الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلم بين صراع الحياة و الموت

هاجر حمادي

2019 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يعيش المسلم اليوم صراعا داخليا عميقا يظهر جليا في أفكاره و سلوكاته ، إذ يمكن لنا أن نراه ودودا محبا للحياة ، تواقا للعيش بحرية ، و في نفس الوقت نراه يحمل أفكارا متعصبة و متطرفة ، ذلك نتيجة بعض النصوص الدينية التي يتم تلقينه بها في الأسرة و المدرسة و المحيط ، مثلا هو يريد أن يستمع للموسيقى فيحذرونه أنها حرام ، يريد أن يعيش تجربة العلاقة مع امرأة يرغب بها فيحذرونه من الزنا ، يريد أن يقوم بمشاريع اقتصادية فيحرمون له الربا ، يريد أن يطرح تساؤلات فكرية و فلسفية عن العقيدة فيحذرونه من الشرك و الكفر ، لكن في الأخير الأغلبية من المسلمين تمارس كل هذه- المحرمات - ، ثم يشعرون بالندم و يدخلون في صراع نفسي كبير بين حب الفطرة البشرية المتمسكة بالحياة و بين الموت و الخوف من العقاب ما بعده ، هذا الصراع جعل من المسلم كائنا متناقضا في تصرفاته ، فترى شريحة كبيرة من المسلمات يرتدين خمارا مع ألبسة ضيقة و عصرية ، و هن يعلمن جيدا أن الحجاب في الدين ليس هكذا تماما ، لكنهن يقفن في الوسط بين رغبتهن في ارتداء الأزياء المعاصرة و بين الخوف من الله أو المجتمع و التقاليد أحيانا ، فيخترن هذا المظهر المشوه كحل وسطي لإخماد ذلك الصراع الداخلي ، الأمر نفسه مع الرجال المسلمين حيث تجدهم يمارسون أموراً كثيرة منافية للدين ثم يتشبثون بمفاهيم دينية متعصبة في داخلهم ، و يبررون ذلك أن النفس ضعيفة و أمارة بالسوء ، لأن المسلم لا يدرك بعد أن تلك التصرفات التي يصفها بالضعف و يعتبرها خطأ هي تصرفات متزنة و فطرية نابعة من الرغبة في الحياة الكامنة عند كل إنسان سوي ، و أن القيم الدينية و الحدود الشرعية هي أفكار غير متزنة تجعله يعيش اضطرابا داخليا عميقا ، هنا أتذكر قصة لرجل أعمال صيني استغرب التناقض الذي يعيشه المسلمون في سلوكاتهم ، حيث كان يستقبل بعض رجال الأعمال منهم ، فلاحظ أنهم يشربون الخمر و يمارسون العلاقات الجنسية مع النساء ، لكنهم يصرون على الأكل الحلال الخالي من لحم الخنزير ، هذا مثال بسيط عن الانفصام الواضح في تصرفات المسلم و أفكاره ، تصرفات مبنية على السلوك و نقيضه ، الفكرة و عكسها ، القول و ضده في الفعل ، كل ذلك يحدث في غياب لمنظومة علم نفس و اجتماع تعالج هذه التناقضات لدى المجتمع ، أما بالنسبة للإسلاميين فهم يدركون هذا الصراع الداخلي الكبير الذي يعيشه المسلم ، لكنهم لا يتطرقون له أبدا خوفا من فقدان الشريحة الكبرى في المجتمع ، لأنهم إذا تكلموا عن هذه القضية فسيجبرون المسلم على الاختيار بين الالتزام بالفكرة الدينية و تطبيقها و بين تركها نهائيا ، و تلك مغامرة غير محسوبة لا يريد الإسلاميون دخولها ، خوفا من النتيجة التي ستكون لصالح الفطرة السوية للإنسان و التي ستميل لكفة الحياة أكثر من الموت ، فاختاروا أن يصفوا ذلك التناقض بالمعصية و الضعف حتى يضمنوا تبعية المسلم لهم دائما ، فالإسلاميون ليس لديهم مشكلة في أن يمارس المسلم تلك المحرمات طالما هو يراها كمحرمات ، و إنما مشكلتهم إذا مارسها عن قناعة و اتزان و عن تناسق مع أفكاره، و هنا سيعتبرونه خطرا لأنه بهذه الحالة رفض الفكرة في حد ذاتها و لم يكتفي بعدم تطبيقها فقط ، أما بعضهم وجد كذلك تسمية أخرى و هي الوسطية و الاعتدال ، و هذا غير صحيح تماما ، لأن الوسطية تكون في الفكرة بحد ذاتها و ليس الإيمان بنصوص متطرفة ثم عدم القدرة على تطبيقها ، هذا ما أنتج لنا تطابق في الفكرة و اختلاف في التطبيق بين التطرف الديني و ما يعرف بالوسطية ، بالتالي وجب القول أن استمرار هذا الصراع الداخلي لدى المسلم سيجعله دائما تحت معاناة نفسية كبيرة ، و سيعطل مشروع تقسيم المجتمع إلى معالم واضحة مثل بقية المجتمعات ، و التي تجد فيها فريقا اختار التعبد و الانعزال و فريقا اختار الحياة و العيش بحرية ، بينما بقيت المجتمعات الإسلامية غير واضحة المعالم ، الكل فيها يتكلم باسم الدين و يمارس كل ما هو ضد الدين ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
على سالم ( 2019 / 5 / 7 - 17:05 )
مقال متميز وهادف ويعرى التناقض البشع والحيره الفكريه والتخبط الايمانى الذى يعيشه المسلم المسكين بهذه الايات القرأنيه الصحراويه الفظه والتعاليم المتضاربه ودجل الشيوخ وكذبهم ونفاقهم , من المؤكد ان لكل شئ نهايه ونهايه الاسلام قريبه تلوح فى الافق وهذا شئ جيد ومبشر


2 - انه التناقض المميت
نور الحرية ( 2019 / 5 / 7 - 22:47 )
هذا المقال أعتبره تتمة لمقالك الأخير الموسوم بغياب البدائل الفكرية والفلسفية والنفسية في المجتمعات الاسلامية موضوع أقل ما يقال عنه أنه موضوع وجب قرائته من الكل نعم انه تناقض شديد ومحير ما تعاني منه مجتمعاتنا وهذا ما تركها فريسة لكل الضواري والأفات فمتى تستفيق

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah