الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقراط : أول شهيد للفكر .

حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)

2019 / 4 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سقراط ، فيلسوف يوناني ، أكاد أقول أن الجميع يعرفه أو قد سمع باسمه ، لكن القليل فقط من يعرف فلسفته ، بيد أنني ، في هذا المقال ، لن أتحدث عن فلسفته ، بل سأتحدث عن شيء آخر هو نتيجة مباشرة لهذه الفلسفة ، سأتحدث عن أمر مدمر حصل له نتيجة تعاطيه لهذا النشاط الفكري ، من أجل أن أقوم بالتأكيد على شيء مهم وهو أن للفكر ضريبة .أي أن هناك دائما من يدفع الثمن من أجل تنوير الآخرين ـ والتاريخ ، سواء تاريخنا العربي أو الإنساني بشكل عام ، مليء بهم حد الامتلاء ـ قديما وحديثا - إنها الشموع التي تضيء سبيل الآخرين عن طريق استنزاف نفسها.
لكن من المفيد ، بادئا ذي بدء ـ قبل الحديث عن ذلك ـ الإشارة ولو بشكل مقتضب إلى حياة هذا الفيلسوف الذي يعد لحظة فارقة ومهمة في تاريخ الفلسفة اليونانية ، إذ أنه هو الذي أنزلها من السماء إلى الأرض ، أي حولها من البحث في الطبيعة الخارجية للأشياء – إيجاد السبب الأول الذي نشأ عنه الكون - إلى البحث في النفس البشرية باعتبار أنها مصدر المعرفة .
ولد في أثينا عام 469 قبل الميلاد ، من أب صانع التماثيل وأم قابلة ، يقال أنه احترف حرفه أبيه لبعض الوقت ، ثم تركها ، واشتغل بالفلسفة بدون أجر ، لم يكتب شيئا ـ فكل ما نعرفه عنه ، فنحن نعرفه انطلاقا من تلميذه أفلاطون الذي خلد سيرته في حواراته الستة والعشرين . لهذا يقول الكاتب الليبي إبراهيم الكوني " سقراط – وصية / أفلاطون كتابها " ثم يضيف فيما بعد " لولا وجود كتاب إسمه أفلاطون ، لما عرفنا وصية إسمها سقراط" .
هنا ، هنا أفتح القوس لأقول أنه عند هذه النقطة ، تفرض العديد من الأسئلة نفسها ، ليس هذا وقتها ، لكن لا مفر من طرحها ، بالرغم من أنني لن أجيب عنها ، لأنه ، إن لم أكن مخطئا ، يستحيل ذلك وهذه الأسئلة هي : إلى أي حد كان أفلاطون / التلميذ أمينا في نقل أفكار سقراط / الأستاذ ؟ هذا من جهة ومن جهة ثانية ، كيف تمكن الباحثون من التمييز بين أقوال أفلاطون وسقراط من خلال أعمال أفلاطون الفلسفية ، خصوصا إذا علمنا أن أفلاطون يتحدث في معظم كتاباته على لسان سقراط .
أغلق القوس ، وأكمل حديثي بالقول ـ أنه تزوج زنتيب ، وهي زوجة ، كما يشاع عنها ، سيئة الطباع ، سليطة اللسان ، كانت توبخه دائما و من بين الطرائف حول هذا الموضوع أنه سئُل عن سبب زواجه بها ، فأجاب أنّ على مروّضي الخيول تجربة أكثر الحيوانات جموحا .
هكذا كان سقراط ، مميزا بحسه الفكاهي ـ علاوة على ذلك ـ بمظهره القبيح ، إن صح التعبير ، إذ أنه كان رث الثياب ، قصير القامة ، أصلع الرأس ، يملك وجها منفر . منتفخ البطن ، قذر إلى حد ما ، لا يغتسل إلا نادرا ، وثالثا أنه لم يكن يعكف قي برجه العاجي ، بل كان يهبط إلى الأرض ، يجوب المدينة ، يناقش ويجادل هذا وذاك بدون أن يعطي إي إجابة ، مبينا تهافت أفكار محاوريه ، إلى حد إزعاجهم. لهذا قال في اللحظات الأخيرة من حياته: " إن أثينا مثل الجواد النبيل ـ وأنا مثل الذبابة الخبيثة التي تزعج الجواد النبيل " .
بعد المرور بشكل مقتضب جدا على بعض مراحل حياته ، أقول ، أن الأشياء التي تزعجنا غالبا ما نحاول التخلص منها ، إسكاتها وبأي طريقة ممكنة ، وهذا ما حصل لفيلسوفنا المزعج . إذ حُكم عليه بسبب فلسفته وهو في السبعين من عمره ، بشرب السم بتهمة الإلحاد وإفساد عقول الشباب .وهذه التهمة ، بالمناسبة ، هي نفسها التهمة التي لا زال يلوح بها إلى يومنا هذا أولئك الذين ليست لهم القدرة على مواجهة الفكر بالفكر.
أما كيف جرى ذلك ؟
فقد قام ثلاثة أشخاص أثينيّين وهم – ميليتوس وأنيتوس ـ وليكون - يتوجيه بضعة تهم إلى سقراط أمام هيئة محلفين مكونة من 500 مواطن ، جاء فيها أنه شرير ، أنكر آلهة المدينة ، وأفسد عقول الشباب ، مطالبين الحكم بالإعدام على " العجوز الشرير " . بعد انتهائهم من توجيه الاتهامات ، جاء دور سقراط ليدافع عن نفسه ، فحاول الرد على الاتهامات ، بأنه لم يكن مهرطقا ، بل شديد الإيمان بالأمور الإلهية ، وأنه لم يُقدم على إفساد أحد ولو كان قد أفسد أحدا ما ، لا بد أن هذا حدث من دون قصد ، عدا عن أن الإجراء الصحيح لمناقشته كان يفترض أن يكون الحوار الهادئ ، لا قاعة المحكمة . دافع عن نفسه بشجاعة قل نظيرها ، دون أن يستدر عطف المحلفين . بعد مداولة قصيرة ، قرر 220 صوتا بأنه غير مذنب في حين اعتبر 280 صوتا المتبقي أنه مذنب ، فرد الفيلسوف بسخريته المعهودة التي لم تفارقه حتى في ذلك الوقت المصيري قائلا " لم أكن أظن أن الفارق سيكون ضئيلا إلى هذا الحد " في النهاية حُكم عليه بشرب السم وقد تم التنفيذ بعد مرور شهر من صدور الحكم بحضور تلاميذه .
عود على بدء :
من خلال ما سبق ، يبدو أن محاربة الفكر بالقتل ، ليس سلوك وليد اليوم ، بل هو قديم إلى حد ما. وقد ظهر فشله مرارا وتكرارا وما خلود العديد من المفكرين رغم سفك دماءهم إلا دليل على ذلك / ومع ذلك ، أي رغم أنه سلوك تبين فشله ، لا زال يُستعمل ضد المفكرين لسبب أرى أنه بسيط وهو أن هؤلاء ، أي ،مرتكبي هذه الأفعال المخزية ، لا يطلعون على التاريخ ولا يقرؤون .
هوامش :
- اعتمدت في كتابة هذا المقال على كتاب عزاء الفلسفة – كيف تساعدنا الفلسفة على الحياة – آلان دُو بُوتون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية