الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسئ ورمضان

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2019 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النسئ ورمضان

قال الله عز وجل : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. سورة التوبة .

وكذلك قال سبحانه وتعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . سورة يونس

قال‌ أبو معشر البلخي في‌ كتاب‌ الألوف : وأمّا العرب‌ في‌الجاهليّة‌ فكانوا يستعملون‌ سني‌ّ القمريّة‌ برؤية‌ الاهلّة‌ كما يفعله‌ أهل‌ الإسلام‌ وكانوا يحجّون‌ في‌ العاشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ وكان‌ لا يقع‌ هذا الوقت‌ في‌ فصل‌ واحد من‌ فصول‌ السنة‌ ، بل‌ يختلف‌ فمرّة‌ يقع‌ في‌ زمان‌ الصيف‌ ومرّة‌ في‌ زمان‌ الشتاء، ومرّة‌ في‌الفصلين‌ الباقيين‌ لما يقع‌ بين‌ سني‌ّ الشمس‌ والقمر من‌ التفاصيل‌ .

فأرادوا أن‌ يكون‌ وقت‌ حجّهم‌ موافقاً لأوقات‌ تجاراتهم‌ ، وأن‌ يكون‌ الجو معتدلاً في‌ الحرّ والبرد ومع‌ توريق‌ الاشجار ونبات‌ الكلأ لتسهل‌ عليهم‌ المسافرة‌ إلي‌ مكّة‌ ويتّجروا بها مع‌ قضاء مناسكهم‌ ، فتعلّموا عمل‌ الكبيسة‌ من‌ اليهود وسمّوه‌ النسي‌ء أي‌ : التأخير إلاّ أنـّهم‌ خالفوا اليهود في‌ بعض‌ أعمالهم‌ ، لانّ اليهود كانوا يكبسون‌ تسع‌ عشرة‌ سنة‌ قمريّة‌ بسبعة‌ أشهر قمريّة‌ حتّي‌ تصير تسع‌ عشرة‌ شمسيّة‌ والعرب‌ تكبس‌ أربعاً وعشرين‌ سنة‌ قمريّة‌ باثني‌ عشر شهراً قمريّة‌ .

واختاروا لهذا الأمر رجلاً من‌ بني‌ كنانة‌ ، وكان‌ يدعي‌ : القَلَمَّس‌ وأولاده‌ القائمون‌ بهذا الشأن‌ تدعي‌ : القلامسة‌ ، ويسمّون‌ أيضاً : النَّسَأَة‌ و القَلَمَّس‌ هو البحر الغزير وآخر من‌ تولّي‌ ذلك‌ من‌ أولاده‌ : أبو ثمامة‌ جُنادة‌ بن‌ عَوْف‌ .

وكان‌ القَلَمَّس‌ يقوم‌ خطيباً في‌ الموسم‌ عند انقضاء الحج بعرفات‌ ويبتدي‌ عند وقوع‌ الحج في‌ ذي‌ الحجّة‌ فينسي‌ المحرّم‌ ولا يعدّه‌ في‌ الشهور الاثني‌ عشر ، ويجعل‌ أوّل‌ شهور السنة‌ صفر فيصير المحرّم‌ آخر شهر ويقوم‌ مقام‌ ذي‌ الحجّة‌ ويحجّ فيه‌ الناس‌ فيكون‌ الحجّ في‌ هذا العام مرّتين‌ .

ثمّ يقوم‌ خطيباً في‌ الموسم‌ في‌ السنة‌ الثالثة‌ عند انقضاء الحجّ وينسيئ صفر الذي‌ جعله‌ أوّل‌ الشهور للسنتين‌ الاُوليين‌ ، ويجعل‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ أوّل‌ شهور السنة‌ الثالثة‌ والرابعة‌ حتّي‌ يقع‌ الحجّ في هاتين السنتين في‌ صفر الذي‌ هو آخر شهور هاتين‌ السنتين‌ ، ثمّ لا يزال‌ هذا دأبه‌ في‌ كلّ سنتين‌ حتّي‌ يعود الدور إلي‌ الحال‌ الاُولي‌ . وكانوا يعدّون‌ كلّ سنتين‌ (( خمسة‌ وعشرين‌ شهراً )) .

الحقيقة أن شهر النسئ يلتبس مفهومه على الكثيرين حتى يومنا هذا خاصة مع تضارب واختلاف الروايات المنقولة عن طبيعة هذا الأمر ، وان كان الفهم والتطبيق الخاطئين لآية النسئ هو ما تسبب في اشكاليات كثيرة لازلنا نعاني منها فالنسئ نوعان او مفهومان بل هو ممارستان :

فالصورة الأولى : حيث كانت العرب اذا أرادت الحرب في عام ما يحلون الحرب في محرم ويحرمونها في صفر من هذا العام ، فكانوا يحلونه عامآ ويحرمونه عامآ ليواطؤوا عدة ما حرم الله من الأشهر الحرم ، وكان القلمس وهو الشخص المنوط به الحساب الفلكي لأشهر السنة وكان مقيمآ عند الكعبة تجتمع عنده القبائل العربية خاصة بعد انتهائها من الحج للتلاعب بالأشهر الحرام واعلان النسئ .

وفي تفسيرات أخرى أقل اتساقآ مع منطوق الآية وان كانت تبرهن على غموضية وعدم اتضاح المفهوم من النسئ نظرآ لبعد المسافة الزمنية بين بدء تدوين التفاسير والغاء تطببق النسئ ، حيث تجنح هذه التفسيرات الى أن النسئ يعني انه كانت العرب تحلل الحرب في محرم وصفر من عام ما وتعوض ذلك بتحريم الحرب في ربيع الاول من نفس العام ، او كانت تحلل الحرب في محرم وصفر من عام وتحرمها في محرم وصفر من العام المقبل وهذا التلاعب هو ما نهى الله عنه .

أما الصورة الثانية للنسئ : فهي شهر النسئ ، وهو شهر كانت تضعه ولازالت بعض الثقافات التي تتبع الاشهر القمرية تقوم به الى يومنا هذا، وذلك لموازنة الفارق بين السنة القمرية والشمسية والذي يبلغ 11 يومآ في السنة ، حيث كانت العرب كغيرها من الحضارات تضيف شهرآ واحدآ كل 32 شهر قمري حتى تتناسب السنة القمرية مع الفصول المناخية ومواسم الزراعة والحصاد وتتناسب معها أسماء الشهور مع الفصول فلا يأتي مثلآ شهر ربيع اول اول ثاني في وسط الصيف او الشتاء وهكذا كما يحدث اليوم .

وعليه وبتطبيق هذا الشهر النسئ يكون شهر رمضان ثابتآ في حلوله في بداية شهر سبتمبر حيث يتساوى فيه طول الليل والنهار في مختلف أنحاء الأرض تقريبآ وهنا تكمن العدالة الالهية في ساعات الصوم بين مختلف شعوب الارض طيلة حياة الانسان فلا نجد كما يحدث اليوم ان هناك شعوب تضطر للصوم عشرين ساعة في اليوم وشعوب اخرى لا تصوم اكثر من ثماني ساعات .

وحتى اذا افترضنا جدلآ أن التحريم الرباني للنسئ ينسحب كذلك على شهر النسئ ، فان هذا التحريم يخص طريقة التلاعب بوضعية هذا الشهر وترتيبه ، أي الممارسة وليس كمفهوم .

وعلى كل وأيآ كان الحال فمن الواضح أن العرب قديمآ كانت أمة لا تقرأ ولا تكتب وكانت تعتمد على شخص معين يقوم بتحديد شهر النسئ ويخضع لأهواء القبائل وأصحاب النفوذ في وضع وترتيب شهر النسئ (وهي بالطبع أمور لم يعد لها محل من الاعراب والوجود الآن بالاضافة لوجود الأقمار الصناعية والأجهزة والبرامج الحديثة ) .

وبما أن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرآ فمنعآ للتداخلات وتوتر الأمور ومنعآ للاشكاليات ودحرآ للأهواء من هذه الزاوية وتحقيقآ أيضآ لقوله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . فكان ولا يزال يمكن الاستعاضة عن شهر النسئ بزيادة 11 يومآ على مختلف أشهر السنة القمرية لتتوافق مع فصول السنة ويسهل استخدامها والاعتماد عليها كما أراد الله في سنة كونه .

مثلما حدث في ثقافات وتقويمات أخرى كالتقويم الميلادي الذي خضع لتعديلات عبر العصور كتعديلات القيصر جوليان ثم التعديلات الجريجورية (نسبة للبابا جريجوريوس الثالث عشر في القرن السادس عشر ) ثم تعديلات أخرى لاحقة، كل ذلك ليتناسق التقويم الشمسي أو الميلادي مع الفصول المناخية ومواقيت الزراعة والحصاد والأعياد المعروفة كعيد الفصح .

وهو الأمر المطلوب تحقيقه كذلك مع الأشهر القمرية حتى يكون شهر رمضان بالفعل شهر رحمة وعمل وانتاج وليس خمول ودعة وارهاق ذلك لمن أراد الصيام وأن تتناسب الشهور القمرية مع وظيفتها ومسمياتها ليمكن فعلا الاعتماد عليها والاعتداد بها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب