الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان المُسلمين فانوسٌ بلا نور.

زيدان الدين محمد

2019 / 5 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"‏هذا الصَّباح : ناضجٌ بزقزقة العصافير وجلّ التهاني بالشهر الفضيل!.
لا أعرفُ ماذا تعني ، ولكن أشعرُ بأنها جميلة".
-ندئ عادل.



استعَدّوا لشراء مُقتضيات رمضان،و غالبها أكل، و استعَدّوا لتزيين بيوتهم ومجالسهم بما يتلائم مع طقوس رمضان الروحية، و جهّزوا ماذا سيتابعون من برامج تلفازية تضفي طابع سوسني لطيف على جو رمضان، و جهّزوا مصاحفهم و نظّموا جدول سباق يعرضوا فيه للغير أنهُم سيختمونه أكثر من ثلاث مرات أثناء رمضان.
هَكذا بالغالب ،نحنُ نستعد لرمضان ، شكليًا و ظاهريًا مرموزًا مُفرغًا مِن سجوف مضمون القِيم العُليا، وهذا ماجرّ علينا وطأة أُخرى تشي بأن أخلاقياتنا ليست إلا شيء ثانوي-إن وُجدت- فرآنا العالم فانوسًا بلا نورٍ .


كما هو معلوم، أن الصيام لَهو مِن الشعائر الدينية التعبدية والتي اشتركت فيها الكثير من الأديان منها السماوية ومُتعددة الآلهة؛ لكونها شعيرة في كفّيها فلسفة روحية وأخلاقية تقوم على الانقطاع عن الشهوات الجسدية كالطعام والمشرب والعلاقات الجسدية الحميمة وكُل عمل وقول يسيء إلى القيم الإنسانية السامية، فالصيام كما تدلّ عليه فلسفة علي عزت بيجوفيتش، ليس مُجرد مسألة إيمان، وليس مُجرد مسألة شخصية تخص الفرد وحده، وإنما هو إلتزام اجتماعي، وهو وحدة تجمع بين التنسّك والسعادة "بل حتى المتعة في حالات معينة"، وهو أكثر الوسائل التعليمية طبيعيةً وقوةً، فهو يُمارس في قصور الملوك وفي أكواخ الفلاحين على السواء، وأعظم ما في ذلك أنه يُمارس مُمارسة حقيقية لا تشوبها شائبة من الرياء.
وهذهِ نقاط نوجزها لهدف الصيام الذي اشتركت فيه جميع الأديان على اختلاف مستوياتها:
- صفاء الضمير الإنساني لكون الصيام شعيرة سرية -حتى لو كانت تُؤدى في وقت محدد ومع جماعة من عقيدةٍ ما و في طقس واحد- حيث أننا لا نستطيع إثبات الصيام أو نفيه عن أحد،فلا يشوب الأمر مايشوب غيره من الرياء.
-القيمة النقية للصيام في أنهُ "ترك" و ليس "فعل"من خلال إرتباطه بالنقاء الروحاني والتطهير البدني، والصفاء الذهني و النفسي، والمسلك التربوي.
-الحدّ من بذاءة اللسان في خدش الآخرين واغتيابهم والنميمة عنهم.
-تهذيب السلوك الإنساني ورفع القِيم الإنسانية من حيث التراحم و التساوي الطبقي مابين الفقير والغني.
-تهذيب النفس بالصبر والغوص في معانٍ فلسفية عميقة لِأوجهٍ عدة من الحياة عبر التأمل.
-التوافق مابين الشعور والفعل، وتغليب شواهد الجوارح على القلب و ليس العكس.
-ولادة الرحمة من رحم الألم.

فكما ذكرنا أعلاه، هذه هي جواهر شعيرة الصوم، فماذا عن تجسّدها في واقعنا الإسلامي العربي؟.
إن رَمضان في واقعنا العربي الإسلامي لا أكاد أحسب أنهُ يخرج عن طور العادة والمُناسبة الإجتماعية وشهرٍ للجوعِ والعطش ومرتعًا لمواكب الإحتفالات والمهرجانات و الأضواء والتغنِّي بالقُرآن و الصلوات، فما يبزغ النهار حتى اجتاحت معالمنا، اللحى وحسن الثياب و سِتر الحجاب وتهذيب النقاب، وانتشر على الطُرق والقنوات بائعي صكوك الجنّة وترويج الكذب من شيوخ الوعظ والكهنة، حتى يحيل الليل فيغدو مسرحًا لملئ البطون بما لذ وطاب من الوجبات وملئ العقول بما جاز من مُتعة المُسلسلات والمسابقات الليلية وجموع صفوف مُتراصّة لِلسهر واللهوِ وماامتنعت عنه فِي النَّهار..
فالنهار شَاق و لا يعملون فيه إلا بشق الأنفس ، ويتحايلون على تمضيته بأي طريقة حتى ينتهى بالإفطار، و الليل هو مسرى الأمتعة.
لِذا كان غرام أُمتنا بالتدين السَّطحي و انقلب رمضان بهدفه على عقبيه بعد أن كان هدفه منوّط في كتاب الله بـ "لعلّكم تتقون" :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ184" | البقرة.
فكما هو موضّح وجلي أن غرض الصيام "التقوى-وهو القيم السلوكية والقيم الإنسانية السامية" إلّا أننا نأبى ألّا يكون سوى صيام لهدف الصيام ذاته ، فصام الفرج وصامت البطن و تاه الهدف في ترقية المُسلمين خلقيًا و قيميًا، فالفرد هُنا يصوم طبقًا لِما وجد عليه آباءه، أي "صيام كعادة إجتماعية"،فالأهم أن تصوم حتّى لا تخرج عن إجماع المُجتمع الصائم، و هُنا يطيب لي ذِكر مثال من العصر المملوكي بما أنهُ بداية نشوء الصيام كعادة إجتماعية لدى السُنة، يجيء في الأمثال الشعبية للعصر المملوكي في كتاب المُستظرف القول الآتي:
"يا طالب الشّرّ بلا أصل، تعالى للصايم بعد العصر".
و معنى هذا المثال المتداول، أن الأصل كان الإهتمام بالصيام لذاته فحسب، مشيرون إلى أنهم تحمّلوا الصيام مضطرين مقهورين، فما كان لرمضان أن يزحف إلى نهاية اليوم حتى يتمثّل لنا سيناريو المُشاجرات والإنفلات العصبي بحُجة الصوم والحرمان ، فتجد اللسان يثبت قذاعته لتوافه الأمور، و اليد تشتاق أن تطول لمهازلِ الأمور، وهذا مرعيًا حتى يومنا هذا ونشهده في الحياة المنزلية اليومية فتجد ولي الأمر يصدح ببذاءته وغضبه في الأرجاء لنقصان ملح أو عدم توفر وجبة يحبها، وتجد الأُم والمنوطات بالأعمال المنزلية فيما بينهن يتداولن اللوم والزمجرة في مناط الطبخ ومستلزمات الإفطار، و تجد مدير العمل يستطرد عصبيةً على الموظف، و الموظف تجده في الشارع حتى يلعن إشارة المرور وتزاحم السيارات ،وهكذا من مُسلسل الهدر الذي يستمر حتى نهاية رمضان.

وإِنِّي هُنا أتساءل، ماذا فعله المسلمون منذ 14 قرنًا بفريضة الصيام إلى الآن؟فالسلوك المُتعسف اللأخلاقي مازال مستعمرًا لنفوسنا، وهذا دليل حيّ أن أقوامنا تُحب حمل الفانوس مظهرًا ناسيةً وجوب الزيت والنور فيه..كما أن العرب قد تقرأ أدب الأديب الفيلسوف مُصطفى صادق الرافعي يوم يسبر في غور الأمر ذاته، فيخبرنا أن تلك الصفة التي يحققها الصيام قد "أوّلتُ من (الاتّقاء)، فبالصوم يتقي المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته مَعِدته، وألّا يعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة، ويتقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك، فلا يكون إنسان مع إنسان كحمار مع إنسان: "يبيعه القوة كلَّها بالقليل من العلف!". ،لكن العرب تقرأ تذوقًا ومتعةً ،غافلة عن رُقي ما قاله هذا الفيلسوف الأرِيب من إيجاز هدف الصيام، و هذا شأن الأُمة التي تركض لأغلفة الكُتب قبل مضمونها فتُخلف ثقافة سطحية و قيم دينية أدت طقوسها لأربعة عشر قرنًا دون أن تتغير أو ترتقي.
إن للصوم فلسفة من شأنها خلق مُجتمع مليء بالأخلاقيات ،لكننا أجدنا تسطيحها كباقي الشعائر التعبدية، فلم نفلح سوى في خلق طقس مهرجاني لرمضان، ووأدنا جوهرة وجوده وفريضته السامية، فحُق علينا استحقاقنا منزلة الشعوب المُتخلفة.


لسنا في منفى عن ذِكر بعض ملامح رمضان التعبدية، من ماراثون في قراءة القُرآن دون تدبّره آملين في ذلك حصاد عشر حسنات على كُل حرف و غافلين عن استقاء الأخلاق والهداية وتقويم السلوك من كتاب الله وحصاد بيئة أخلاقية، فمن يقرأ قُرآنه لِحسنات من السماء، مزّق عين ألوهية الله في الأرض..
زيادة الصلوات من تراويح وقيام الليل لحصاد أجر السماء، بقلبٍ فارغ و نفوسٍ تأتي الفاحشة حتى ولو في الكلام، هي صلوات لا تنتمي لـ الله.
إنتشار مظاهر السواك و المسابح، فَمن وضع مسواكًا في فمٍّ يقتات غيبة ونميمة وسوء الحديث، كأنما وضع عطرًا على مكب نفاية، والفمِّ الذي ينشغل بمصمصة السواك أمام الجماعة لعكس حسن تقواه، سُرق لسانه من قول الخير والحديث الطيب للمنكسرين المُشردين والمنبوذين المُترامين على الطُرق، و مَن تراقصت في أصابعه المسبحة، سُرقت أصابعه من فعل الخير.
إن المعبد الذي تدخله لِتكسب حسناتٍ لا ضميرًا، هو معبد هجره الله، و الصلاة التي تقودها حركات وهمسات لا أخلاق، إلهها مُزيف، و أخيرًا فالصيام الذي لا يخلق فيكَ صوت أبي ذر الغفاري ويُلبسك رداء الإنسانية، هو صيام يتوجّب عليك تركه ودفع الفدية للمساكين تعويضًا ،فذلك تقوى ألحظ.
كخطِّ ختام:
متى سَيصوم المسلمون رمضان..؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصوم بين دين وآخر
أكرم فاضل ( 2019 / 5 / 5 - 15:52 )
أستاذ زيدان

جاء في انجيل متى الأصحاح السادس قول المسيح عن كيفية الصوم ما يلي:

16 - ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم

17 - وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك

18- لكي لا تظهر للناس صائما، بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.

تحياتي.

اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ