الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن الوجود

رشيد الحيريش

2019 / 5 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


: الى نضال الرهان الذي لا يخيب، الوطن الخافق في الفؤاد والساكن تحث المداد
إن إحدى عوائق فن الوجود ، هو الانخراط المباشر في الحديث التافه ، اذ تعني التفاهة حرفيا "المكان العام" وهي بالخصوص تشير الى ضحالة وسخافة ونقص القدرة ، أو الخصائص الاخلاقية ، أو بعبارة أخرى نقص في سيكولوجية العمق ـ والبحث عن الوجود الاصيل بتعير هيدكر ـ كما يمكن للفرد تعريف كلمة "تافه" بأنه اسلوب يهتم بالظاهر وليس الجوهر ، كما يمكن أن نضيف الى ما سبق أن التفاهة تنبع من اللا حياة ، اللا استجابة لكوامن الاسئلة الانطولوجية أو اي شيء لا يهتم بوضعية الانسان الضرورية وهي الولادة الكاملة °اريك فروم°
لقد عبر الراهب بوذا عن هذا الامر بقوله" لن اتورط بهذا الحديث التافه انه مبتذل دنيوي وليس مفيدا ، كما ان هذا لن يوصلني الى الحياد الكامل ، والموضوعية والسكون ، والطمأنينة ـ والمعرفة المباشرة والتنور والنيرفانا لن انخرط في حديث عن أشياء سخيفة مثل الثرثرة عما يفعله الملوك واللصوص والوزراء والمجاعات والحروب، حول الاكل والشرب والملبس والمسكن وحول التتويج والعطور والاقارب ، والسيارات والعري والمدن وحول النساء والخمر والثرثرة في الطرقات والكلام الحسن عن الاصدقاء وحول مختلف التفاهات والحكايات عن اصول العالم ،والحديث عن أشياء وقعت بهذا الشكل او ذاك "
لكن باستطراد لما سبق لبوذا يبقى الكلام في بعده النفسي والاجتماعي يساعد على تحمل الحياة القاسية ، وعلى تصفية الذهن ، بالحديث عن التواضع والقناعة والوحدة والعزلة ، وممارسات الطاقة والفضيلة والتركيز والحكمة والخلاص. هو كلام عن المعرفة والرؤية الموجودة في الخلاص .ان الاسئلة التي تعيد بناء معرفتنا بالوجود لهي افضل من الاجوبة المتوافرة لدى العامة اذ لكل شخص جواب نابع من تجربته ومن رؤيته الخاصة لاسئلة دائمة الطرح ، لكن القدرة على الوصول لاجوبة جوهرية هو ما ينقصنا
يميل المرء الى الاعتقاد بان معظم الناس يحتاجون الى الحروب والجرائم والفضائح ، وحتى الامراض ليجدوا مادة لاحاديثهم ، وبالتالي يتمكنوا من الحصول على ما يدفعهم الى التواصل ، وقد يكون الحديث الاكثر تفاهة هو حديث الشخص عن نفسه النابع من نرجسيته الساذجة ، حيث يدور هذا الحديث الابدي عن الصحة والمرض والسفر والمغامرات العاطفية ...بالاضافة الى مليون تفصيل من التفاصيل اليومية التي يعتقد انها هامة ـوبما ان المرء لا يمكنه الحديث عن نفسه طيلة الوقت دون ان يصبح مزعجا , فان عليه ان يتبادل الافضلية مع المستمع ـ وذلك باعلان جاهزيته للاستماع الى احاديث الاخرين عن انفسهم ، ان اللقاءات الاجتماعية الخاصة بين الافراد عبارة عن اسواق صغيرة يتبادل فيها المرء حاجته الذاتية الى الحديث عن شخصيته مع رغبة الاخر في الاستماع الى حاجات الاخرين اللذين يبحثون عن فرصة مشابهة ، ويحترم معظم الناس حالة التبادل هذه ، أما من لا يفعل .. ويريد ان يتحدث عن نفسه أكثر مما هو جاهز للاستماع الى الاخرين فهو "غشاش" وعليه ان يختار شراكة مع من هو اقل مرتبة منه ليتحمله
يصعب على المرء تقدير حاجة الناس الى الكلام عن انفسهم والى ان يجدوا من يستمع اليهم. وان كانت حسب اريك فروم هذه الحاجة موجودة فقط لدى النرجيسيين اللذين لا يشعرون بالكمال الا داخل انفسهم. فمن السهل فهمها لكن هذه الحاجة موجودة لدى الشخص العادي وذلك لاسباب مختلفة ومتاصلة في ثقافتنا ، فعصرنا الحاضر عصر الجماهير ، اي اجتماعي بجدارة بمواضيع التفاهة ، وقد عبر عن هذا الشكل دايفيد ريزمان بشكل واضح في كتابه "الحشد المتوحد" لقد اضحى الانسان المعاصر اكثر بعدا عن الوجود الاصيل وهو بذلك يجد عوائق شائكة ، فهو ينتابه الخوف من كل جانب ، الخوف من التواصل عن قرب مع الاخر ، وايضا خائف بالقدر نفسه من الوحدة ، وعدم وجود احد يتواصل معه ، وهنا يظهر بجلاء وظيفة التواصل التافه ، في الاجابة عن السؤال التالي كيف يمكن أن ابقى وحدي دون ان اكون وحيدا؟
اصبحنا الان نتحدث عن ادمان الكلام ،اذ اصح الكلام تعبيرا عن نقص في فهم الوجود ، وأصح دالا على الكينونة بمنطق الكوجيطو الديكارتي "أنا اتكلم اذن انا موجود " انا اتكلم اذن انا لست نكرة فقط يبقى البحث الى من يستمع الي ، فان حاولت فقط الحديث مع نفسي فسافقد عقلي ، ان وجود الاخر كمستمع يولد وهم الحوار بينما في حقيقة الامر ، ما هي الا مونولوجيا لا اكثر ،
وفي خضم هذه الاشكالات يبقى السؤال المطروح لماذا يهتم الاخرون الى تفسير لتصرفاتنا ، ان حاجة الاخرين الى فهم تصرفاتنا ينقص من حرياتنا ، هذا الشغف الفضولي لفهم كوامننا يعيق فن الوجود ، وبالتالي لا داعي لاي تفسير ولو ادى بنا ذلك الى وضعنا في موقع " الغير الاجتماعيين " او " الغير العاقلين" فنحن لسنا ملزمين لتوضيحات عن انفسنا او محاسبتنا امام احد ، مادامت افعالنا لا تؤديهم ، كم دمرت ارواح بسبب هذه الحاجة الى التفسير والتي يتوخى منها الفهم للاخرين / دعهم يحكمون ، فالانسان الحر عليه فقط ان يقدم تفسيرات لنفسه اي لعقله وضميره. انه نضال من اجل فن الوجود وتجنب التفاهة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم