الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حادث السّبّالة يكشف عقليّات زبالة

مالك بارودي

2019 / 5 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكثير من التّونسيّين يلومون السّياسيّين على توظيفهم لحادث المرور الذي أودى بحياة 15 إمرأة من العاملات في القطاع الفلاحي بجهة السّبّالة من ولاية سيدي بوزيد قبل أيّام. يلومون السّياسيّين على تكالبهم على تسجيل الحضور بالمنطقة وعلى ركوب الحدث وإستغلاله للتّرويج لأنفسهم ولأحزابهم وللظّهور الإعلامي والبروز كمحبّين للشعب ومهمومين بمشاغله ومشاكله وساعين لحلّها. يلومون الإعلاميّين على توظيف الحادث بنصب الطّاولات المستديرة والمربّعة والمستطيلة والمثلّثة وعلى كثرة حديثهم دون فائدة، مثلما يحدث في كلّ مرّة قبل أن يلفّ كلّ شيء النّسيان...
لهم الحقّ في كلّ ذلك، مثلما أنّه من حقّ السّياسيّين والإعلاميّين أن يركبوا على الحدث. فالدّنيا مصالح والمشتغلون بالسّياسة والإعلام لولا هذه الأحداث التي يركبونها ويلقون فيها بالخطابات الرّنّانة والكلمات المنتقاة لما لمع نجمهم ولما حصّلوا ثرواتهم... لكن...
لكن، نفس من يلومُون على كلّ هؤلاء إستغلالهم للحادث بطريقة أو بأخرى خدمة لأغراضهم، هم أنفسهم لا يتورّعون عن إستغلال نفس الحادث خدمة لأغراضهم الشّخصيّة.
فحين تنشُر إمرأةٌ محجّبة ملفوفة في كيس قمامة وسعيدة بعبوديتها وبأنّها عورة وناقصة عقل ودين (كما تقول الأحاديث) وأرضٌ للحرث (كما يقول القرآن) ووعاء لإفراغ شهوة الرّجل الجنسيّة (كما تقول كتب الفقه الإسلامي)، حين تنشر إمرأة كهذه صورة كُتب عليها: "كادحات سيدي بوزيد لا يبحثن عن المساواة في الميراث... بل عن حياة كريمة فيفاجئهم الموت المحتوم"... ما الذي نفهمه من منشُورها؟
أليس هذا توظيفًا للحادث وركوبًا على الحدث خدمةً لمصالح جرذان التّخلف الدّيني والعبوديّة المتمسّكين بخرافة "للذّكر مثل حظّ الأنثيين"، التي لا تمتّ بصلة لزماننا ولا لواقعنا، في صراعهم العبثي مع من ينادون منذ مدّةٍ بتغيير القوانين في تونس ليصبح من حقّ المرأة قانونيًّا أن يكون لها نفس ميراث الرّجل؟ أليس هذا إستغلالا للمأساة لتعميق مأساة أخرى متخلّفة مازال المسلمون متمسّكين بها، بل ويعتبرونها قمّة العدل الإلهي، في حين أنّها قمّة الظّلم والقهر والإستنقاص والتخلّف؟ أليس هذا نفاقًا وإنحطاطًا؟
ثمّ، منطقيًّا، ما الذي يمنعُ هذه المرأة، لو كانت فعلًا حرّة وعاقلة، أن تُطالب لهؤلاء النّسوة ولغيرهنّ بالمساواة في الميراث وبالحياة الكريمة في نفس الوقت؟ هل البحث عن الحياة الكريمة يمنع من أن تطالب المرأة بالحصول على حقّها بالمساواة مع الرّجل؟ ألا يمكن جمع المطلبين معا، وفي نفس الجملة؟ أم أنّ كلّ ما في الأمر لا يتجاوز الأداء المسرحي وتصفية الحسابات مع من تراهم هذه المرأة المتنكّرة في كيس قمامة وكلّ الجرذان الذين يحملون نفس النّفايات الإسلاميّة في أدمغتهم أعداءً لهم، لأنهم ببساطة يعتبرونهم تهديدًا لدينهم الهمجي الظّالم؟ نعم، الأمر ليس إلّا مجرّد حدثٍ يتمّ إستغلاله بنفاقٍ وزئبقيّة لتمرير خرافة القرآن البالية. فلا تعاطف ولا مساندة ولا هم يحزنون.
وعليه، فالأولى أن يُصلح المسلمون أنفسهم قبل أن يُعطوا النّصائح والدّروس للآخرين. فما السياسيّون والإعلاميّون إلّا نتيجة بيئتهم، ولن يكونوا في أغلب الأحيان إلّا نسخة مطابقة للأصل من مجتمعهم الذي تربّوا فيه وترعرعوا بين أفكاره وموروثه وعقليّاته.
فإذا كان السياسيّون والإعلاميّون وغيرهم منافقين وراكبين على الأحداث لخدمة مصالحهم، فمن أين أتوا بكل ذلك إن لم يكونوا قد رضعوه من مجتمعاتهم؟
.
-----------------------------
الهوامش:
1.. صورة للمنشور موضوع المقال من حساب "سهام بوعبيد" على الفيسبوك:
http://evassmat.com/imu
2.. مدوّنات الكاتب مالك بارودي:
http://sapolatsu.com/2VLK
http://sapolatsu.com/2VOC
http://sapolatsu.com/2VPK
http://sapolatsu.com/2VQS
3.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://sapolatsu.com/2VRv
http://sapolatsu.com/2VT7
4.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
http://sapolatsu.com/2VUR








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني