الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهُوية إشكالية المفهوم وسياقات المعنى

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2019 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الهُوية إشكالية المفهوم وسياقات المعنى
الهوية مفهوم شديد التعقيد والتركيب, إذ ما زال مُحاطا بظلالٍ كثيفٍ وسوءِ فهمٍ شديد وذلك بسبب الطبيعة الشائكة للظاهرة التي يحاول وصفها, فضلا عن الخلط في الاستعمالات المختلفة للكلمة التي أخذ الناس يطلقونها على أشياء كثيرة بما تنطوي عليه من عناصر وأنساق وأبعاد متشابكة ومتعددة الصيغ والمستويات والدلالات. وقد عبر كثير من الدارسين عن ذلك بطرائق وصيغ عديدة, فهذا جان فرانسو بيار يرى في كتابه (أوهام الهوية) "أنه ليس هناك من دواعي قلق معاصر إلا وتثيره قضية أوهام الهوية" ويذهب أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة) إلى"أن التصدي لمفهوم الهوية يتطلب كفاءة عالية،وجسارة فائقة، وحذر شديد، لما ينطوي عليه من طبيعة زائفة وخادعة, إذ إنه يشبه الأصدقاء المزيفين الذين يبدون، في ظاهر الأمر، أكثر شفافية وبساطة, بينما هم في الواقع أكثر مكر وخيانة " وهذا ما سماه الفرنسي كلود دوبار،"أزمة الهويات إذ بات مصطلح "هوية" نموذجا للكلمة المنحوتة التي يعكس عليها كل منا معتقداته ومزاجاته ومواقفه". بينما يذهب دنيس كوش إلى القول: " إذا كانت الهوية عسيرة على الوصف والتعريف فذلك بسبب خاصيتها الدينامية المتعددة الإبعاد ومرونتها المفرطة بما يجعلها قابلة للتبدل وإعادة الصياغة بل وللتلاعب". وهذا ما حدي ببعض الكتاب إلى استعمال اصطلاح (استراتيجيات الهوية ). بدلا من اصطلاح (الهوية )بصيغتها المجردة. ولعل الإشكال الذي يتصل بمفهوم الهوية لا يكمن في الأسماء والمسميات و التعريفات والصفات ذاتها وبذاتها, بل فيما تعنيه للفاعلين الاجتماعيين في السياقات الاجتماعية والثقافية المشخصة (البسيطة والمركبة, الميكر والماكروسوسيولوجيا ) وربما كان جون جوزيف يشير إلى هذا حينما كتب " أن مصطلح الهوية لا يحظى أبدا بقبول عام في البحث الراهن ... فهذه ايفاينتش 1998 تذهب إلى أنه على الرغم من أن الهوية هي " الكلمة العادية التي ترمز إلى معنى ماهية الناس فإن مشكلتها أنها لا تحمل معها تضمينات بشكل أوتوماتيكي لبناء وتقييد اجتماعيين" ومن أجل مقاربة معاني الهوية وفهمها حاول بعض الفلاسفة التمييز بين الكائنات وتصنيفها في مبدئيين: مبدأ الهوية ومبدأ الوجود ، فمن مبدأ الهوية نتعرف على ماهية الكائن وهويته الجوهرية (النوع والجنس والصفات) هذا معدن وذاك حجر هذا كلب وذاك جمل ..الخ ومن هنا يمكن تصنيف جميع الكائنات غير العاقلة بعدها كائنات ماهوية وجدت بماهية وهوية مكتملة قلما تتغير مع الزمن، في حين أن مبدأ الوجود يقتصر على وجود الكائن الإنساني ، إذ إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ولد ناقصا، أي غير منجز الهوية,إذ إن وجوده يسبق ماهيته، فهو وجود لذاته ومن أجل ذاته وليس وجودا في ذاته وفي متناول اليد مثله مثل وجود الأشياء. وهذا هو مبعث حضور مشكلة الهوية الطاغي في عالم الإنسان, إذ توجد الحرية والعقل واللغة والحاجات والمصالح والرغبات والأحلام والأوهام والتنافس والصراع... إلخ.
ويميز الفيلسوف الفرنسي بول ريكور بين معنيين للهوية: ف"الهوية بمعنى الشيء عينه (idem) والهوية المطابقة (Sameness) بالإنجليزية بمعنى الهوية المتطابقة بإحكام، أو المتماثلة إلى حدِّ التطابق التام أو التشابه المطلق مع الذات في جميع الأزمنة وجميع الأحوال"( ). وربما كان الفيلسوف اليوناني بارمندس هو أول من وضع هذه الصيغة بعبارته الشهيرة (( الوجود موجود والعدم غير موجود )) ثم جاء أرسطو فصاغها منطقيا في قوانين الهوية الثلاثة( ). وهذا هو التصور الذي شاع في الفلسفة العربية الإسلامية المتأثرة بأرسطو. ويذهب الجرجاني في "التعريفات" إلى أن الهوية هي "الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق" و(البذرة تحمل في جوفها شكل الشجرة وطعم الفاكهة) حسب هيجل. أما عالم الاجتماع البريطاني انتوني جدنز فيذهب إلى أن الهوية Identity هي" السمات المميزة لطابع الفرد أو الجماعة المتصلة بماهيتهم وبالمعاني ذات الدلالة العميقة لوجودهم". ويذهب مايك كرانج إلى القول: إنه "يمكن تحديد الهوية من نقيض ما نحن عليه بقدر ما يمكننا تحديدها من طريق من نحن ... وكثيرا ما تتدخل الجغرافيا هنا لأن الجماعات في صيغة ( نحن _ هم ) هي في أحوال كثيرة محددة إقليميا" ولعل هذا التعريف يستند إلى الفكرة الفلسفية التي مفادها (أن كل تعريف تحديد وكل تحديد سلب). ويرى روجيس دوبرية أن "هوية الجماعة هي إيديولوجيتها " وحيثما تختلج (( نحن )) فستكون (( إيديولوجيا )) وحينما يتعذر قول (( نحن )) لا تكون (( إيديولوجية )) ... لأن ولادة إيديولوجية معناه ولادة جماعة "( ). وتلك الصيغة هي التي وجدت رواجها في فكر ما بعد الحداثة الذي ينفي وجود هوية ذات مستقلة قبل وجود محمولها، فلا تتأسس هوية الذات إلا في علاقتها بالآخر وهكذا تتحدد المفاهيم بوساطة ما لا تكونه, بل إن الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي وصفها ب "النقلة الحاسمة في إعادة تفسير العلاقة بين الذات والموضوع ... لا يوجد أساس أوجوهر أومحل وراء الصفات أو المحمولات ... بل توجد }الهويات{ فقط كما يجري تمثيلها في شكل مادي ملموس"
نخلص مما تقدم إلى أن الهوية الجمعية هي بنية ثقافية تاريخية تمنح المنتميين إليها إحساسا بالتماهي مع ذاتهم الجمعية ( نحن ) التي تميزهم عن الجماعات الأخرى, فضلا عن كونها إيديولوجيا كلية تحدد نظرتهم إلى ذاتهم وإلى الآخرين وإلى التاريخ والحياة والعالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا