الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم والسلام -الدور الأساسي للنظام التربوي في احلال السلام في سوريا

أمين اسكندر

2019 / 5 / 26
التربية والتعليم والبحث العلمي


التعليم والسلام
الدور الأساسي للنظام التربوي في اعادة بناء السلام في سوريا

تناقش هذه الورقة دور النظام التربوي بما يملكه من أدوات فعالة في التأثير في المجتمع، في عملية اعادة إحلال السلام في سورية. بالإضافة الى دور العملية التعليمية في توطيد عوامل الاستقرار والاندماج في عملية بناء ما خربته الحرب خلال السنوات الماضية. خصوصا إذا عرفنا أن جيلا كاملا من الأطفال السوريين قد ولد وتعلم خارج سوريا.
مقدمة
تعيش سوريا في أزمة مرعبة منذ العام 2011، أزمة لم يشهدها التاريخ الحديث لسوريا، بدأت هذه الأزمة بثورة للمطالبة بتغيير مجمل هياكل الحياة السياسية والاقتصادية المستمرة منذ سبعينات القرن الماضي. تحولت هذه الثورة بفعل عوامل داخلية وخارجية الى حرب، قتلت أكثر من نصف مليون سوري، وشردت داخليا وخارجيا أكثر من عشر ملايين أخرين في أنحاء متفرقة من العالم. لقد أجبرت هذه الحرب أكثر من 7 ملايين سوري الى الهروب باتجاه بلاد الجوار مثل لبنان والعراق وتركيا والأردن، بالإضافة الى أعداد مهمة وصلت الى أوربا والى بقية دول العالم.
لقد تسببت هذه الحرب في واحدة من أكبر حركات اللجوء في التاريخ الحديث للبشرية، ودمرت هذه الحرب الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوري.
بعد ثماني سنوات من الحرب، يتم الحديث عن انتهاء الحرب العسكرية وبداية عملية سلام تنهي حالة الصراع وصولا الى حل سياسي يرضي جميع أطراف الصراع.
من خلال التأثير الذي تملكه المدرسة في المجتمعات المحلية بشكل خاص، يمكن التساؤل كيف يمكن للنظام التربوي أن يساهم في إعادة بناء المجتمع السوري وتحقيق الانسجام والتوافق بين أطيافه خصوصا وأن هذه الحرب قد تركت جروحا عميقة في بنية المجتمع السوري، وبنت حواجز لا يستهان بها بين مكوناته.



دور التربية في تحقيق السلام
حسب مؤشر السلام الإيجابي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي، يؤدي التعليم دورا كبيرا في تحقيق السلام، وهو يستطيع أن يكون جزءا من إعادة البناء بشكل أفضل. كما يمكن للتربية أن تلعب هذا الدور من خلال دعم استقرار الوضع الأمني ودعم تحويل المؤسسات السياسية، بالإضافة الى تجديد البناء الاقتصادي والمساهمة الفعالة في التنمية الأجتماعية.
في الجانب الأخر لابد من الإشارة، من أن للتربية دور في خلق الأزمات خلال مرحلة إعادة السلام، إذا لم يتم تصميم البرامج التعليمية وتنفيذها بالشكل المطلوب، اذ أن إعادة بناء النظام التربوي بعد الحرب من دون الأخذ بعين الاعتبار الأثار التي خلفتها الحرب، وتضمينها في مكونات العملية التعليمية، في المناهج والبيئة المدرسية والأدوات التعليمية، سيجعل العملية التعليمية أحد عوامل إعادة انتاج الصراع العسكري وتحويله الى انقسامات وحروب اجتماعية بعد انتهاء الحرب العسكرية.
ومن أجل أن يساهم النظام التربوي في إعادة بناء السلام والأستقرار، يجب أن يتضمن المفاهيم الأساسية التالية التي يمكن أن تساهم في عملية إرساء السلام وتحقيق الاستقرار:
- يجب أن يساهم النظام التربوي في توفير التعليم وجعله متاح لكل أفراد المجتمع، ويجب أن تعالج التربية مسألة عدم المساواة والأقصاء، وأن توفر فرص التعليم للمجتمعات التي كانت مهمشة خلال الحرب.
- يجب على النظام التربوي أن يساعد في تطوير ودمج الهويات المحلية المكونة للهوية الوطنية، والتعامل مع تركة الصراع والحرب، وأن يساعد على تحسين التماسك الاجتماعي ودفع المجتمعات المحلية نحو المصالحة واحلال السلام.
- يجب أن يساعد النظام التربوي على التقليل من مخاطر العودة الى الصراع مجددا من خلال التدريب على المهارات العملية، فعلى سبيل المثال، فأن المساهمة في تعليم المقاتلين السابقين واعطاءهم المهارات اللازمة للعمل، يقلل من الظلم الاجتماعي ويساهم في ادماجهم مرة أخرى في المجتمع.
- للتربية دور أساسي في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما يساهم في تعزيز الروابط وتقليل التوتر والانقسام داخل المجتمع.
- لبناء السلام يجب أن تكون المدارس بيئات سليمة، خالية من كل أشكال التوتر والتمييز.
- أن للنظام التربوي وظيفة أساسية بالإضافة الى ما ذكر، وهي زراعة الأمل، وأعادة بناء العلاقات بين أفراد المجتمع، علاقات الجوار، العمل، العلاقات التجارية المحلية الخ.
- في النهاية، النظام التربوي ما بعد الحرب والذي يهدف الى السلام يجب أن يكون واضح الأهداف، ذو بنية علمية حقيقية هادفة.

الحالة السورية
في الحقيقة، أن تعقيدات المجتمع السوري لجهة تركيبته الفريدة سواء الدينية أو العرقية ساهمت الى حد كبير في تعقيد الوضع السوري، وإطالة أمد الحرب وزيادة التدخل الإقليمي والدولي في شؤون السوريين.
لقد أسهمت الاختلافات العقائدية والدينية والسياسية ضمن مكونات المجتمع السوري في تحويل الحراك الشعبي من حراك سلمي له مطالب عادلة الى حرب طاحنة أودت بحياة الالاف، ودمرت جزء كبير من البنية التحتية والمجتمعية السورية.
بالإضافة الى تعقيد تركيبة المجتمع السوري، فقد لعب الموقع الاستراتيجي لسوريا دورا سلبيا في تغيير مسار الأحداث، حيث أدى الى تدخل مجموعة من القوى في الوضع السوري، قوى إقليمية كتركيا وإيران وقطر والسعودية، وقوى دولية كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا.
أدى تدخل هذه القوى الى تعقيد الوضع وتحوله في مرحلة لاحقة حرب بين مكونات المجتمع السوري، وأدت الى تعميق الشروخ الاجتماعية بينها. وبكل تأكيد فأن عدم قدرة السوريين على فتح حوار فيما بينهم طوال سني الحرب، يدل على عمق الاختلافات والرؤى حول مستقبل سوريا.
لقد أدت الحرب الى بناء حواجز كثيرة بين مكونات المجتمع السوري، وخلق حالات من الحقد والكراهية وعدم التواصل بين أطرافه.

النظام التربوي السوري قبل الحرب
لم يعمل النظام التربوي الذي كان قائماٌ قبل الحرب على التقليل من حدة التناقضات بين مكونات المجتمع السوري. لقد تخرجت أجيال على مدى عقود لا تؤمن بحرية التعبير ولا احترام الاخر، لقد بني النظام التربوي على الرأي الواحد واللون الواحد. وأدى الإهمال داخل النظام التربوي الى خلق حالة تراكمية من المشاكل والتناقضات ساهمت في حالة الأنفجار الذي أصاب المجتمع السوري.
لقد تقدمت الانجازات الكمية للنظام التربوي على الانجازات النوعية، اذ تمكن النظام التربوي من استقبال خمس ملايين تلميذ قبيل بدء الأزمة، ولكنه في الجانب الاخر لم يعلمهم ثقافة الحوار أو المشاركة، لم يعلمهم أن يعيشوا مع بعض بسلام، لم يتعلم التلاميذ معنى الوطن.
لقد تغلب تعليم الطاعة للنظام الحاكم والولاء له على تعليم قيم الانتماء للوطن، وتغلبت الأهداف السياسية للحزب الحاكم على الأهداف العلمية للنظام التربوي.
أصيبت المدرسة بحالة ركود شاملة استمرت عقود، ساهمت في خلق جيل ذي عقل متحجر لا يقبل النقاش ولا الحوار، وهذا ما جعل النظام التربوي ينتج العديد من عوامل التوتر والصراع في سوريا.
بني النظام التربوي في سوريا على الالقاء والحشو والحفظ والتكرار، من دون اعطاء أي أهمية للمناقشة أو الحوار. لقد أصبح الطالب بنك للمعلومات، يتلقى خلال سني الدراسة كميات كبيرة من المعلومات لا يستفيد منها بشيء في حياته العملية. أنتج هذا النظام مجموعات بشرية غير قادرة على الحوار او النقاش، أو حتى قبول الرأي الاخر، وهذا ما ترك اثرا سلبيا على الحوار بين السوريين وازدياد العنف واستخدامه من أجل حل المشكلة القائمة.
أن النظام التربوي أصبح مطية للنظام الحاكم، لخلق مواطن مطيع، مؤمن بالنظام الحاكم، لا يقبل بأي شكل انتقاده. وخلال سنين طويلة من هذه الممارسات، تبدلت القيم الأساسية للمجتمع السوري، وتحول المجتمع برمته الى جثة هامدة، غير قادر على القيام بأي عملية تجديد أو تغير في بناه الأساسية.
أضف الى ذلك، هناك تركة كبيرة من المشاكل والأزمات بين النظام السياسي وشريحة من الشعب السوري، لم تعالج لا بالوسائل السياسية ولا الوسائل التعليمية التربوية ، مما ضاعف هذه المشاكل وجعلها تخرج على شكل تحريض وعنف عند أول حراك جماهيري ضد السلطة الحاكمة.
أثار الحرب على المجتمع السوري
كما في كل الحروب، لقد تركت الحرب اثار سلبية جسيمة على المجتمع السوري. وخاصة فيما يخص الفئة العمرية التي يجب أن تكون منضوية داخل المنظومة التربوية بين 06-18 سنة، لقد ارتفعت معدلات الزواج المبكر (غالبًا بين الفتيات) داخل هذه الفئة العمرية، في داخل سوريا وخارجها وخاصة في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان وتركيا. انتشرت عمالة الأطفال واستغلالهم في الأعمال القاسية. لقد تم تجنيد أعداد كبيرة من الأطفال في عمليات القتال، وتشير الدلائل إلى أنه حتى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 8 سنوات تم تجنيدهم في جماعات مسلحة. لقد تعرض الأطفال للأعمال الوحشية، بالإضافة الى جعلهم متطرفين دينيا وأيديولوجيا في مناطق سيطرة داعش وجبهة النصرة والجماعات الاسلامية الأخرى.
لقد تم تجنيد أعداد كبيرة من الأطفال على أيدي أطراف الحرب الدائرة، حيث تعرضوا للتعذيب والاغتصاب والإيذاء الجسدي والمعنوي. وتشير الكثير من التقارير الأممية إلى ارتفاع معدلات العنف الجنسي والاستغلال الجسدي للأطفال والاتجار بهم عن طريق شبكات تمتد حتى أوروبا.
لقد فقد الكثير من السوريين محيطهم الأسري والاجتماعي، تشردت الكثير من الأسر السورية، وفقد الكثير منها أبناءهم، فقد أباء وأمهات، وهذا ما ترك أثر سلبي بالغ على حياتهم. الكثير من السوريين تعرض للعنف المسلح، وتناقصت فرص الحصول على التعليم، وازداد الضغط الناجم عن النزوح المطول، كل هذا أدى الى تناقص أسباب الرفاه والتنمية الاجتماعية.
ان انهيار الهياكل المجتمعية وتدني فرص الحصول على الخدمات الأساسية، أدى الى تعرض الأطفال الى سوء المعاملة وضعف الصحة البدنية والعقلية والعاطفية والنفسية. خلال سني الحرب السورية، تعرضت أعداد كبيرة من الأطفال للخطف والاعتقال والتعذيب والايذاء النفسي والجسدي.
في البلدان المجاورة، كلبنان والأردن وتركيا، هناك أكثر من 40٪ من الأطفال اللاجئين غير قادرين على مواصلة تعليمهم، لم يتمكن اللاجئون السوريون من الوصول إلى الجمهور الرسمي في بلدان اللجوء، وقد يعزى ذلك إلى صعوبة التكيف مع المناهج الدراسية في البلدان المجاورة وارتفاع التكاليف المرتبطة بالتعليم. فعلى سبيل المثال، ساهم التمييز والحواجز اللغوية في ارتفاع معدلات التسرب بين اللاجئين السوريين في تركيا. وساهم ارتفاع تكاليف التعليم في لبنان عن العزوف عن الالتحاق بالتعليم.
في داخل سوريا، تآكلت البنية التحتية التعليمية بشدة، تشير التقديرات الرسمية إلى أن مدرسة من بين كل أربع مدارس لم تعد صالحة للاستخدام، لأنها تضررت أو دمرت أو استخدمت إما لإيواء النازحين داخلياً أو تم الاستيلاء عليها من قبل الجماعات المسلحة. في جميع أنحاء سوريا، تأثر تعليم الأطفال بشدة، هناك ما مجموعه 700،000 من الأطفال اللاجئين السوريين في الداخل غير ملتحقين بالمدارس.
لقد تضررت العملية التعليمية بشكل كلي، وأصبحت الصفوف مكتظة بالطلاب، وانعدم الاستثمار في التعليم، وانهار نظام الامتحانات. وفي كثير من المناطق، انتقلت بعض المواجهات العسكرية الى المدارس، فقدت الثقة بين المدرسة والمجتمع، لم تعد المدرسة ذلك المكان الذي يتلقى فيه الاطفال تعليميهم.
بالنتيجة، أثرت هذه الحرب على كل ما يمت للنظام التعليمي بصلة، لقد تآكلت كل بناه الأساسية، جيل بأكمله تلقى التعليم وسط الحرب. نصف أطفال السوريين تلقوا التعليم في بلدان أخرى، بمناهج أخرى، وأحيانا بلغة أخرى. ان هذا يلقي مسؤولية مضاعفة على النظام التربوي وعلى بناه الأساسية من أجل اعادة دمج هؤلاء الأطفال مرة أخرى داخل النظام التربوي.

التعليم واعادة السلام في سوريا
بالنظر الى التأثيرات السلبية للحرب السورية على السوريين وخاصة الأطفال، هناك مهمة كبيرة تنتظر النظام التعليمي التربوي القادم في سوريا.
ان الغاية الاساسية للتربية من أجل السلام هي دعم رغبة الأفراد بالسلام، وفهم العواقب الوخيمة للعنف من خلال تعليم التلاميذ التحليل النقدي لأسباب العنف ومالاته، وبطبيعة الحال أدارة الصراع بوسائل سلمية دون اللجوء الى العنف.
من دون أدنى شك، لا يمكن الحديث عن أي اصلاح في المجال التربوي التعليمي في سوريا، من دون الحديث عن اصلاح سياسي حقيقي، يتناول اصلاح النظام السياسي الحالي بما يتناسب مع المستجدات الحاصلة. ان تغييرا حقيقيا في الواقع السياسي الحالي سيؤدي بكل تأكيد الى المساعدة في اعادة بناء الهياكل التعليمية والاقتصادية والاجتماعية.
إن إعادة بناء النظام التعليمي لا تتعلق فقط بإعادة بناء المدارس وتوظيف المعلمين، إنه يتعلق أيضًا باستخدام فترة ما بعد الصراع لوضع أسس السلام في المستقبل. يجب أن يعيد النظام التعليمي الذي ساهم في ظروف الصراع العنيف "إعادة البناء بشكل أفضل" في أوقات السلم. ان إصلاح قطاع التعليم في سوريا سيساهم بشكل فاعل في التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجتمع ما بعد الصراع، كما سيساهم في التحولات داخل مجتمعات ما بعد الصراع من حيث تغيير المواقف والسلوكيات تجاه العنف والصراع والنظرة للآخر. ان إصلاح النظام التعليمي في سوريا يجب ان يهدف لتطوير المهارات التي تدعم التجديد الاقتصادي وسبل التنمية المستدامة؛ بالإضافة الى تغيير العلاقات الاجتماعية بين الجماعات المتناحرة خلال الحرب، بهدف التعامل مع تركة الصراع، وإشاعة جو الثقة بينها. حيث توجد فرصة لإعادة اختراع المساحات الاجتماعية وتغير طبيعتها التي كانت سائدة قبل الحرب.
في الحقيقة، ان البرامج الموجهة نحو إصلاح قطاع التعليم بعد الحروب تسهم في تحولات اجتماعية أوسع، لا سيما في حالات ما بعد الصراع حيث تنشأ فرص لإعادة إنتاج هياكل اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة.
لكي يساهم التعليم في اعادة الاعمار في سوريا، يجب أن يكون بمتناول الجميع ويجب أن يكون ميسور التكاليف، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي أنتجتها سنوات الحرب.
ان نوعية التعليم تلعب دورا كبيرا، فالتعليم الذي لا يقدم المهارات اللازمة من أجل سوق العمل واعادة الاعمار، يزيد من خطر عودة الصراع مما قد يؤدي إلى عودة العنف أو فقدان الحكومة لشرعيتها.
تعد البيئة المدرسية أحد عوامل اشاعة السلام بين التلاميذ، يجب أن تكون المدارس بيئة سلمية لتحقيق أقصى قدر من النتائج التعليمية. تعد المدارس السليمة البيئة مفيدة بشكل لا لبس فيه للتعليم وللأطفال وللبناء (اليونسكو، 2011). يمكن للمدارس ذات البيئة الامنة أن تخفف من التأثير النفسي للنزاع المسلح من خلال تقديم الأمان الذي يحتاجه الأطفال السوريين.
على النظام التربوي في سوريا أن يكون قادر على استيعاب الفئات التي عانت من الاستبعاد خلال سني الحرب، مثل الأطفال الصغار والفتيات والمراهقين والأطفال المعوقين واللاجئين والمشردين. وهنا يجب أن يكون التعليم حساسًا لتراث الماضي، حساسًا للنزاع، وأن يراعي الفوارق بين الجنسين، وأن يكون مناسبًا ثقافيًا، وأن يكون منفتحا اجتماعيًا وعاطفيًا.
تبدو المناهج المدرسية كأحد أهم أدوات النظام التعليمي، وبالتالي فان المناهج المدرسية وتصميمها ومضمونها يلعب دورا كبيرا في عملية تعزيز الثقة بين أفراد المجتمع، بما يتضمنه من محتوى. يجب أن يوضع المنهج التعليمي الجديد في سوريا بطريقة تراعي التظلمات التي حصلت خلال النزاع، يجب أن تدافع المناهج عن قيم التسامح والمساواة.
يجب مراجعة الكتب المدرسية، لحذف كل ماله علاقة بعوامل نشوء النزاع، ازالة الصور النمطية المتعلقة بالسياسية، بالتاريخ أو بالدين. ووضع صور أخرى تحترم التنوع الموجود داخل المجتمع السوري، وتحض على السلام. وفي هذا الصدد لا بد من التأكيد على تغيير مناهج التاريخ، والتربية الوطنية والدين لما تتضمنه من أحداث، يمكن عرضها بطريقة تحث الطلاب على التفكير في هذه الاحداث، والتركيز على ما يجمع لا على ما يقسم.
يجب التركيز على الأطفال الصغار الذين سيدخلون المدرسة للتو، تعليميهم أن يعيشوا بسلام، تعليمهم ثقافة التنوع الديني والاثني والعرقي واللغوي الغنية في سوريا، لا بل والاحتفاء بذلك التنوع. يمكن للتدخلات التي تعزز التفاعل من طفل إلى طفل أن تساعد الأطفال على تطوير مهارات سلوكية إيجابية في هذا الجانب، بما في ذلك العمل الجماعي والتعاون وتنظيم العواطف وإظهار التقدير للتنوع ومعالجة المعلومات المعقدة. هذه المهارات مهمة للتفاعل السلمي وتقليل الاعتماد على العنف لحل النزاع. ان تدخلات الطفولة المبكرة تعمل على تحسين النتائج التعليمية والأداء النفسي وتقليل السلوك العنيف لدى الأطفال.
وبطبيعة الحال يتناقص تأثير المناهج إذا وجدت في وسط تعليمي يحض على العنف، لذلك لا يمكن الفصل بين أي من عناصر العملية التعليمية. البيئة المدرسية يجب ان تكون بيئة تعزز قيم التسامح والمساواة، غير عنيفة، وهنا يجب الحد من العقوبة البدنية للطلاب.
خاتمة
لم يعمل النظام التربوي في سوريا على ارساء ثقافة الحوار وتغليب لغة العقل لدى التلاميذ قبل الأزمة، وبالتالي كان هذا النظام شريكا في أنتاج الكثير من أسباب الأزمة السورية الحالية.
يمكن للنظام التربوي، وهو أمام فرصة تاريخية اليوم أن يلعب دورا اساسيا في أعادة أعمار ما هدمته الحرب، لما له من تأثير على المجتمع وقربه من مفاصل الحياة الأساسية للمجتمع. النظام التعليمي قادر على انجاز دور ريادي في أعادة أعمار سوريا، وارساء السلام والمساعدة في عملية الانتقال السياسية فيما لو بني بشكل سليم، وبأن يأخذ بعين الأعتبار كل التناقضات والشروخ التي حصلت خلال سني الأزمة، وأن يبني عوامل اللقاء المبني على التنوع الثري للمجتمع السوري.
لابد من التأكيد على ان استمرار استخدام العنف عن طريق استمرار البنى الحالية للنظام السياسي سيؤدي الى زيادة إنفاق الأموال على قضايا الأمن، وتحويل هذه الأموال عن التعليم والصحة والقضايا الانمائية، وبالتالي استمرار الصراع بطرق أخرى والتأسيس لصراعات جديدة في المستقبل. لكي يؤدي التعليم الى السلام في سوريا، يجب أن يدعم بعمليات التحول المتعلقة بالأمن والمؤسسات السياسية والاقتصادية والتنمية الاجتماعية.


الدكتور أمين اسكندر
دكتوراه في المناهج وأصول التدريس
جامعة باريس السابعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الرياض، الرئيس ماكرون يوقع -شراكة استراتيجية- مع ولي العه


.. تهديدات ترامب للعالم.. واقعية أم تفاوضية؟ | #بزنس_مع_لبنى




.. العميد إلياس حنا يحلل الكمين الثاني لكتائب القسام بحي الجنين


.. قوات الاحتلال تهدم أربعة منازل في بلدة نحالين غرب المدينة




.. مشاهد جوية لغرق قرى بونديشيري الهندية إثر إعصار فنجال