الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
علاقة محمد عابد الجابري بفيلسوف قرطبة
حمزة الذهبي
كاتب وباحث
(Hamza Dahbi)
2019 / 4 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يظهر بشكل واضح لمن يدرس أعمال محمد عابد الجابري الفكرية أن الرجل كان رشديا إلى أبعد حد ، فهو يدعونا ، مرارا ، في العديد من أعماله ، إلى اتخاذ ابن رشد نموذجا / يدعونا أكثر من مرة إلى ضرورة تبني الفكر الرشدي لأنه حسب رأيه يلتقي مع روح هذا العصر أكثر من أي فكر آخر في التراث العربي الاسلامي .
فالجابري - هذا المفكر المغربي الفذ ، المعروف بمشروعه نقد العقل العربي ، الذي يعتبره المفكر حسن حنفي أهم مشروع عربي معاصر - يرى أن تراثنا العربي الإسلامي قد عرف العقلانية مع ابن رشد باعتبارها لحظة تأسيسية كانت قادرة على فتح آفاق جديدة ، لكنها للأسف اختفت في مهدها ـ ولم يستفد منها العرب واستفاد منها الغرب .
لهذا أشرف رحمة الله عليه على مشروع إعادة نشر أعمال ابن رشد بعد تنقيحها رفقة ثلة من الباحثين في المئوية الثامنة لوفاة صاحب تهافت التهافت من أجل محاولة استرجاع بصورة واضحة لا غموض فيها فكر الرجل الغائب الأبرز عن ساحتنا الفكرية من أجل تعميم الروح الرشدية تحقيقا للنهضة وإسهاما في الحداثة . فالجابري يعلنها صراحة عندما يقول بأن الجيل الصاعد إما أن يكون رشديا ، فيتقدم على مدارج الأصالة والمعاصرة معا ، وإما أن لا يكون له كون ولا ومكان في هذا العالم .
هنا نتساءل بنوع من الفضول عن المميزات التي يراها محمد عابد الجابري في فكر الفيلسوف ابن رشد ؟
يمكن القول باقتضاب شديد أن ما يميز فكر ابن رشد ، هذا الفيلسوف الذي ينتمي إلى المدرسة المغربية : أولا في عدم إدعائه امتلاك الحقيقة ، لأنه كان يعي جيدا أن " الحقيقة في العلوم الشرعية كما في العلوم العقلية هي دوما تأويل . تأويل " ظواهر النصوص " وتأويل ظواهر الطبيعة . والتأويل فعل عقلي بشري قاصر بطبعه معرض للخطأ . ولكنه قوي بقدرته على مراجعة إحكامه وتصحيحها "
ثانيا بنزعته البرهانية ، إذ عمل على تنصيب العقل إماما على العلوم العقلية والشرعية في آن .
ثالثا فصله بين الدين والفلسفة ، فهما بناءين مستقلين ، رافضا ما ذهب إليه الفلاسفة المشرقيين في محاولاتهم للتوفيق بين الدين والفلسفة . فالجابري يعتبر أن فيلسوف قرطبة قد أحدث قطيعة ابستمولوجية مع كل من الفرابي وابن سينا ، لكونه خلافا لما شاع وذاع ، لم يعمل –أي ابن رشد – على التوفيق بين الدين والفلسفة بدمج الدين في الفلسفة ، كما فعل الفيلسوفان المشرقيان ، بل عمل بالعكس من ذلك على الفصل بينهما .
وقد أثار مفهوم القطيعة الإبستمولوجية بين فلسفة المشرقية المتمثلة في فلسفة ابن سينا والفلسفة المغربية المتمثلة في فلسفة ابن رشد ، الكثير من الجدل ، لأنها قطيعة اعتبرها الكثير من الباحثين متعصبة – خصوصا إذا علمنا أن الجابري جعل من ابن سينا مدشنا للانحطاط الفكري وتعطيل للعقل العربي واستقالته . ومن ابن رشد لحظة تأسيسية استعاد فيها العقل هيبته ومكانته .
إن ابن رشد ، ببساطة يحتل منزلة رفيعة لدى مفكرنا صاحب تكوين العقل العربي ـ إنه بالنسبة له أنموذج للمثقف العربي المطلوب اليوم وغدا ، المثقف الذي يجمع بين استيعاب التراث وتمثل الفكر المعاصر والتشبع بالروح النقدية وبالفضيلة العلمية والخلقية . فهو ، أي الجابري ، كما يقول محمد مصباحي في مقاله الموسم ب - الجابري والحلم بالعقلانية - قد " سما بابن رشد إلى مقام النموذج أو البراديغم (..) فهو يتكلم عليه كما لو كان رافعا شعار : يا مثقفي الوطن العربي اتحدوا حول هذا الفيلسوف المتنور واقتفوا آثاره "
في ختام هذا المقال القصير الذي حاولنا فيه تسليط الضوء على محاولة الجابري في إعادة إحياء الفكر الرشدي الذي يتميز بعدة خصائص ومميزات تتماشى مع روح العصر ، نقول أن هذا الأمر يختلف فيه معه العديد من المفكرين ، أبرزهم على سبيل الذكر لا الحصر محمد أركون إذ يقول أن ابن رشد لم يعد ممكنا استخذامه اليوم ، من أجل حل مشاكل والتحديات التي تواجهنا ، فعقلانيته لم تعد عقلانيتنا .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل -البنية التحتية الهشة- في دبي هي السبب وراء الفيضانات؟|ال
.. الألعاب الأولـمبية: أين وصلت الاستعدادات في فرنسا؟
.. كيف تنتهي لعبة إيران وإسرائيل الخطيرة؟ وبيد من ورقة الانتصار
.. بايدن رهينة الصوت الأمريكي المسلم #شيفرة
.. نيويورك تايمز تمنع استخدام مصطلحات تنحاز إلى فلسطين