الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد الخطاب الإسلامي ح 6: سبي النساء .. سياق مختلف أم فكرة خالدة؟

سليم سوزه

2019 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتقد المسلمون المتدينون أن الأسلام بشكل عام فكرة خالدة تعلو على كل سياق إجتماعي وثقافي وفي كل زمان ومكان. بمعنى أن هذا الدين يبقى قائماً وصالحاً ومناسباً لكل البشر وعبر كل أزمنتهم وأمكنتهم مهما أختلفت لغتهم وثقافتهم ومجتمعهم. الكلام طبعاً عن تفاصيل الدين وفقهه وتشريعاته وليس عنه كفكرة إيمانية خالصة يرتبط عبرها الإنسان بخالقه. فالأخيرة ممكنة بالتأكيد ولا علاقة لها بالازمنة والامكنة المختلفة طالما هي علاقة روحية بحتة بين المرء وخالقه.

المفارقة أن مَن يؤمن بالإسلام ديناً عابراً للسياقات الاجتماعية والتاريخية، هو أول مَن يعترض على هذا المفهوم عند تشريح وتفكيك بعض الحوادث الإسلامية التي وقعت في مجتمع الإسلام الأول. غالباً ما يردد المؤمنون أن "حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة"، وهو ما يعني ليس ثمة قطيعة تشريعية بين عصرنا الحالي وعصر صدر الإسلام لأن الشريعة ثابتة وصالحة لكل الأزمنة والمجتمعات حسب الحديث النبوي المذكور وعشرات الأدلة الموروثة الأخرى. في حين يتنصلون عن هذا التعريف عند الحديث عن تصرفات تبدو همجية لنا اليوم قام بها الإسلام في عصر نشأته الأولى.

ففي قضية السبي، تلك الظاهرة التي رسّخها الإسلام في حروبه مع الكفار او مع أبناء الديانات الأخرى، كتب العديد منتقداً لها ومستغرباً كيف أن الأسلام يشرّع هكذا ظاهرة قاسية وغير أخلاقية في السابق. وقوع هذه الظاهرة في حروب الإسلام الأولى أعطى الشرعية لتنظيم متطرف مثل تنظيم داعش أن يفعلها في القرن الواحد والعشرين.

في الجواب على هذا الإشكال، يطالب علماء وكَتَبَة الإسلام المنتقدين دوماً ألّا يحاكموا تصرفات ذلك العصر وفق سياق ومفاهيم عصرنا الحالي. هذا كلام جميل. أنهم يقولون لا يمكن فهم سلوك مجتمع الإسلام الأول بإستخدام أدوات هذا العصر ومفاهيمه. فهم لا يتفقون إلّا على شيء واحد ما إنفكوا يرددونه في كل كتاباتهم وأحاديثهم، وهو أن تلك الظاهرة (سبي النساء) كانت موجودة في مجتمع ما قبل النبوة ولا تقتصر على عرب الجاهلية فحسب بل على كل المجتمعات والامبراطوريات المحيطة بالعرب. ليس هذا فقط، بل أنها ظاهرة موغلة بالتاريخ مارسها السومريون والبابليون والاكديون ناهيك عن الفرس والروم آلاف السنين من قبل. حين جاء الإسلام (وهذا قول هؤلاء العلماء طبعاً)، لم يستطع مواجهة هذه الظاهرة بصرامة في بداياته لأنه كان على المسلمين إتباع المثل في حروبهم مع المجتمعات الكافرة التي كانت تمارسها، ولأنها أيضاً كانت تجارة مهمة تساهم في بناء الإقتصاد الإسلامي لدولة دينية هشّة، حيث بيع السبايا كان يوفر مالاً جيداً للمجتمع الإسلامي الجديد. ناهيك عن أنها ظاهرة توسّع للنطف العربية مساحة حملها وتنوعها كي يدخل الأعاجم الى الإسلام عبر القرابة. لهذا لم يقف أمامها الإسلام بقوة ويمنعها وأنما عمل بها حتى تتحول البشرية الى الإسلام وتنتهي هذه الظاهرة نهائياً.

ينطوي هذا التبرير على إعترافٍ صريح بأن بعض التشريعات الإسلامية إبنة سياقها التاريخي والإجتماعي ولا يمكن قبولها كتشريعات عابرة للأزمنة والأمكنة (يمكن للمحاجج هنا أن ينطلق من هذه الجزئية ويعممها على كل التشريعات الإسلامية الأخرى بإعتبار ما يصح على الجزء قد يصح على الكل أيضاً)، بالتالي يثبت المتدينون شيئاً دون أن ينتبهوا له ربما وهو أن حلال محمد (على الأقل جزء من ذلك الحلال) ليس حلالاً الى يوم القيامة ولا حرامه كله حرام الى يوم القيامة، بل هناك من الظواهر ما أتت في سياقها التاريخي والإجتماعي ولا يمكن العمل بها في يومنا هذا.

ماذا يعني القول ان سياق مجتمع الاسلام الأول يختلف عن سياق مجتمعنا الحالي، وبالتالي بعض التشريعات الإسلامية إبنة سياقها التاريخي؟

الجواب:

أولاً: يعني هدم فكرة خلود تشريعات الاسلام وصلاحيتها عبر الأزمنة والأمكنة. بمعنى، هدم فكرة ملائمة تشريعات الأسلام ومناسبتها لكل زمان ومكان حتى آخر يوم على هذا الكوكب.

ثانياً: إعتقاد غير مباشر بتاريخية الإسلام، وهو ما يعني أن الأسلام نتاج تطور تاريخي لسياق إجتماعي متغير ومتبدل بإستمرار، وما يصح في يومٍ ما وفي مجتمعٍ ما، لا يصح بالضرورة في يومٍ آخر ومجتمع آخر.

ثالثاً: مخالفة الإطلاق الذي يورده حديث "حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة".

رابعاً: مرونة كبرى في الهروب من الإنتقادات العلمية للحوادث والتشريعات الإسلامية التي حصلت في بدايات الإسلام في عهد النبي وخلفائه وصحابته، إذ كلما صار الحديث عن أشياء مثل سبي النساء وقطع اليد ورجم الزانية وقتل الكفار وإجبار أبناء الديانات الأخرى على الجزية او القتل لقاء عدم دخولهم الإسلام، ينبري المتدين بالقول أن تلك الأحكام إبنة سياقها التاريخي والإجتماعي وليست موجودة الآن. ذلك يعني أن هذا المتدين هو أيضاً يحتقر هكذا أحكام في داخله ولا يراها إنسانية وأخلاقية وإلّا لما تطوّع بإلحاقها بسياقها السوسيو-تاريخي وفصلها عن الإسلام كدين وعقيدة عابرة للأزمنة والأمكنة. ثمّة إشكال عقائدي يظهر هنا، إذ يقول متكلمو الإسلام أن الحسن والقُبح عقليان، بمعنى أن الحسن يبقى حسناً مهما أختلف الزمان والمكان، والقبيح يبقى قبيحاً كذلك عبر التاريخ كله طالما الإثنان يعرّفهما العقل وليس مصالح المجتمعات أو أهدافها. بالتالي يُفترَض فعل المسلمين الأوائل يخضع لهذا المعيار أيضاً، وإلحاق بعض الظواهر "الهمجية" في الإسلام (كالسبي مثلاً) الى سياقها السوسيو-تاريخي لن يعفي حقيقة أن عملاً قبيحاً قد فعله الإسلام ذات مرة. القبيح قبيح عقلاً ولن يتحول الى حسن إن مارسه الإسلام لمصلحة دينية معينة وفي ظرف زمني محدد. أليس كذلك؟

خامساً: إن الأسلام لم يكن محارباً للعادات الإجتماعية السائدة في مجتمع العرب، وأنما جاء مكمّلاً لها ومرسخاً لبعضها (حتى تلك التي تبدو قاسية وهمجية مثل السبي والرق طالما لم يتخذ هذا الدين موقفاً صارماً منها، خلافاً مثلاً لوأد البنات التي أدانها القرآن صراحةً). هذا يعني أن الإسلام ودستوره الأساس (القرآن) هو صدى للمجتمع الذي نزل فيه وليس وحياً فوق التاريخ (أنظر الحلقة الثالثة من هذه السلسلة).

أما ماذا يعني القول أن الأسلام صالح لكل زمان ومكان (فكرة خالدة)، وأن تشريعاته أبدية بصرف النظر عن السياق الإجتماعي والتاريخي، وإن كل ما جاء في ذلك العصر ليس تاريخياً وأنما أحكام قائمة لكل البشر أينما حلّوا ومتى وُجدوا؟

الجواب ببساطة شديدة "داعش"، ذلك التنظيم الذي مثّل أكثر التنظيمات الإسلامية تطابقاً مع الإسلام بحلّته الأوّلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في