الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تقتل المدارس الإبداع؟

أيوب الوكيلي

2019 / 5 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


مقدمة:
يعتبر التعليم والمدرسة أهم ركيزة من أجل تحقيق النهضة الفكرية والحضارية في جميع الأمم، باعتبارها رافعة التنمية، فبناء الإنسان ينطلق من العقل باعتباره أهم ما يجب تنميته وتطويره، وبذلك فإن غاية المدرسة تمكين المتعلمين من القدرات الذهنية والعقلية التي تقودهم إلى الإنجاز والعطاء في الحياة، ولكي يصبحوا مبدعين ومبتكرين في المستقبل، بيد أن رؤية سريعة على حال المدرسة وواقعها سوف يؤكد نقيض ذلك، حيث أن البرامج التعليمية يسود فيها الحشو والحفظ ، كما أننا نعيش في عصر الثورة المعلوماتية، لم تعد المعلومات التي نمتلكها كافية لتطوير مهاراتنا بل نحتاج دائما للاطلاع ومواكبة التطور والتقدم الذي يحصل في جميع المجالات، لهذا فنحن في حاجة إلى تعليم ينمي ويعزز ثقافة الإبداع، لأن التعليم الجيد هو الذي يمكن الفرد من تحقيق ذاته وطموحاته وتنمية حس الإبداع والابتكار. ومنه يمكن طرح التساؤلات التالية: إلى إي حد تساهم المدرسة في تعزيز الإبداع والابتكار؟ اليس بإمكاننا القول أن المدرسة تقل الإبداع؟ لماذا لا يحب التلاميذ المدرسة؟ هل تساهم المدارس في تنمية الإبداع والذكاء لدى المتعلمين؟
"إننا فضوليون بالفطرة، لكننا لسنا مفكرين أكفاء بالفطرة، فإن لم تتوافر الظروف المعرفية المواتية، فسوف نتحاشى التفكير" دانيال تي ويلينجهام.

يقول كين روبنسون أحد المتألقين و الخبراء في مجال التعليم أن المدارس تقتل الإبداع، إذ أن المناهج التعليمية تتخذ شكلا هرميا حيث نجد العلوم و اللغات في أعلى الهرم بينما تتوسط العلوم الإنسانية هذا الهرم و أخيرا تقبع الفنون بأنواعها أسفله، حيث أن المدارس تريد للجميع أن يتبع نفس المسار التعليمي. يشبه روبنسون بناء الأنظمة التعليمية بمثال الوجبات السريعة حيث كل شيء موحد و هو ما يقوم بإبادة طاقاتنا الإبداعية كما تقوم الوجبات السريعة بإبادة أجسامنا، في حين أنه يعرف الإبداع "هو كل فكرة أصلية لها فائدة، تحفز الدماغ على تقديم الجديد، فالمبدع يجعل العالم بعده مختلفا عن ما كان قبل حضوره" فهل مدارسنا اليوم تشجع الإبداع لدى الأطفال والشباب؟

يمتلك الأطفال أفضل قدرة على الإبداع، ولكن المنظومات التعليمية تقتل الإبداع في نفوسهم نتيجة، لطريقة والمناهج المتبع في التدريس، لأن الطفل يقدم على كل شيء جديد فيه المجازفة والخطر، بيد أن المدرسة تعلم النظام والانضباط لما يقوله الأستاذ والنظام على أنه حقيقة لا تناقش، وما تقدمه من قيم هو الحقيقة التي لا يمكن الاختلاق معها، وبذلك يتعلمون الخوف والخجل من حكم أقرانهم عليهم، على نقيض ذلك فإن الأطفال الذين تترك لهم الحرية فإنهم لا يشعرون بالحرج إطلاقا بل يعرضون أفكارهم وطموحاتهم وهم في غاية السعادة لأي شخص يريد أن يراها، لكن ومع بلوغهم سن الرشد فهم يصبحون أكثر حساسية تجاه آراء الآخرين ويخسرون تلك الحرية، ويبدأ الشعور بالحرج، خصوصا في ظل أنظمة تعليمية ترفض وتنبذ الفشل، الذي يعد أساس الناجح، وهذا الخوف هو ما يجعلنا محدودين في تفكيرنا، فقد يكون لدينا فكرة جامحة لكننا نخاف الخطأ والفشل، باعتباره عدو للإبداع، وفي هذا السياق يقول الحكيم كونفوشيوس" أن النجاح الحقيقي هو أن تنتقل من فشل الي اخر ولا ينقص ذلك من حماسك شيء".

من خلال هذا الكلام يتبين أن الأطفال سيجازفون ويغامرون ويقبلون على كل ما هو جيد، لا يخافون من الخطأ لأن المحاولة والفشل هما أساس النجاح والإبداع فما لم تكن مستعدا لتكون مخطئا، فلن تنتج أبدا شيئا مبتكرا، لكن المشكلة أنه حين يبلغ الشباب سن المراهقة، يفقد معظم الأطفال القدرات الإبداعية، فيصبحوا خائفين من الخطأ. لأننا ندبر المجتمع بأسلوب يحفز منطقة الأمان ويدعوا الجميع إلى التقوقع داخلها، ونبذ الاختلاف، كما أننا ندير نظم تعليم حيث يكون الاختلاف عن السائد هو أسوء شيء يمكن أن يقترفه المتعلم، كما قال الحكيم سيشرون "ما بال هذا العالم مليء بالأطفال العباقرة، لكن حينما يكبروا يتبرهن أنهم أغبياء"، ذلك نتيجة لفكرة النمذجة والتأطير والقالب الذي يصنعه المجتمع للفرد، بحيث يجب عليه اتباعه والإ سوف يكون خارج السرب، وهؤلاء الأشخاص هو القلة والندرة التي تصنع التاريخ(المبدعون والعباقرة والقيادين العظام).
كما أن المدرسة بالمعنى الحالي تأسست على نظام يعتمد التراتبية والانضباط في تدبير المعرفة وأن الأكبر والذي يملك الشهادات هو من لديه الحقيقة، غير أن الدراسات البحثية في مجال علم الأعصاب تقر أن التعليم الناجح هو الذي يعتمد على الحرية و الابتكار، وفي هذا السياق يقول الفنان الكبير بيكاسو" يولد جميع الأطفال فنانين المشكلة هي أن نبقى فنانين عندما نكبر".

و هذا هو السبب الرئيسي وراء انسحاب الكثير من التعليم، إذ أنه لا يغذي أرواحهم و لا يغذي طاقاتهم و شغفهم، إضافة إلى ذلك أن العديد من العباقرة و المبدعين عاشوا حياتهم معتقدين أنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية لأن كل ما كانوا يبرعون فيه في المدرسة من مواد لم تكن تقدر وتعتبر شيء غير نافع كما حصل مع توماس أديسون وأينشتاين و غيرهم من المبدعين.

لهذا فإن النظام التعليمي يحتاج إلى إعادة هيكلة أو إعادة توزيع للمواد، وجعل التلاميذ متساوية في اكتشاف نقاط قوتهم و اختيار المسارات التي تناسب مواهبهم وطاقاتهم، وجعلهم يقبلون على الأشياء التي يحبونها، بدل طمس هوياتهم الإبداعية، هؤلاء الأطفال هم من سيقود قاطرة التنمية والتطور مستقبلا، لذا يجب أن تكون لدينا رؤية واضحة لما نريده من التعليم والمدرسة، حتى نجهز الجيل المقبل لتحديات التي سوف يواجها لأن منسوب الذكاء البشري تطور كثيرا في العقود الأخيرة، حيث أن الثورة المعلوماتية جعلت الكل مسموح له بالاطلاع والمعرفة، لكن نسبة قليل من الناس الذين يمتلكون العبقرية والذكاء من أجل رؤية المستقبل، في حين أن أغلب الناس منغمسة في الاستهلاك والشراء.
الإبداع والمدرسة: ايت علاقة؟
تؤكد الدراسات العلمية، أن معظم المبدعين لم يكونوا خريجي المدارس، إذ وجدت قاعدة تاريخية تقر أنه كلما كان المبدع، العالم أو الفنان أو القائد مشهورا ومعروفا كان مستواه الأكاديمي أقل في الدراسة ، وحينما يكملون الدراسة تقل العبقرية لديهم، والواقع يقول ذلك لأن معظم العباقرة يتم اقصاؤهم على المستوى الأكاديمي والرسمي. لهذا فإن المدرسة الناجحة، يجب عليها تنمي حس الإنسانية والتعاطف والقدرة على الإبداع والتفكير خارج المألوف، وليس فقط اخراج متعلم يعرف فقط كيف يصنع البرامج أو يحل المعادلات، لكن تجده في العلاقات الإنسانية والتواصل صفرا، حيث أنه لا يستطيع حتى أن يكلم شخصا عن أي موضوع خارج مجاله، ولهذا قال القدماء أن التخصص يقتل الإبداع، لأن المتخصص جيد في مجاله لكنه جاهل في كل شيء، لذلك يجب أن تعطى القيمة لجميع المهارات الإنسانية رغم اختلافها لأن ذلك ينمي الإحساس الإبداعي لدى الأطفال، وليس التعليم الأكاديمي، الذي يربط التعلم بالجانب المهني والربحي فقط، حيث أن الذكاء البشري مختلف ومتنوع، خاصة أن النظريات العلمية تؤكد أن كل الأطفال يمتلكون بعض الذكاء بيد أننا في حاجة إلى صقل مواهبهم وتنميتها حتى يصلوا إلى مرحلة التميز.
خصائص الذكاء البشري:

1-الذكاء البشري متنوع: تقدم نظرية عالم النفس «هاورد غاردنر»، رؤية مختلفة لذكاء حيث تعتبر أن هناك أنواع مختلفة لذكاء وليس فقط الذكاء بالمعنى الكلاسيكي الذي يرتبط بالرياضيات والذاكرة، حيث قسم الذكاء إلى ثمانية أنواع مختلفة 1-ذكاء لفظي منطقي 3-ذكاء مكاني 4-ذكاء جسدي 5-ذكاء حركي6- ذكاء موسيقي 7-ذكاء اجتماعي 7-ذكاء ذاتي 8-ذكاء طبيعي، بناءً على ذلك، هناك ثمانية أنواع من النبوغ أو الذكاء، وثمانية أنواع من العبقرية، وكل إنسان يملك مجموعة من المميزات التي يتفوق فيها عن غيره، ويكون أقل في مساحات أخرى. مَن يمتلك ذكاء لفظيًّا أو جسديًّا، لن يكون بالضرورة متذوقًا للموسيقى، أو يملك قدرة على الاستبصار الذاتي، لهذا فكل طفل لديه بعض أنوع الذكاء نحتاج فقط الانتباه إليها وتنميتها.

2-الذكاء البشري ديناميكي: إذا نظرنا إلى العقل البشري سوف ندرك أنه ديناميكي ومتطور، نحتاج إلى تنميته بشكل مستمر عبر عملية التعلم، وتعد هذه الطريقة أهم أسلوب يتبعه معظم المبدعين في نجاحهم المهني والعلمي، يحتاج إلى شغف المعرفة، التي تجعل الواحد منا يظل مركزا ومنتبها لما يقوم به من أنشطة معرفية وذهنية، تحفزه على العطاء والابتكار، وهذا ما يصنع الفارق بين التعلم الرسمي المبني على الشواهد والاختبارات التي سرعان ما يتم نسيانها ومحوها من الذاكرة، وبين التعلم الذاتي الذي يقدم مهارات تصبح جزءا جوهريا في حياتنا.
3-الذكاء البشري متميز: كل انسان يمتلك تجربة وقوة تجعله متميزا عن غيره من البشر، الشيء الذي يجعل من العقل البشري، شيء مختلف عن جميع الأنماط التي اعتدنا عليها، فهو ليس ألة مبرمجة، وليس حيوان تحكمه الغرائز، إنه إنسان يمتلك الحرية في تكوين نفسه كما يريد، وهذا ما أقرته به الفلسفة الوجودية، لأن أعظم قوة يمتلك الإنسان تكمن في الحرية والاختيار، وهذا ما يجعله قادرا دائما على تجاوز الظروف والتحديات.

وفي هذا السياق يمكن أن نقدم طرفة وقعت للفيلسوف سارتر، حين كان طالبا أراد أن يدرس في الجامعة، فكان لزاما عليه أن يجتاز امتحان التبريز فكتب بأسلوب يعبر عن شخصيته وتصوراته الفلسفية، رسب في الامتحان، لكن في السنة المقبل حين كتب مثل الأخرين، جاء الأول في الدفعة، وهذا الامتحان يجيب عليه أي شخص يحفظ ويعيد ما قاله السابقون لكن بالقوالب الجامعية، هذا الأمر يبرز لنا صعوبة وخطورة التنميط الذي يقوم به المجتمع لناس، الشيء الذي يقتل حس الإبداع. لهذا يجب علينا أن نحافظ على خصوبة ولياقة عقولنا عبر الحرية والاستقلالية كما يقول سارتر "إنسان محكوم عليه أن يكون حرا، وهو مسؤول عن كل ما يفعل"، وقال أيضا "نحن لا نعرف ما نريد ونحن مسؤولون عن ما نحن عليه وهذا هو الواقع"، بمعنى أخر أن كل فرد منا مسؤول عن نتائج أفعاله سواء كانت ايجابية أو سلبية. أو كما قال المبدع والعبقري العبقرية توماس أديسون "1% منها إلهام و99% جهد وتعب"، هكذا يتم الوصول إلى القمة والرقي والإبداع.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة يدعو الدول العربية لاتخاذ موقف كالجامعات الأمريك


.. 3 مراحل خلال 10 سنوات.. خطة نتنياهو لما بعد حرب غزة




.. جامعة كاليفورنيا: بدء تطبيق إجراءات عقابية ضد مرتكبي أعمال ا


.. حملة بايدن تنتهج استراتيجية جديدة وتقلل من ظهوره العلني




.. إسرائيل تعلن مقتل أحد قادة لواء رفح بحركة الجهاد