الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهر رمضان...كيف تحول الصيام إلى طابو مقدس؟

مصطفى انصالي
(Inssali Mustapha)

2019 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المعلوم في الدين بالضرورة أن الإسلام دين يبنى على أركانه الخمس : شهادة فصلاة وزكاة ثم صوم فحج، خمسة أعمدة يستند عليها هذا البنيان ويشيد من خلالها المسلم دينه وعلاقته بربه. وبما أن كل بناء يحتاج إلى أساس متين يقام عليه والذي بدونه سينهار، فإن المسلمين يعتقدون بأن هذا الأساس هو ركن الصلاة والتي في عرفهم هي عماد الدين وفضلا عن ذلك هي أول ما يسألون عنه يوم القيامة فإن صلحت صلحت سائر أعمالهم وإن فسدت فسدت أيضا سائر أعمالهم، لكن ورغم الأهمية الكبيرة التي أولاها الدين لشعيرة الصلاة فإن عدم أدائها لا ينفي عنك صفة مسلم، فعامة المسلمين لا يستنكرون عدم إقبال أبنائهم وأصدقائهم على طقس الصلاة، بل هناك أسر بأكملها لا تستشعر أدنى حرج في عدم ممارستها لهذا الطقس ولا ترى في ذلك مسا بكونهم مسلمين. فصفة المسلم ثابتة بالصلاة أو بدونها وهذا ما تؤكده حتى فتاوى فقهاء عصرنا الذين تخلو في شق كبير منهم عن تكفير تارك الصلاة ليصبح مجرد مسلم عاص. نحن متسامحون إذن مع من لا يقيم الصلاة، وعندما يطرح علينا السؤال: هل تصلي ؟ نجيب بدون حرج بالنفي، نقول لا بدون خوف.
هذه "اللا" التي تصدر عنا بخصوص الصلاة تصبح نافية لك ولدينك ولهويتك عندما يتعلق الأمر بشعيرة الصيام. فأن تصلي أولا تصلي هذا شأنك الخاص، لكن أن تصوم أو لا تصوم ليس شأنا خاصا بك، لقد تحول الصيام إلى شأن عام فيه الكثير بينك وبين الناس والقليل بينك وبين الله، صار طقسا الاجتماعي فيه يفوق الديني بكثير، فعدم صومك ليس في الحقيقة خروجا عن الدين بل هو في عمقه اقصاء من/وخروج عن مجتمع.
الصلاة إذن لا تلغي اسلامك لكن الصيام يفعل، وما يجعله كذلك ليس هو كونه ركنا من أركان الدين -فالصلاة اولى منه بذلك- بل لأنه ركن من أركان المجتمع، فالدولة لا تعاقبنا على ترك الصلاة لكن بإمكانها أن تعاقبك على ترك الصيام.
هذه الهالة التي يضفيها المجتمع على صوم رمضان والذي تزكيه الدولة بقوانينها هو بالضبط أحد اهم الأسباب التي تسموا بهذه الشعيرة لكي تصبح طقسا مقدسا يفوق بكثير باقي الشعائر الدينية الأخرى، وليس قصدي من وراء ذالك أن الصيام يكون بإكراه وقوة القوانين، فلطالما أثار استغرابي إصرار جدتي على مخالفة نصائح الطبيب الذي يحذرها من خطر الصيام في رمضان لكنها دوما تضرب بنصائح الطبيب عرض الحائط وتجسد الطقس تاركة أمر صحتها بيد الله. كما لن انسى أيضا ذلك الإصرار الكبير الذي شاهدته من تلاميذ السنة الثانية باكالوريا وهم يقبلون على اجتياز امتحان سيحدد جزءا كبيرا من مستقبلهم رافضين أن يكون الامتحان عائقا يجعلهم يحرمون أنفسهم من لذة تجسيد شعيرة الصوم ، بل وحتى بعض الأصدقاء الذين يوحي خطابهم بأنهم لا دينيين تجدهم بدورهم قد انصاعوا طواعية منهم للخضوع لهاته الهالة الغريبة التي يفرضها عليم شهر رمضان منصهرين بذلك في روح عرقهم ومجتمعهم ومبررين خضوعهم هذا بمبررات واهية لا تقنع حتى ضعاف العقول درءا للتناقض الحاصل بين أقوالهم وأفعالهم . أما القلة القليلة التي تتجرأ على اقتحام هذا الطقس وعدم تجسيده فهي وإن استطاعت التخلص جزيئا من سلطة المجتمع تجدها عاجزة عن تخلصها من وسواسها القهري الذي يجعلها متوجسة وخائفة من حصول ذلك العقاب الآني الذي يردده على مسامعهم كل الصائمين.
أمثلة وغيرها إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الأساس الذي يبنى عليه الدين هو هذا الصيام الذي يدوم شهرا بأكمله داعيا إيانا إلى الامساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الشمس حتى غروبها، إمساك يحاول المسلم من خلاله أن يقدم صورة عن نفسه كإنسان لم يوجد ليأكل ويشرب ويتزاوج فقط، تقدمه على أساس أنه يرفض أن يكون مجرد جسد بل هو كائن عاقل قادر على عقل غرائزه وشهواته البهيمية، فمن خلال صيامه يعطي المسلم للعالم درسا في صراع الانسان مع طبيعته الداخلية عبر محاولة انتصاره على الجوع والعطش ليعبر بذلك عن قوة ارادة يعترف له بها حتى المخالفون له في الدين والثقافة. لكن المشكل الكبير هو عندما يتحول هذا الطقس من قوة إرادة فردية تحاول القضاء على الوحش الموجود بداخلنا إلى إرادة قوة جماعية تصبح هي نفسها وحشا يخيف كل من حاول أن ينظر إلى الصيام بنظارات غير تلك التي يرتديها مجتمعه. فالدين بشكل عام علاقة ثنائية بين الله والعبد عندما يتدخل فيها المجتمع تصبح كلها طقوس خالية من الروح فيخسر المسلم بذلك لا جسده فقط بل وروحه أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي