الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذهنية الدفاع

صبحي عبد العليم صبحي
باحث بالفكر الإسلامي المعاصر

(Sobhee Abdelalem)

2019 / 5 / 1
المجتمع المدني


في ظل وجود الاستعمار كان علي الطبقة المثقفة - الموكلة بتكوين واصدار الرأي داخل المجتمعات العربية - صياغة خطاب دفاعي يدافع عن الهوية والأصالة العربية ضد المستعمر الذي يحاول– بطبيعة الحال – ان يفرض ثقافته وبناءه الاجتماعي ، منطلقا من قناعة بانه الافضل والسلالة الأعلى لذا أباحت له الظروف السيطرة علي هذه الشعوب . ولكن ظل الخطاب العربي يقبع في الطور الدفاعي محاولا دائما إثبات هويته واصالته ، وتعويض موقفه المتراجع تجاه الحضارة بإثبات نسبه الي بناة الحضارة معاديا للثقافة الغربية أو ان شئت الدقة ( غير العربية )، محاولاً دائما انتاج خطاب يعمل علي الحد من سلطة الثقافة "غير العربية " وإرساء دعائم المصطلحات العربية ومحاولة تعريب واسلمة العلوم ، خالطا بين السياسة الامبريالية الغربية وبين العلوم البشرية التي تحاول عدم الحيد نحو الغاية السياسية ، ولا يبرر هذا سوي الفراغ المعرفي وعدم الاطلاع ،ويعززه تاريخ الغرب الامبريالي واستخدامه لكافة الوسائل والنظريات لتبرير استعماره ، ولا ينجم عن هذا سوي الرفض المطلق الغير مبرر بتبريرات شافية ومرضية للعقل . وعلي الصعيد الأخر فالحضارة الغربية تفرض نفسها وبقوة مما جعل التابعية العربية لها أمرا مفروضا ، ويتمخض عن هذا وجود خطاب مبني الرؤية الغربية داخل البناء العربي مدافعا عنها منبهرا بها ، لا تكف محاولته في اثبات تطورها والحاجة الماسة الي اتباعها ، مما جعله في حيز المتآمر مع السلطة الامبريالية الغربية في نظر من يدافع عن الأصالة . فأضحي يصوغ خطابا دفاعيا ضد مزاعم الاتجاه الاصولي ، فأصبحت سياسة الرفض متبادلة بين الطرفين عاجزة عن انتاج أي خطاب تنويري ولكنها اكثر قدرة علي بناء الخطاب الدفاعي والتبريري .
فالخطاب العربي بشقيه النهضوي والأصولي لا يعرف سوي النمط المنغلق للخطاب الدفاعي الذي يقوم علي الاقصاء ، لا الاعتراف بالآخر والانفتاح والذي هو أداة هامة لبناء الحضارات ، فالخطاب الدفاعي لا يعرف الفهم والتفسير بقدر ما يعرف التبرير والانحياز. والخطاب الدفاعي هو سمة من سمات الطائفية التي ظهرت ابان تبني الخطاب الديني شرعنة السلطة السياسية، وصدامه مع بعض الآراء المختلفة مع السلطة السياسية واتجاهاتها واضفاء الرداء الإيماني علي الاختلافات السياسية ، واصبح الاقصاء الايماني بديلا للإقصاء السياسي ، ويتمخض عن هذا بطبيعة الحال العديد من الطوائف كل منها تزعم امتلكها للحقيقة . فضلا عن ما جاءت به الهزائم العربية الكبرى من خلال محاولة تفسيرها وتقديم مبررات لها ومحاولة فهم اسبابها ، من قبل المفكرين والسياسيين والعسكريين ورجال الدين - بطبيعة الحال - و ما احدثته من تصدع واهتزازات داخل المجتمع من خلال ظهور زيف وكذب بعض السياسيين ورجال الثقافة والسلطة الدينية ، والذي ادي الي انتاج خطابات دفاعية اخرى محاولة الاستقلالية عن الخطابات الرسمية لفقدانها الثقة بهذه الخطابات التي اوضحت الهزائم كذبها ممثلة في التيار الديني الشعبي وفرق سياسية عديدة منها تيارات الاسلام السياسي وغيرها .. , واصبح الفرد يقف موقف العدو من الدولة لفقدانه الثقة بالفئة القائمة علي ادارة مواردها ، محاولا هو الاخر تنظيم خطابا دفاعيا عن مطالبه المشروعة ، وفقا للصورة المعهودة في ذهنه عن السلطة السياسية – التي يصدرها رجال الدين وتعمل علي تعزيزها الطبقة المثقفة – وهي اقرب الي تصور المواطن الآثيني لآلهة اليونان القدامى ساكني جبال الأولمب . فينجم عن هذا انحصار الخطاب العربي( بشقيه النهضوي والأصولي ) في الطور الدفاعي – خاصة وان كان في موقف الضعيف من هو في حاجة للدفاع - عزيز عليه صياغة خطاب الفهم والتفسير عاجز عن ترك مساحة لفهم اخر وتفسير اخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذيرات أممية من حظر إسرائيل وكالة الأونروا.. ما التفاصيل؟


.. الأمم المتحدة: نصف مليون لبناني وسوري عبروا الحدود نحو سوريا




.. مستوطنون حريديم يتظاهرون أمام مقر التجنيد قرب -تل أبيب- رفضا


.. مسؤولة الاتصال في اليونيسف بغزة: المستشفيات تعاني في رعاية ا




.. الأمم المتحدة: أكثر من مليون نازح في لبنان