينتقل من جيل إلى جيل ويبدو أنه سيظل كذلك.
لهذا فمصطلحات من العلوم السياسية من قبيل: "صراع قوى" أو "توازنات" أو "ثوابت استراتيجية" أو "مصالح جيوسياسية"، لا يمكنها أن تسعفنا في تقديم تفسيرات لهذا الارتباط الوثيق، الذي يبدو مجازيا بل أسطوريا أكثر من كونه حقيقة ملموسة على أرض الواقع اليومي، لكن مع ذلك لا يمكن إغفال سطوته المستمرة مند قرون. فهل تنبهت له إسبانيا كقوة استعمارية حينما ركزت احتلالها للمغرب الأقصى على شماله وجنوبه تحديدا؟ وهنا يطرح التساؤل التالي نفسه: لما لم تهتم إسبانيا الاستعمارية باحتلال دول مغاربية مجاورة عدا المغرب؟ هل كان دافعها ذلك الصراع الذاكري مع هذا الجار "اللدود" من أيام المرابطين؟
من المحتمل أيضا أن هذا الوصل الحضاري في الذاكرة المغربية تقابله ذاكرات معكوسة أو مضادة، إن صح التعبير، ليس فقط في "العدوة العليا" التي قدم منها الاستعمار الإسباني، بل أيضا ذاكرة مضادة من الصحراء تصر على جهويتها الثقافية المُشكلة لهويتها الخاصة بها في تمثلها لذاتها وللآخر. وهذا تحديدا ما يمكن أن نسميه بـ "صراع الذاكرات"، وهو أمر وارد ليس في هاته المنطقة، بل أيضا في بقاع أخرى من العالم نجد فيها تداخلاً للتاريخ الحضاري، وذلك أن الذاكرة ذاتها وحتى في بعدها الحضاري تظل ذاتية وانتقائية وإن شئنا أيضا اقصائية ولو عن غير وعي، وهذا ما يمكن أن نلاحظه أيضا في تمثلات المغرب الأقصى في الذاكرة الحضارية الإسبانية، وهذه من خصائص الذاكرة حتى في بعديها الجمعي والحضاري بسبب تمركزها على الذات في بنائها المستمر لهويتها.
عدم إدراك هاته الطبيعة الذاكرية القارة وبخاصة في شقها المتعلق بتلك العلاقة الوصالية: "المغرب/الصحراء"، يترك المجال مفتوحا أمام تفسيرات قاصرة لها من كونها "علاقة هيمنة" بل وهناك من يوصمها من كونها "رغبة في التوسع"! متجاهلا كل التجاهل هذا الترابط الذاكري الضارب جذوره في التاريخ المشترك بل والمتدخل للمنطقة. من هنا فإن الحل الأمثل هو الفهم التاريخي والثقافي لهذه الذاكرة الحضارية التي ترى في هذا الرباط: "الأندلس-المغرب-الصحراء" جسدا واحدا ولو رمزيا. فهذه هي الذاكرة الحضارية، ذلك المخزون الدينامي للتجارب السحيقة لحضارة ما بحسب تعبير يان أسمان، والتي لا تأبه بالجغرافيا، ولهذا يساء غالبا فهمها، ولكيلا يظل هذا الرباط ذاتيا وانغلاقيا، تعين معالجته في ثقافات التذكر بهاته المنطقة من كونها رباطا مشتركا بل ومنفتحا، يتعين الوعي به، بحيث يقف فيه كل طرف على قدم المساواة مع باقي الأطراف في حوار ذاكري تظهر فيه الاختلافات الثقافية الراهنة مصدرا مُلهما في هاته العلاقة الثلاثية في جميع الميادين على اختلافها، ينعكس وقعها بشكل إيجابي على حاضر ومستقبل هاته المنطقة ذات الخصوصية الحضارية الفريدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة