الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة مكة وإيديولوجية يثرب

عادل صوما

2019 / 6 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن الولايات المتحدة تعيد خلط أوراق السيناريو الشرق أوسطي على أساس القيمة الاقتصادية لأي دولة أو كيان سياسي، ما له قيمة سيستمر. والمُلاحظ أن الدول العربية ذات الوزن بدأت تعيد أيضا خلط أوراقها، حتى لا تعزل نفسها عن عالم ما بعد البترول، والخلط في هذه المرحلة يتم على أساس ديني لأن المسلم يستحيل أن يتحرك سوى من هذا المنظور، وقد يكون تجميع الجزئيات التي تحدث في دول العالم الاسلامي الكبيرة مفيدة في قراءة الخطوة المقبلة للمسلمين، ومن هذه الجزئيات يفهم المرء أن ما فُرض منذ أكثر من نصف قرن بالامر سيُزال تدريجيا بالردع.. بالقرار السيادي للدول.. وهذا دأب تاريخ استعمال الحكام المسلمين لعقيدة مكة وإيديولوجية يثرب حسب رغبتهم.
منذ فترت أعلنت أكبر الدول الاسلامية في الشرق الاوسط أن الاخوان المسلمين منظمة إرهابية، بعدما دللوهم ومولوهم بالمال والرجال، كما تراجع أحد شيوخ "الصحوة السعودية" عن تشدده واعتذر، وفي إطار إعلان "وثيقة مكة المكرمة" أكد الملك سلمان بن عبد العزيز أن "السعودية قامت على منهج الوسطية والاعتدال الذي يحمي البلاد ويحقق أمنها"، وهو مجرد كلام إنشائي لا معنى له، فما العلاقة بين "وسطية الاسلام" و"أمن" المملكة؟ كما جدد الملك سلمان الدعوة إلى إيقاف خطاب العنصرية والكراهية أيًّا كان مصدره وذريعته، وهنا بيت القصيد.
الإسلام الوسطي والإسلام المتشدد مصطلحات حديثة مربكة للعقل، لأن الصواب أن يُقال "عقيدة مكة" وهي الوسطية التي يمكن أن تتعايش مع أي عصر، و"إيديولوجية المدينة" وهي التشدد الذي يستحيل أن يتعايش سوى مع عصره.
هذه الايديولوجية استُعملت سياسيا ولم تُستعمل دينياً، فالرسول لم يكن هناك مشكلة بينه وبين التوراة لأن أكثر من سبعين في المائة من القرآن يتحدث عن أنبياء اليهود، والشريعة المحمدية مقتبسة حرفياً منهم، لكن كانت له مشكلة سياسية كبيرة مع يهود يثرب الذين لم يؤمنوا به، لذلك حدث ما تم.
وبما أن النصرانية لم يكن لها أي ثقل سياسي في يثرب ولم يدع الرسول أي نصراني فيها إلى الاسلام، ولم تتحدث الايديولوجية اليثربية عن نصرانية يثرب ولم يصطدم الرسول عسكرياً مع اتباعها.
فقهاء السلطان في كل العصور استعملوا من عقيدة مكة "لكم دينكم ولي ديني" وقت ما شاء السلطان، وعندما تغيرت الظروف استشهدوا له وأيدوه بسطور نزلت بشكل محدد وفي زمان محدد كأيديولوجية "أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ".
مشكلة فقهاء السلطان أنهم استعملوا العقيدة والايديولوجية في كل العصور حسب رغبة الحاكم وكان صعودهم ونهاياتهم متشابهة، فالسلطات السعودية تتجه للحكم على ثلاثة شيوخ بارزين بالإعدام وتنفيذه بعد نهاية شهر رمضان، وهؤلاء الدعاة محتجزون لدى سلطات الرياض بتهم الإرهاب وهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، بعدما كانوا نجوم "الصحوة" السُنية بعد الثورة الخومينية.
هناك مقولات معروفة في التاريخ الاسلامي بخصوص أهل الكتاب أو أهل الذمة، فحسب "إسلام ويب" لا يجوز تهنئة النصارى أو غيرهم من الكفار بأعيادهم لأنها من خصائص دينهم أو مناهجهم الباطلة، قال الإمام ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.
وثبُت عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم.
ورغم ذلك شارك الأزهر في "احتفالات المسيحيين تأكيداً للتعايش والإخاء"، منتقداً مُخطط توظيف الأديان في الصراعات والحروب، وحظيت احتفالات مسيحيي مصر بالفصح بمشاركة أزهرية رفيعة المستوى، تمثلت بزيارة للمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ترأسها شيخ الأزهر أحمد الطيب، في رسالة تشكّل رداً قوياً على "التنظيمات المتشددة" التي ترفض تهنئة الأقباط في مناسباتهم الدينية، رغم أن هذه التنظيمات تستشهد بما ورد في كتب المسلمين وما قاله الخليفة عمر!
هكذا تجاوز الازهر هذه الاقوال الايديولوجية التي لا تدخل في صميم العقيدة ولا أركان الاسلام الخمسة، وقال مصدر في مشيخته إن "مشاعر التراحم والود والزيارات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين، نابعة من تعاليم الدين الإسلامي، الذي يفرض على المسلم أن يتواصل مع أخيه في الوطن"، مضيفاً أن "الأزهر يُعلّم أبناءه أن الأديان السماوية تنبع من مصدر إلهي واحد، وأن جميع الأنبياء إخوة، وأن هذه المفاهيم هي التي حمت المجتمعات في المشرق العربي من الصراعات الدينية بين مكوناتها المختلفة".
ويبقى السؤال: ماذا لو إلتزم المسلمون ما قاله الخليفة عن "رطانة الأعاجم"؟ لو حدث ذلك لما تعلموا أو ترجموا أو تقدموا أو بشروا بالاسلام في ألمانيا وغيرها. مجرد إيديولويجية لا تصلح بتاتاً اليوم وغدا، وهي يجب أن تُعامل كتاريخ يُقرأ وليس منهج عيش يُمارس.
المسلمون يعرفون تماما ما هو من صميم العبادة وما هو إيديولوجية في إسلامهم، وعندهم "أسباب النزول" التي تشرح ذلك الامر في كتب ومراجع، وهم إذا ارادوا التعايش مع الآخر ونبذ خطاب الكراهية عليهم قراءة الايديولوجية في دينهم كتاريخ لا يصلح اليوم، ومن ثمة تبقى العبادة التي يحتاجها الانسان ليواجه لامعقوليات الدنيا ومصائبها وعذاباتها ولا يصطدم بسببها مع الآخر، وإذا كانت الدول الاسلامية عازمة فعلا إدخال مواطنيها ومهاجريها في الخارج إلى العصر، وليس مجرد حماية عروشها أو كياناتها فالامر سيحتاج مع التفاؤل إلى عقديّن لزرع فكرة العقيدة فقط وإزالة الايديولوجية.
ليس سهلا على أجيال عاشوا على منابر تُرضعهم إيديولوجية "دار الحرب" و"الخروج على الطواغيت" وتحاول إطعامهم خلطة عجيبة بين عناصر متنافرة يستحيل أن تجتمع في الواقع؛ "خلافة ودولة.. انتخابات وبيعة.. دستور وشريعة.. سيادة القانون وتطبيق الشريعة.. جيش وحرس ثوري .. جماعة الامر بالمعروف وشرطة" أن يتقبلوا فكرة جوهر العبادة. ومن جهة أخرى يستحيل لجم من يرتزقون بحناجرهم من الايديولوجية بين عشية وضحاها، فقد أصبح لمعظمهم مؤسسات يتربحون منها ولم يعودوا بحاجة إلى التمويل البترودولاري.

*وفقاً لقاموس "المعاني" تعريف الإيديولوجية هو: مجموع الأفكار والمعتقدات الخاصة بعصر ما أو مجتمع أو طبقة اجتماعية.
وبناء على هذا التعريف وردت كلمة إيديولوجية في المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah


.. 254-Al-Baqarah




.. 255-Al-Baqarah