الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواصفات المترجم

صاحب الربيعي

2006 / 5 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا كان الركن الأساس في الترجمة يتطلب إتقان اللغات فإن الأركان الأخرى منها لاتقل أهمية، فهي تخص المترجم ذاته باعتباره العنصر الأساس في الترجمة. لذا يجب أن يكون المترجم مثقفاً، ثقافة عالية تمنحه القدرة على التعليق على الآراء والأفكار وضبط التواريخ وتصحيح المغالطات التي قد يقع بها المؤلف أو يسعى لدسها بغرض تشويه حضارة أو ثقافة شعب ما لعلاء شأن حضارته وثقافته لغاية في نفس يعقوب، وهذا ما يمكن لمسه في أغلب كتب الاستشراق تحديداً.
وإذا افتقد المترجم لهذه الملكة في إبداء رأيه بالتعليق في الهوامش والتدقيق فإنه يساهم بشكل غير مباشر في ترسيخ أفكار وآراء ومغالطات المؤلف، ويستلم لدوافعه وأغراضه في التأليف والدس. كما يتوجب على المترجم أن يمتلك قدراً من الأحاسيس والمشاعر وحس موسيقي ولايقتصر دوره على إحلال كلمة أجنبية مكان أخرى في لغته، وأنما نقل مدلولها الحسي والعاطفي لتكون معبرة تعبيراً صادقاً عن أحاسيس ومشاعر المؤلف ذاته خاصة في الشعر الذي يجسد المشاعر والأحاسيس في مضامينه ويتبع السلالم الموسيقية لإثارة العاطفة والمشاعر، فما قيمة الشعر المترجم، ترجمة حرفية دون موسيقاه المثيرة للعاطفة.
المفردات الشعرية ليست مجرد كلمات جامدة تعبر عن معنى ما وأنما هي فن قراءة محتواها الموسيقي وتغيره عند ارتباطها مع مفردة لغوية أخرى، فعملية ارتباطها يغير من نغمتها الموسيقية ويجعل السلم الموسيقي للشعر متناسقاً يعكس مشاعر وأحاسيس الشاعر لإثارة عاطفة الأخر.
يعتقد ((عبد المسيح وزير))"أن المترجم كالشاعر والأديب والمصور والموسيقي والفيلسوف والرياضي والمهندس مخلقوه قابليته معه لا مختلفه. هذا فضلاً عما تقتضيه صناعته من الإطلاع الواسع والعلم الغزير بلغته، واللغة التي ينقل منها أو إليها. والمترجم الحقيقي فيه ذوق الفنان ودقة الرياضي وإطلاع المؤلف وليس كل من نقل نبذة أو كتاباً من لغة إلى أخرى عدًّ مترجماً. بل المترجم هو الراز الفرد والمهندس النابغة، راز اللغة التي ينقل إليها ومهندس صرح الأفكار التي يصبها في قوالب الكلام".
إذا كان المؤلف منتجا لثقافة جديدة ومعرفة معاصرة فإن المترجم يعيد إنتاج هذه الثقافة والمعرفة بلغة مغايرة تتطلب إعادة صياغة الرؤى والأفكار لتكون صالحة للتداول بلغة ثانية. وهذا الأمر لايتطلب الدقة والأمانة المهنية حسب، بل القدرة على إنتاج هذه الثقافة وتعريفها بماركة وطنية جديدة باعتبارها ذوق ومشاعر وأحاسيس المستهلك الثقافي الجديد المطلع على الماركة الأصلية للمنتج الثقافي ومواصفاته.
وحين تكون المواصفات الوطنية (للترجمة) مغايرة للمواصفات الأصلية أو غير مطابقة لأنماط الذوق والحس الاجتماعي في السوق الجديد، يرفضها المستهلك الثقافي. ويتحمل المترجم المسؤولية الكاملة عن بضاعته المترجمة، ذات المواصفات الرديئة والمتعارضة مع ذوق ومشاعر المستهلك.
عليه فإن المترجم، هو مؤلف جديد لمادة مؤلفة ومنتجة في الأصل بلغة مغايرة ومستهلكين مختلفين. وبهذا فإنه لايتحمل المسؤولية المهنية عن الترجمة حسب، بل المسؤولية الكاملة عن إعادة التأليف، فالمؤلف الأصلي مسؤول فقط عن منتجه الثقافي أمام المجتمع، لكن المترجم مسؤول عن الترجمة وإعادة التأليف.
يرى ((طه حسن))"أن المترجم (الناقل) مُلزم أن يكون ذو قدرة وكفاءة يستطيع من خلالها أن يقوم مقام المؤلف، فيشعر بقلبه ويحس بحسه. ويرى الأشياء بتلك العين التي رأى بها المؤلف، ويصفها بذات اللسان الذي وصفها. ولابد أن يشعر المترجم بما شعر به المؤلف، وأن تأخذ حواسه مكانه إن صح التعبير. وإن يحاول الأعراب عن هذه الصورة، والإفصاح عن دقائقها وخفاياها بأشد الألفاظ تمثيلاً لها وأوضحها دلالة عليها".
ويتعين النظر إلى ركن أخر مهم في مواصفات المترجم، بأنه مدقق وناقد يعكس ثقافته الذاتية ومدى سعة مكتسباته المعرفية في المنتج المترجم الجديد ليقدم للمستهلك الثقافي قدراً أكبر من المعرفة. ويمكن اعتبار الترجمة ومساهمات المترجم المهنية والتقنية والمعرفية، عمل تشاركي مع المؤلف من خلال إعادة إنتاج مؤلفه بطريقة محسنة وبمواصفات وطنية تجذب المزيد من المستهلكين للثقافة وتضفي على المنتج المترجم ماركة (وطنية-عالمية) تكون صالحة للاستهلاك في مجتمعات متعددة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟