الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية الإنسان (7)

محمد بقوح

2019 / 5 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1 – الإنسان المتجاوَز: يرى نيتشه، حسب كارل جيسبيرس1، أن الإنسان في جوهره لابد أن يكون قابلا للتجاوز، وإلا سيصبح أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان، بحكم خضوعه المفرط لقوانين الطبيعة كما كانت في أصلها، وليس بطابعها النسبي المتحول والمتغير، الذي يعتبر هذا الإنسان الحالي إحدى نواتجها ومظاهرها الطبيعية القوية.
هكذا، يحكم نيتشه على حقيقة الإنسان ليس بوضعه الراهن، ولكن بوضعه الذي كما يجب أن يكون في المستقبل، القريب أو البعيد. يعني بوضعه الممكن وليس الكائن. من هنا سميت فلسفة نيتشه لدى بعض دارسيه بالفلسفة المستقبلية، باعتبارها تؤسس لقيم حضارة الغد ولإنسان المستقبل. وبالتالي، فالتفلسف النيتشوي يضع نصب عينيه، حين يتأمل ويفكر ويتفلسف..، ذلك الإنسان النوعي القادر في جميع اللحظات وعبر كل الأمكنة، على التخلي الدائم عن أعطابه الثابتة، والتأقلم الإيجابي مع تطور الطبيعة والعالم المتغير من حوله.
2 – الإنسان المتوحد: الوحدة ليست هي العزلة. بل يمكن القول أن الوحدة مطلوبة للتفكير والتفلسف، أي لتحقيق الإنسان النوعي القوي والممكن القادر على تجاوز التخلف، والتطلع إلى خدمة الحضارة الإنسانية، وأيضا خدمة الإنسان بمعناه الشمولي العميق. وكما سماه نيتشه: الإنسان الأعلى.
لهذا، وجدنا هيدغر2 يؤكد في إحدى نصوصه الفلسفية، عندما ميز بين سلوك الوحدة وسلوك العزلة، باعتباره وضعية الوحدة تمكن صاحبها، في رأيه، من الحوار مع وجود الأشياء، حتى في غياب الأحياء. في المقابل، لن تستطيع وضعية المنعزل إنجاز ذلك، حتى وإن اشتهى ذلك. بل أحيانا لابد أن يصبح هذا المنعزل ضحية سهلة لوضعية انعزاله.
هكذا يتعامل نيتشه مع مسألة الوحدة، باعتبارها سلوك مضاد للانعزال. وبالتالي، يرى فيه مصدرا عمليا لفعل إيجابي، ولطاقة قوة التأمل الفكري والفلسفي العارم.
3 – الإنسان الروحي: من هنا أضاف نيتشه3 الحالة الثالثة لوضعية الوحدة التي يعيشها الإنسان النوعي (الفيلسوف مثلا)، وهو حديثه عن الإنسان الأعلى الذي أورده في العديد من كتاباته الفلسفية، ويعني بتلك الحالة الثالثة: حالة الفيلسوف المنفتح دائما على الممكن والمتغير في إطار الاتساق الإيجابي. فأن تكون إنسانا عند أرسطو حسب نيتشه، لابد أن تكون بين السماء والأرض، يعني، إما أن تكون حيوانا مستجيبا لغريزة الجسد، آنذاك تنحدر إلى وضع الإنسان الأدنى، أو تكون إلها مستجيبا لغريزة الروح، كوضع الإنسان الحديث، لأن أصل الوجود والأشياء هو الجسد، لكن الروح هي التي أضفت على الجسد كينونة الإنسان، ككائن مركب متفوق، توج كينونته الطبيعية بروحه الثقافية الفكرية الفلسفية.
هكذا، يختم نيتشه تفلسفه الفريد والمميز بكون طبيعة الإنسان المضادة هي روحه التي تعني هنا التجلي الروحي والجسدي العملي لإنسانية الإنسان، عكس وضعه الفارغ من الروح الحقيقية وليس الزائفة كالسائدة في المجتمع- أي حين تؤسس وتكرس ثقافة التفاهة من طرف الدولة والمجتمع والفرد على حد سواء- والذي يظل كسلوك منطقي شكلا أجوفا بلا روح، أي بلا معنى يذكر.
_________________________________________________________________

1 – p 129 Gallimard Karl Jaspers . Nietzsche Introduction à sa philosophie
2 – عبد السلام بنعبد العالي، الفلسفة أداة للحوار، ص 10 ، دار توبقال للنشر
3- نيتشه، أفول الأصنام، ترجمة حسان بورقية- محمد الناجي، ص 7، أفريقيا الشرق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض