الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نوري السعيد في الثورة العربية
سعد سوسه
2019 / 5 / 2دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اعداد د . سعد سوسه
بعد إعلان الحرب العالمية الأولى في الثاني من آب عام 1914، ودخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا في الأول من تشرين الثاني عام 1914 . واتخاذ الاتحاديون اجراءات عدة منها تعين جمال باشا، قائداً للجيش الرابع في بلاد الشام وأعطاه كافة الصلاحيات في حكم سوريا حيث قام جمال باشا بفصل القوات المتواجدة في بلاد الشام والتي تشمل العديد من الضباط الأحرار المنتسبين إلى جمعية العهد إلى الأناضول والذي كان من بينهم نوري السعيد الذي كان متميز من الجيش العربي واستبدالهم بقوات من الجيش العثماني والضباط الموالين له الذين اعدموا في ساحة برج بيروت، وقد اتهموا معظمهم بالانتماء إلى حزب اللامركزية، وبعضهم في العمل بالانفصال عن الدولة العثمانية ومن بينهم عبد الكريم عبد الخليل، ومحمود المحصماني، وعبد القادر الخرساء، ونور الدين القاضي وصالح حيدر وعلي الامنازي وسليم احمد الهادي .
كما قام بعدة اعتقالات لرجال الاطلاع وشكل محكمة عسكرية عرفية في منطقة عالية .
وكانت هذه المحاكم تجري بصورة سرية وكانت التهم الموجهة هي الخيانة للدولة والتحالف مع الدول الأجنبية .
هذه الإجراءات القمعية التي مارسها جمال باشا كان لها الأثر الكبير بإبعاد العرب عن الدولة العثمانية. لذلك أدرك العرب بأنهم يخضعون إلى سياسة جائرة تفضي على القضاء على آمالهم في تحقيق الاستقلال ومحاولة لإسكات أصواتهم في نيل الحرية والعدالة والمساواة، وهكذا يمكن القول أن القوميين العرب والاتحاديون وصلوا إلى مفترق الطرق وأدرك العرب ومن ضمنهم نوري السعيد وعيهم بإقامة دولة عربية بعد تلك السياسات والممارسات إن الاتحاديون ماضون في سياسة سحقهم والقضاء على هويتهم القومية وإنه لابد لهم من الثورة والتضحية بأنفسهم من أجل نيل حريتهم وكرامتهم ووجودهم. لذا كانت الحجاز هي مهد تلك الثورة وكان الشريف الحسين هو زعيمها .
وبناءاً على ذلك كان لابد من توافر شرطين لتحقيق تلك الثورة أولها البحث عن قائد يتولى مهمة قيادتها، والثاني الاعتماد على قوة خارجية تؤمن لها حسم النصر، لذا وجدت بريطانيا ضالتهم في الشريف حسين، كونه يتمتع بمركز ديني إذ يرجع نسبه إلى سلالة الرسول .
فضلاً عن ذلك عدم انصياعه لسياسة الدولة العثمانية في إدارة شؤون الولايات العربية، بالإضافة إلى امتلاكه قوة عسكرية تؤهله لوضع الحكومة المركزية أي العثمانية في موقف حرج في حال انضمامه إلى جانب بريطانيا وفرنسا على اعتبار هاتان الدولتان من الدول المعادية للدولة العثمانية لهذا تم ترشح الشريف حسين شريف مكة لزعامة الثورة .
كان أعضاء جمعية العهد ومنهم نوري السعيد يؤمنون بضرورة بقاء الخلافة الإسلامية بيد آل عثمان فإذا آمنا بجدوى قيام الخلافة الإسلامية فالعرب أولى بها لأن تجريدهم منها على افتراض وجودها يعني فقدان العرب لأهم مميزاتهم القيادية التي يتميز بها عبر التاريخ .
بالمقابل حذر عزيز علي المصري أما عزيز علي المصري فقد ولد في القاهرة في آب 1878 ودرس في مدارسها فلما أتم دراسته بها أوفد أبوه إلى اسطنبول وتخرج عام 1904، عين في جنين مقدونية فاشترك في تأسيس العصابات البلغارية واليونانية والالبانية المتمردة على الدولة، في عام 1911 أوفد إلى اليمن حيث انهزمت القوات التركية في معركة ( جيزان ) . عاد إلى اسطنبول في عام 1913 وظل يحارب من أجل تحقيق أماني الأمة العربية.
أعضاء جمعية العهد غداة دخول الدولة العثمانية الحرب بالتزام جانب الدولة العثمانية وعدم الاتيان بعمل معادي لها لأن ذلك سوف يعرض الولايات العربية لمخاطر الاحتلال الأوربي في المنطقة العربية ، وبعد أن أخفق أعضاء الجمعية من الحصول على ضمانات غيروا برنامجهم وسعوا من أجل الحصول على استقلال عربي ناجح تحت زعامة الشريف حسين .
كانت هذه الأفكار النظرية التي كانت تؤمن بها جمعية العهد منذ تأسيسها، وهو العمل على قيام دولة عربية مستقلة تماماً عن الدولة العثمانية ويذكر تحسين العسكري في مذكراته، أن جمعية العهد في العراق أوعزت إلى الملازم (تحسين علي) الذي كان يرافق والي (الاحساء) إلى إجراء اتصالات مع (بن سعود) في نجد وتوسيع نطاق الجمعية في الجزيرة العربية .
ذهب نوري السعيد على رأس وفد جمعية العهد وعضوية الضابط (مهدي الرحال) وفؤاد المدفعي، إلى مسقط لمقابلة السلطان (تيمور بن فيصل) ورحب بهم الأخير. ثم عاد الوفد وبقى (فؤاد المدفعي) من أجل تأسيس جيش نظامي يكون نواة الجيش العربي المستقل، يمكن الاشارة هنا أن الجهود العملية التي قامت بها جمعية العهد ودور نوري السعيد والتي ترمي إلى قيام كيان عربي منفصل عن الدولة العثمانية والشروع على تحقيق استقلال العرب وهذا يعود إلى العامل التنظيمي العسكري (لجمعية العهد) وقدرة أعضاءه على القيام بفعل عملهم. وهذا تفسير اندفاعها فيما بعد إلى التحالف مع (الشريف حسين) لتحقيق استقلال العرب .
اعتقد أعضاء الجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد في دمشق أن ساعة التحرير العربي باتت وشيكة ، ومن أجل تحقيق ذلك وجهوا نداء إلى شريف مكة عن طريق ولده الأمير فيصل الأمير فيصل: ولد الأمير فيصل في قرية (رحاب) القريبة من الطائف في عام 1883 وترعرع في بادية الحجاز رافق والده عندما دعي من قبل السلطان عبد الحميد إلى اسطنبول في عام 1891. وقضى هناك فيصل مرحلة شبابه ودرس فيها ثم عاد إلى الحجاز بعد 16 عاماً على أثر تعين والده شريف مكة. انتخب الشريف فيصل بعد ذلك نائباً عن جدة في مجلس المبعوثان العثماني 1913 وانتقل بين الحجاز واسطنبول وعرف بنزعته القومية واهتمامه بقوميته وهويته العربية، واتصل بدمشق بالجمعيات السياسية والسرية والشخصيات التي كانت تدافع عن حقوق العرب في الدولة العثمانية ولما أعلن والده الشريف حسين الثورة العربية في عام 1916، عهد إليه قيادة الجيش الشمالي فسار به إلى العقبة ودخل سورية في عام 1918، بعد إجلاء الأتراك عنها، وتوفي 8/9/1933.
وجد الشريف حسين أمام مسؤولية كبيرة في منطقة الحجاز . مما دفعه في التفكير بضرورة الاستعانة بقوى عظمى تضمن له تحقيق أهداف العرب المنشودة، ولهذا يمكن القول أن مصالح العرب قد التقت مع المصالح البريطانية في هذا الاتجاه، فوجدت السلطات البريطانية أن من مصلحتها التحالف مع القوى العربية في الوقت الحاضر وخاصة في مرحلة الحرب من أجل إزاحة الدولة العثمانية وأرادت بذلك أن تسيف الأحداث .
ومن هذا المنطلق عملت كل من بريطانيا وفرنسا على استشارة العرب باسم القومية ساعين في سبيل ذلك اغرائهم بالوعود الخلابة في مساعدتهم في إحياء إمبراطوريتهم الكبرى وتجديد مجدهم القديم .
في العاشر من حزيران عام 1916، أعلن الشريف حسين الثورة ضد الدولة العثمانية وعلى الرغم أنه لم يكن يملك جيشاً نظامياً أو أسلحة حديثة ، وإنما كانت لديه قوة من الحرس في مكة ، وقوة بعض القبائل التي كانت قد لبت دعوته ، لكن ضرورات الحرب استوجبت عليه الاهتمام بتنظيم قواته وتطويرها، لذلك شكل أول مركز للتدريب في مدينة (رابغ) شمال مكة في أيلول 1916، فضلاً عن ذلك شكلت نواه الجيش العربي، واعقبها تأسيس المدرسة الحربية في مكة وقد ضمت العديد من شبان مكة وجدة واليمن كما ساهم الضباط العرب الذين أطلقت بريطانيا سراحهم من معتقلاتهم ومن بينهم ضباط عراقيين بناء على الاتفاق بين الشريف حسين وبريطانيا.
بعد اعلان الثورة من قبل الشريف حسين سارع الكثير من الضباط والجنود العراقيين وكان أبرزهم نوري السعيد في الانضمام إلى صفوف الثورة وذلك بعد تنفيذ اقتراح محمد شريف الفاروقي (ضابط في الجيش العثماني) على البريطانيين نقل الضباط العرب الأسرى في الهند للمنطقة العربية لدعم الثورة العربية وهكذا انظم نوري السعيد الى الثورة العربية التي تهدف تحرير الأمة العربية من السيطرة الاستعمارية والسيطرة العثمانية .
علما أن قسم من هؤلاء الجنود أو الضباط قد هرب من الجيش العثماني والتحق إلى الجيش العربي في الحجاز فضلاً عن الجنود الذين كانوا معتقلين في معسكرات الأسر في الهند والبصرة والذين أطلق سراحهم بالاتفاق مع السلطات البريطانية كما أسلفنا، تجدر الإشارة إليه هنا أن استجابة القسم الأكبر من الجنود والضباط كان عبارة عن مجازفة بحد ذاته. والتهديد بحياته وحياة أسرته .
وصلت أول دفعة من الضباط العرب إلى الحجاز في تموز عام 1916 والدفعة الثانية في كانون الأول من العام نفسه. وفور وصولهم إلى الحجاز باشر هؤلاء الضباط تدريب الجيش ونظمه واعتبر نواة الجيش العربي، وكان العراقيين بمثابة العمود الفقري لهذا الجيش فكان جعفر العسكري القائد العام للجيش العربي . أما الضباط علي جودت الأيوبي ومولود مخلص ونوري السعيد فقد تولى المهام القيادية في الجيش العربي، وخاضوا معارك عنيفة وأحرزوا الانتصارات وكبدوا القوات العثمانية خسائر جسيمة في المعدات والأرواح .
ومن خلال سير المعارك التي خاضها نوري السعيد ودوره الفعال في ثورة الحجاز عام 1916، أمر بإنزال المدفعية وإرسال بضع قنابل إلى الموقع، ثم استولى بعض رجال الدولة عليه ولم يفقدوا غير رجل واحد وهكذا ملكنا عشرة أميال من الخطوط الحديدية جنوب دمشق .
فضلاً عن ذلك اغتنم نوري السعيد فرصة تمكن من جمع ثلاثمائة وخمسون رجلاً نظامياً ومدفعي ودفعهم في معبر واحد (تل حرار) بالإضافة إلى ذلك تمكن نوري السعيد من أسر أربعين أسيراً عثمانياً تعاون مع المدفعية الجيش العربي، وصل باقي الجيش نوري السعيد ومدافع بنيراني الأخرى إلى تل (حرار).
وتقدم نوري السعيد بالمدفعية والمشاة والرشاشات في ظلمة الليل إلى الخط الحديدي وابتعد ميلاً وأعاد تنظيم قافلته منتظراً أوامر جديدة فعبر نوري السعيد ورجاله في ظرف ساعة، ثم أبدى إشارة فنفيت النار واسرعت في الاستحكام العثماني فانفجرت النار دفعة واحدة. وقد أثار ذلك قلق نوري السعيد وأمر بإطلاق النار قبل أن يعلم أن فرقة المشاة لم تصل بعد .
تمكن الجيش العربي من دخول دمشق مع طلائع القوات اللنبي في الأول من تشرين الأول 1918 .
وكان السكان المدنيون في دمشق وبيروت وطرابلس قد أعلنوا استقلالهم ورفعوا العلم العربي قبل وصول الجيوش المتحالفة .
وكان جعفر العسكري وبأمرته نوري السعيد اللذان ساهما في العمل السياسي داخل دمشق فقاموا بتعيين (رضا الركابي) في اجتماع عقده عدد كبير من مارة ووجهاء دمشق حاكماً عسكرياً بشكل مؤقت لحين وصول الأمير فيصل بن الحسين .
يمكن القول أن الجيش العربي كانت له رغبة قوية في التخلص من السيطرة العثمانية، فقد أصبح الشريف حسين ملكاً على البلاد العربية في تشرين الثاني عام 1916 إلا أن بريطانيا وفرنسا لم تعترفا به سوى ملكاً على الحجاز في الثالث من كانون الثاني عام 1917 .
ثم أمر يجدر الإشارة إليه ألا وهو أن الضباط العراقيين الذين التحقوا بثورة الحجاز في عام 1919، تجلى ذلك في ترد بعض القوميين العراقيين في قبول العرض البريطاني بالانضمام إلى ثورة الحجاز، لو اقتضيت الظروف للضباط الذين التحقوا بالثورة، لوجدنا أن جميعهم تقريباً كانوا أسرى لدى المعسكرات البريطانية وكانوا مجبرين بين (التطوع) في خدمة الحجاز أو البطالة، أو البقاء في معسكرات الأسر البريطانية، وحتى نوري السعيد الذي أصبح فيما بعد أبرز الدعاة الموالين للبريطانيين بين (القوميين) العرب آنذاك. فقد أبدى تردداً ملحوظاً، بالرغم من حكم الاعدام الصادر عليه فقد قرروا الانضمام إلى الثورة الهاشمية والتي نالت تأييد الشعب العراقي وحدوث فتوه لمناصرة ثورة في الحجاز وتأييدهم لمناصرتها .
إن بروز دور الضباط العراقيين من بينهم نوري السعيد في هذه الثورة جعلتهم يبقون في القيادة وطموحهم إلى إقامة دولة عربية تتيح الفرصة لهم بالتخلص من العثمانيين كمرحلة لبناء الدولة إلى أن اصطدمت بمخطط البريطانيين الذين كان لهم الأثر في دعم الضباط في هذه الثورة العربية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر