الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشابك الأختلافات في الشمال السوري

علوان نمر

2019 / 5 / 28
القضية الكردية


تشابك الاختلافات في الشمال السوري

في الذكرى السنوية الثانية للتنديد بالقصف التركي على مواقعَ كردية في سفح جبل كراتشوك 25 أبريل 2017. التقينا صدفةً بقائد ميداني بارز لقوات سورية الديمقراطية (قسد) رفض الكشف عن أسمه. سألناه عن مآلات الوضع في الشمال والشمال الشرقي من سوريا ومصير التحالفات الراهنة لاسيما بعد إعلان الانتصار على داعش والسيطرة على آخر معاقله في الباغوز (شرقي الفرات). انتظر برهةً وعيناه اللامعتان تبحثان بين الجمع الغفير عن وجوه غيبتها قسراً القصف التركي الذي استهدف قيادات من الصف الأول من رفاقه كانت تجمعه بهم سنوات متراكمة من النضال نحو هدف وغاية مشتركة قوامها العدالة والحرية للشعب الكردي. ثم دمدم بصوت يكسوه الكثير من الألم إن الذين استشهدوا هنا كان جل همهم العيش بحرية وكرامة على أرض أسلافهم المسمى (مزوبوتاميا) لذا الأنظمة في تركيا وإيران وسوريا والعراق تحارب الأكراد على الدوام مع أننا لا نضمر الشر لشعوبهم. وتابع أعلم إننا مقسمون جغرافياً في الدول السابقة نتيجة اتفاقيات دولية مجحفة وظالمة بحق الشعب الكردي برمته. ولكننا أصحاب حقوق مشروعة تثبتها التاريخ والجغرافيا. صمت القيادي قليلاً ثم أخرج من جيبه محفظة جلدية مهترئة بداخلها سكين صغير معكوف، مزين بتراتيل دينية قال إنها تعود لمقاتل داعشي آسيوي تم أسره في معارك تحرير الرقة عاصمة الخلافة المزعومة اعترف لاحقاُ بأنه كان يقطع بها آذان المقاتلين ويجمعها في علبة مليئة بماء مملحة لتصبح عددها عشرة فينال مرتبة الأمير وبهذا يحمي الأمة الإسلامية من رجس الملاحدة الأكراد ومن والاهم ويجلب للأمة الاسلامية السلام والطمأنينة (حسب زعم المقاتل الدعشي) ثم رمقني بعد ان همّ بالدخول إلى سيارته ليغادر وقال بصوت منخفض إننا نعلم أنه لا روسيا ولا أمريكا تكنان الود لنا ولكنها لغة المصالح التي نحاول جاهدين الاستثمار فيها وفق رؤية ومصلحة شعبنا والشعوب القاطنة معنا على مبدا العيش المشترك والحقوق المتساوية.
كل ما قاله لي ذاك المقاتل الكردي تنم عن قناعة راسخة لديه بوجود إشكالية معقدة تلف مجمل الوضع في الشمال السوري عبر التحالفات والتموضعات الآنية والمختلفة التي رافقت سنين الأزمة السورية فالجغرافيا التي باتت تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية والتي تتمثل بوحدات حماية الشعب والمرأة الكردية وقوات عشائرية من المكون العربي والسرياني وأخرى من الإيزيديين والأرمن. والمتداخلة من حيث الخليط الفسيفسائي من المكونات والقوميات والمترامية على حدود تركيا والعراق، أصبحت المربع المصغر من كلّية الأزمة السورية المعقدة والمتشابكة وتحمل في طياتها وابل من المخاوف والهواجس لدى الدول الإقليمية والدولية المنخرطة في المحرقة السورية بآمال وأجندات متباينة
الدور التركي أصبح مباشراُ بعد أن كان عبر وسطائه بالوكالة (الفصائل المنطوية تحت راية المعارضة السوري والمتمثلة بالائتلاف السوري المعارض) مترافقاً مع فتح الحدود على مصراعيها وتقديم الدعم العسكري واللوجستي لتلك الفصائل. فالتوغل التركي كان بذريعة قطع الطريق أمام الوحدات الكردية من الوصول إلى البحرالأبيض المتوسط ومنع قيام كيان كردي مرتبط بحزب العمال الكردستاني المندرج على لوائح الأرهاب على حدودها (حسب التصريحات الرسمية للقيادة التركية)، وتم التدخل عبر عمليتي درع الفرات في جرابلس ومحيطها تلتها اجتياح عفرين لاحقاً تحت مسمى عملية غصن الزيتون في يناير 2018.تم كل ذلك بالتنسيق مع روسيا وإيران وصمت مطبق من النظام السوري عقب مشاورات مكوكية أثمرت عن خروج فصائل الجيش الحر المسلحة من ريف دمشق متمثلة بدوما وحرستا وضواحيها وحلب (العاصمة الصناعية لسوريا).
مما لاشك فيه أن مجمل تلك التفاهمات التي حصلت جرت دون المساس بمصالح التحالف الأمريكي الغربي في شرقي الفرات ضاربةً بعرض الحائط الحالة الإنسانية الصعبة للشعب السوري برمته والتي تسببت في موجات نزوح هائلة مترافقة مع تغير ديمغرافي ممنهج للكثير من المدن والمناطق خدمة لأجندات تلك القوى متقاسمين ثروات السوريين وجغرافيتها من أقصاه إلى أقصاه. حتما ًالحلول النهائية مازالت غائبة إذ لاتوجد توافق بالرؤى في أغلبية المشاكل العالقة بينهم على الجسد السوري المتهالك وسعيهم الدؤوب لدمير أكبر قدر ممكن من مؤسساته الصناعية والخدمية بمساعدة جلية من شرائح لابأس بها من الفصائل المحلية المتناحرة.
التدخل الروسي وإن تأخر كثيراً لكنه كان بيضة القبان الذي أمال الكفة لصالح النظام السوري في كثير من المحافظات التي كانت خارجة عن سلطة الدولة والجيش وأصبح لروسيا اليد العليا في أي تسوية للأزمة السورية االمتداخلة في شقيها السياسي والعسكري وكان لها الفضل في ترويض الاندفاع التركي الجامح وإخضاعها خاصة بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية ومقتل طيارها على يد الفصائل المدعومة تركياً. الاعتذار التركي عن الواقعة استثمرتها روسيا بأحسن حال وجعلت منها بوابة لتوسيع الشرخ الحاصل في صميم العلاقة بين تركيا وأمريكا على خلفية الدعم الأمريكي للوحدات الكردية في الحرب على داعش. كما أكدت روسيا مراراً رفضها بقاء أي شبر من الأراضي السورية خارجة عن سلطة النظام السوري في دمشق في تهديد مبطن لكل من تركيا وأمريكا وحلفائها على الأرض وكل هذا البروبوغندا الإعلامية لروسيا كانت مترافقة مع الانتصارات التي حققتها آلة القتل السورية والميليشات الطائفية المرافقة على كلٍ من داعش والفصائل المسلحة سواء كان ذلك عسكرياً أم عبر مصالحات أعادت لموسساتها العسكرية والخدمية الانتشار في شتى المحافظات وإن كان هشاً وشكلياً.
كل هذه السيناريوهات قد مهدت الطريق واسعاً للنظام الإيراني الذي يملك في رصيده الكثير من الانتهاكات بحق معارضيه وبحكم الخبرة شارك في المقصلة السورية وكان سباقاً في قمع الثورة في بداية بلورتها وعمل على بث روح التشّيع لدى شرائح واسعة من السوريين من خلال ضخ كميات هائلة من الأموال مترافقة مع التجييش الإعلامي الموجه مستغلاً هشاشة الوضع الأمني في أماكن سيطرة ميلشياتها والحالة الاقتصادية الرثة للكثير من السكان. وحاولت بذلك فرض أجندتها وأوراقها التي وإن لم تكن رابحة فهي مقلقة بكل الأحوال لكل من الأطراف المتداخلة في المستنقع السوري إضافة إلى إسرائيل حيث العداء التاريخي. وهي بذلك تسعى لتقوية نفوذها في العمق العربي ونقل المعركة من أبواب طهران إلى أطراف القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة وكذلك حدود إسرائيل انطلاقاً من العراق التي تؤوي كماً هائلاً من الميلشيات الطائفية الموالية لها مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان حيث الاحتكاك المباشرمعها عبر كتائب حزب الله اللبنانية.
ليس هذا فحسب بل تسطيع أن تؤرق بال الأمريكيين الموجودين بكثرة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتتشابك بهذا أجنداتها مع هواجس الخوف لدى النظامين التركي والسوري في صميم الملف الكردي وتتلاقى مصالحها ضد الكيان الكردي الوليد والمتخم بالكثير من الثروات الباطنية والموقع الجيواستراتيجي المهم في المثلث الحدوي الغني أيضا بالموارد الطبيعية والمياه العذبة. وهي ذات الدول أضافة إلى العراق التي أبرمت في ما مضى أتفاقية أضنة الشهيرة لمجابهة الجموح الكردي وطموحه.
مع أقتراب المآساة السورية من وضع آوزارها إزداد المشهد في الشمال الشرقي من سوريا حبكة و تعقيداً وأختلافاً في الرؤى وبات وضع الرتوش النهائية للتسوية يلفها الكثير من الغموض .
أمريكا باتت تتحرك على أكثر من جهة لإزالة أسباب الصراع وتجفيف المخاوف على الصعيدين التركي والكردي على اختلاف توجهاتهم ورؤاهم للحل النهائي فامريكا هي الوحيدة القادرة و المعنية بصياغة حل يرضي الطرفين مع الأخذ بعين الأعتبار الحفاظ على المصالح الأوربية والخليجية في منطقة يقطنها الكثير من العشائر السنية المرتبطة تاريخياً بدول الخليج العربي والحفاظ على الأقليات المسيحية عبر أشراكهم جميعاً في العملية السياسية. وما الزيارات التي قامت بها وفود أوربية وخليجية إلى تلك المناطق إلا تأكيداً على ما سبق.
الجميع بات يعي بإن كل الحلول ستكون مرفوضة في الشمال الشرقي من سوريا مالم تراعي العنصر الكردي وكيانه القائم بمشاركة حقيقة من سكانها. والذي حافظ في هيكليته على فسيفسائية الطوائف والقوميات المنتشرة على جغرافيتها. بالتوازي مع عدم إقصاء أحد ودمجهم في العملية السياسية و البناء على ماتم الوصول إليه من هيكلية لإدارة ذاتية قوامها الحق في العيش بحرية وعدالة يعبر عنها دستور مدني يرتقي إلى حجم التضحيات التي قدمتها خيرة أبناء المنطقة في حربهم ضد الأرهاب. مترافقة بإزالة وتبديد شتى المخاوف الأمنية للدول الإقليمية والدولية ذات الصلة. دون المساس بالحقوق الشرعية لشعوب المنطقة التواقة للحرية ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذيرات أممية من حظر إسرائيل وكالة الأونروا.. ما التفاصيل؟


.. الأمم المتحدة: نصف مليون لبناني وسوري عبروا الحدود نحو سوريا




.. مستوطنون حريديم يتظاهرون أمام مقر التجنيد قرب -تل أبيب- رفضا


.. مسؤولة الاتصال في اليونيسف بغزة: المستشفيات تعاني في رعاية ا




.. الأمم المتحدة: أكثر من مليون نازح في لبنان