الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأله علي الله

صبحي عبد العليم صبحي
باحث بالفكر الإسلامي المعاصر

(Sobhee Abdelalem)

2019 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المسائل البديهية والخالية من الحاجة الي برهان في كل الثقافات والديانات قدرة الإله علي كل شيء ، وهذا كونه خالق للإنسان ؛ هذا الكائن المسيطر علي الارض وبقية الكائنات . والله خلق أدم كما شاء هو ، فلم يشأ عز وجل أن يكون أدم مسلوب الإرادة كالملائكة – ولعل لهذا السبب أمر الملائكة بالسجود له – ولكن مشيئته جاءت بان جبله علي الاختيار وحرية الرفض . لذا كانت احدي صفات الإله المغفرة ، فلا تكن هناك مغفرة الا وإن كان هناك خطأ ، فعز وجل أعطي لأدم حرية الخطأ لأنه أكثرا علما بما خلق ، وكفل لنفسه حق المغفرة . وجعل الله عز وجل الجنة مسكن أدم وخلق الشجرة المحرمة ، وأمره ان لا يأكل منها ، وأعطاه حرية أن يعصي الامر الالهي ، وأكل أدم منها عاصيا ربه ، فعاقبه بنزوله الي الارض ، ثم تاب عليه وغفر له – هكذا وردت في كتب الديانات الابراهيمية التوراة والانجيل والقرآن - و هذا خير مثال لحرية أدم ومغفرة الله .
وفي القرآن الكريم حديث من قبل الله الي نبي مرسل يقول عز وجل في سورة القصص الآية (56) "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" وهنا يخبر الله نبيه أن له (عز وجل ) وحده حق الهداية وينفيه عن النبي ، كما انه يؤكد علي انفراده بعلم المهتدي دون غيره . وعند أهل الحديث (المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر ) . إذن فالله بمشيئته في خلقه وعلي لسان نبيه – كونه لا ينطق عن الهوي – كفل للإنسان حق المعصية والخطأ ، بل انه عز وجل شاء ان يجبل أدم علي حق الإيمان به او رفضه وانكاره . فبأي حق يمكن لإنسان ان ينصب نفسه حارسا علي عقيدة أخر ؟!!! . وفقا للمشيئة الالهية التي تتجلي في خله لأدم ( علي هذه الخلقة ) لا يكون الاعتداء علي الحرية تعديا علي الانسان بقدر ما هو تعديا علي الله عز وجل وعلي مشيئته ، فهو وحده من اعطي لأدم وبنيه الحرية وحق العصيان ، ومن يسلب تلك الحرية يري في نفسه القوة والمقدرة والمعرفة التي تفوق فيهم علي الإله فيري في منظوره اكثر رجحانا من المشيئة الإلهية ، فيسلب من الانسان حق الخطأ ، طارحا نفسه كحارس للعقيدة حاميا للدين يحمل بين يديه مفاتيح الجنة والنار عالما بكنه الرحمة الإلهية ومستحقيها !!فيدخل من شاء فيها ويخرج من لا يهواه منها ، وينطلق حاكما علي هذا وذاك من بين كافر وضال وفاسق وزنديق ، مشيرا الي إتباع هذا ونافيا لسماع ذاك ، غافلا الانفراد الالهي بالهدى ومعرفة المُهتدي ، ونفيه عن النبي المُرسل . وتدور كل فرقة مستعرضة ومادحة طريقتها في العبادة والتدين ، مزدرية الانواع الأخرى من العبادات دون الانتباه الي ان الموكل بقبول هذا النمط – دون غيره - من العبادة خالق كل هذه الفرق والعالم بها وباختلافها .
وينجم عن وجود حراس للعقيدة عداء غير مبرر للمعرفة الواقعية ، ونفاقا اجتماعيا ودينيا للفئة المسيطرة وما يؤدي اليه بطبيعة الحال من عدم قبول الباحث عن الحقيقة بوصفه مؤمنا بالدين بل دوما ما يوصم بالمروق والكفر . رغم ان الكتب السماوية – الممثلة للأديان - لا سيما القرآن في مواطن عديدة لا يسع الامر لذكرها نجدهم مادحين البحث عن الحقيقة نافين – بازدرائهم - التقليد واتباع القدماء . فلم يكن النبي ابراهيم والذي حباه الله واتخذه نبيا سوي باحثا عن الحقيقة ، وموسي (عليه السلام) هداه الله لسعيه نحو الحقيقة ومحمد (صلعم) خاتم الانبياء لم يقبل بعبادة الاصنام في قومه . فلم يُخرِج الله عز وجل باحثا عن الحقيقة من رحمته ولكن اخرَجَهُ من سجنوا الإله داخل قضبانهم ، فضلا عن اذراءهم للشك وهو هبة الهية للإنسان ونجد النبي ابراهيم وهو من تحدث الي الله يطلب من ربه ان يريه كيف يحي الموتى ولم يكن السبب عدم الايمان بل الاطمئنان وأراه الله كيف يحي الموتى ليطمئن قلب أبا الانبياء .
و قبِل الله عز وجل الشك من أبراهيم (عليه السلام ) كونه خالقه وأكثر معرفة بما خلق. لذا تكون محاولات رفض الشك والبحث عن الحقيقة وسلب حق الخطاء ما هي الا " تألها علي الله عز وجل " وهذا انطلاقا من مشيئته التي تتجلي في الكون وسيرانه ، والكتب السماوية التي تتحدث عن الله وجاءت بها الاديان . ولا يفهم من هذا اننا ندافع عن الكفر ونقننه بقدر ما نعطي لكلٍ مساحته حفاظا علي عقائدنا وخروجا من وضع النفاق المتفشي داخل المجتمعات العربية ، والتدين الشكلي الذي لا يحمل إلا النذر اليسير من الوجود الفعلي - وهذا ما يقره الواقع من انتشار الفساد والجوع علي نطاق شبه تام - والسعي نحو المعرفة والبحث . فأنا لا ادافع عن الكفر بقدر ما ادافع عن حقي في البحث والاجتهاد والإصابة أو الخطأ الذي منحني اياه الله ، فعز وجل لا يمكن ان يسجن في اقفاص رجال الدين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي


.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس




.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد


.. 119-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال