الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا خلع أعضاء المجلس العسكرى السودانى أقنعتهم؟

طلعت رضوان

2019 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما أدرك ضباط المجلس العسكرى السودانى قوة جماهيرالشعب السودانى، وقوة التنظيم بين مختلف فصائل القوى الديمقراطية..وهوما تمثــّـل فى (قوى الحرية والتغيير) الذى ضـمّ شتى عناصرالمعارضة، بتاريخهم المعروف ضد حكم البشير، عندما أدرك الضباط ذلك..وتأكــّـدوا أنّ أيام البشيرسقطتْ على أرض الواقع، مثل أوراق الخريف الذابلة، لذلك قرّروا أنْ يجلسوا على عرش السودان، بدلامن البشير، وكان مدخلهم لذلك هو(التظاهر) بأنهم مع الجماهير..وبدأوا سلسلة المفاوضات مع القوى الوطنية..وعلى رأسها تيارالحرية والتغيير..وأعضاء هذا التيارتعاملوا مع الضباط بحـُـسن نية..وصـدّقوا مزاعمهم..وأنهم مع إقامة (حكم مدنى ديمقراطى)
ومن هنا كان الخطأ الفادح الذى وقع فيه أعضاء تيارالحرية والتغيير..وهذا الخطأ يؤكد أنهم لم يدرسوا تاريخ الانقلابات العسكرية، سواء فى دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية..وعلى سبيل المثال فإنّ ضباط يوليو1952بعد أنْ جلسوا على مقاعد عرش مصر، تراجعوا وعودهم بشأن (عودتهم إلى ثكناتهم..وتسليم الحكم للتيارالمدنى)
وبالرغم من أنّ أحمد حمروش كان أحد ضباط يوليو52..ودافع عن عبدالناصرفى كتابه (قصة ثورة يوليو- دارالموقف العربى- عام1981) فإنه كان موضوعيًا عندما كتب أنّ دستورسنة 1923 الذى أسقطه ضباط يوليو– رغم ما فيه من سلطات مطلقة للملك كان ((ركيزة وضمانة لحرية الجماهيرالسياسية))..وفى يوم17يناير53صدربيان حل الأحزاب..ومصادرة أموالها فكتب حمروش..وهكذا ((كشـّـرتْ حركة الجيش عن أنيابها))..وجاء على لسان كاتب البيان ((ومنذ اليوم لن أسمح بأى عبث أواضراربمصالح الوطن وسأضرب بمنتهى الشدة على من يقف فى طريق أهدافنا)) وفى اليوم التالى صدرمرسوم بقانون بأنّ ما يتخذه مجلس القيادة هومن أعمال السيادة لارقابة قانونية عليها فكتب حمروش ((كان تركيزالسلطة فى يد المجلس العسكرى إعلانــًا عن قيام نظام يستند إلى الدكتاتورية العسكرية. ولايُجيد التخفى فى ثياب الديمقراطية)) (من ص98- 104)
وتكتسب مذكرات خالد محيى الدين (والآن أتكلم- مركزالأهرام للترجمة والنشر- عام 92) مصداقية لعدة أسباب 1- أنّ ما ذكره عن وقائع مُحدّدة جاء مُتطابقــًا لما ذكره غيره من ضباط يوليوأمثال محمد نجيب، عبد اللطيف البغدادى وثروت عكاشة 2- أنّ بعض المعلومات التى ذكرها جاءتْ متطابقة مع ما ذكره بعض المؤرخين أمثال طارق البشرى، عبد العظيم رمضان وجمال بدوى..وما كتبه الوفدى الشهيرإبراهيم طلعت فى مذكراته.
وبعد اعتقال عمال مصانع كفرالدوار..وإعدام العامليْن مصطفى خميس ومحمد البقرى تبع ذلك كما ذكرخالد ((اعتقال كل قيادات الأحزاب السياسية ما عدا الإخوان)) وأنّ ((عبدالناصركان قد رتــّـبَ قبل (الثورة) علاقة مع الأمريكان عن طريق على صبرى)) وأنّ السفيرالأمريكى كافرى ((كان يتصرف على أساس أنه يمتلك نفوذًا فى صفوف (الثورة) وفى وثائق وزارتىْ الخارجية البريطانية والفرنسية أنّ كافرى كان يزهوأمام سفراء أوروبا بأنه على علاقة خاصة بالضباط..ويتحدث عنهم قائلا My boys أى أولادى))..وأنّ المستشارالسياسى للسفارة الأمريكية فى اجتماع حضره خالد محيى الدين وعبدالناصروآخرين، هاجم حزب الوفد بشدة وقال ((إنّ عيب الوفد أنه يخضع للضغط الشعبى..وأنّ خضوعه لهذا الضغط الشعبى ألغى المعاهدة وفجـّرالكفاح المسلح ومثل هذا المناخ يُـشجع الشيوعية))
وتم القبض على كل من طالب بحكومة مدنية..وشملتْ ضباط المدفعية..وفى 18يناير53 شنّ الأمن حملة اعتقالات واسعة شملتْ14من قادة الأحزاب و39شخصًا بتهمة الاتصال بجهات أجنبية و48شيوعيًا أغلبهم (أوربما) كلهم من حدتو(ص212) وكان مصيركل من يعترض من الضباط على سياسة عبدالناصروالمناصرين له الهلاك فقد ((تـمّ القبض على عدد من الضباط وضربهم ضربًا مُبرحًا..ومن سلاح الفرسان تمّ القبض على حسن (اسمه لدى معظم المؤرخين حسنى وربما الخطأ غيرمقصود) الدمنهورى المعروف بتوجهاته الليبرالية..ونقده لتصرفات الضباط الذين استولوا على السلطة..فكان رأيهم الحكم عليه بالإعدام. فلما اعترض خالد قال له صلاح سالم ((أرجوك وافق على الإعدام لكى نـُخيف باقى الضباط..وأعدك أنْ نطلب من نجيب عدم التصديق على الحكم)) وقضى حسنى الدمنهورى عشرسنوات فى السجن (ص225)
ولما ذهب عبدالناصرإلى سلاح المدرعات هاجمه الضباط بشدة..ولم يستطع أنْ يكسبهم إلى صفه، بل لم يستطع أنْ يــُـقنع أحدًا منهم بموقفه (من254 - 257) أى موقف عبدالناصرالمُعادى للديمقراطية..وقال عبدالناصرللضباط ((ياجماعة.. بصراحه كدا ما فيش حد مقتنع بعودة الديمقراطية والحياة النيابية إلاخالد (من 258- 261) وطالب الضابط أحمد المصرى بإلغاء الترقيات الاستئنائية بما يعنى عودة عبدالحكيم عامرإلى رتبة صاغ (عبدالناصرصعـّـده إلى رتبة لواء) وقال له ضابط آخر((حضرتك جئت للمناقشة والتعرف على وجهات نظرنا أم لتحديد أشخاص معارضيك واعتقالهم؟))..وتحوّلتْ المناقشة إلى جلسة استجواب لتصرفات المجلس، خاصة المصروفات السرية. فلما دافع عبدالناصرعن نفسه..ردّ عليه الضابط أحمد المصرى ((ولكنك مسئول عن كل تصرف خاطىء يرتكبه أى واحد منهم)) ثمّ تحدث البعض عن استغلال الضباط لمناصبهم..وعمليات الإثراء غيرالمشروع (وهذا الكلام فى مارس 54 أى قبل تمام عاميْن من سيطرة الضباط على الحكم- ط .ر)
وعن اختلاس بعض أموال مقتنيات أسرة محمد على..ونقل بعضها إلى منازل بعض الضباط وحملات الاعتقال الواسعة ضد الشيوعيين)) سأله الضابط محمود حجازى (ماهوتصورالبكباشى عبدالناصركمسئول عن هذه التصرفات فى ظل غياب الديمقراطية..وعن إحساس البعض بأنه لايمكن محاسبتهم فى ظل هذه الأوضاع البعيدة عن الحرية)) فقال عبدالناصرأنّ ((الشعب لايستطيع تحمل مسئولية الحرية)) فردّ عليه أحد الضباط ((لايمكن الحجرعلى الناس بحجة أنهم ليسوا أكفاء للاستمتاع بالحرية)) وعندما سمع عبد الناصرصوت الدبابات سقطتْ السيجارة من يده ((وظلّ يحفظها فى نفسه ولفترة طويلة عندما انتهتْ عاصفة مارس..وبدأتْ مرحلة الانتقام ممن عارضوه)) (من265 - 274)
000
إنّ ما نقلته من مذكرات ضباط يوليوجزء يسيرمن المعلومات، التى تؤكد عداء الضباط للديمقراطية..ولإقامة حكم مدنى..ومن هنا- كما توقعتُ- جاء موقف ضباط المجلس العسكرى السودانى، حيث قرارفض اعتصام الجماهيربالقوة المُـسلحة..وما نتج عن ذلك من قتلى وجرحى..ولكن الايجابى فى الأحداث، أنّ قوى الحرية أعلنوا عن عدم الاستسلام للضباط..واستمرارعصيانهم المدنى..حتى تتحقق مطالب الجماهيربإقامة نظام حكم مدنى.
000
أعتقد أنّ الشعبيْن السودانى والجزائرى (عكس القيادات) قد استوعبا الأخطاء الفادحة، التى وقع فيها ملايين المعتصمين فى الشوارع والميادين (سواء فى تونس أوفى مصر)..وكان أكبرالأخطاء ترك الميادين، قبل تحقيق مطالب الجماهير..وفى مُـقـدّمتها: الحرية الفردية والفكرية والسياسية..والعدالة الاجتماعية..ولأنّ هذيْن المطلبيْن لم يتحققا، لذلك رفضتُ- فى مقالاتى العديدة- استخدام لفظة (ثورة) لأنّ الأدق فى وصف ما حدث هو(انتقاضة عظيمة) تـمّ إجهاضها بمعرفة رموزالنظام، الذى انتفض الشعب ضده، بهدف تغييره من جذوره.
ولعلّ موقف الشعب السودانى الذى بدأ انتفاضته يوم19ديسمبر2018يؤكد أنه استوعب خطورة ترك الميادين (بعد حوالىْ خمسة شهورمن الصمود) ومع مُـقاومة برد طوبة..وترك الأهل والعمل..إلخ..وبالرغم من كل العوامل السيئة، فإنّ الشعب ظلّ على صموده..ولم ينخدع بموقف المجلس العسكرى، الذى أباح لنفسه (بدون إرادة شعبية) أنْ يحل محل النظام الفاسد السابق..وتكون النتيجة- كما يقول شعبنا المصرى فى أهازيجه البديعة- (كأنك يا أبوزيد لارحت ولاجيت) وقد تصوّرالمجلس العسكرى أنّ (مسرحية حماية الجماهيرمن بطش الشرطة) كانت من أجل سواد عيون الشعب..وأنّ الهدف الحقيقى- كما توقــّـعتْ الجماهيرهوالسيطرة على السلطة.
وبعد المُـفاوضات المُـستمرة بين قوى الحرية والتغيير..والمجلس العسكرى- طوال الشهورالماضية- أسفرضباط المجلس عن وجوههم الحقيقية ونزعوا الأقنعة، ولذلك أصدرتْ قوى الحرية والتغييربيانــًـا- يوم7مايو2019- قالت فيه أنّ الاجتماع المُـزمع عقده بين المجلس العسكرى..وبعض القوى السياسية ((تسويف ومحاولة لاختطاف الثورة))..ولذلك فإنّ قوى الحرية والتغييرستعمل على اتخاذ ((خطوات تصعيدية))..وهوالأمرالذى أكــّـد عليه بيان (تجمع المهنيين السودانيين)
وقال متحدث باسم قوى الحرية والتغييرأنّ الوثيقة الدستورية لاينبغى لها أنْ تحتوى على (مصادرالتشريع) وذلك ردًا على المجلس العسكرى الذى أصرّضباطه على أنْ ((تكون الشريعة الإسلامية هى مصدرالتشريع))..وذكرهذا السياسى المحنك أنّ نقطة الخلاف الأساسية بين قوى الحرية..والمجلس العسكرى ((هى نسبة التمثيل فى المجلس السيادى)) بينما أصرّالأحرارفى الميادين على أنْ ((يكون للضباط تمثيل محدود))..كما أنّ الضباط اعترضوا على إخضاع القوات المسلحة..والأجهزة الأمنية للسلطة السياسية (المصدر: العربية نت- 8مايو2019)
ومغزى موقف الضباط هوالاصرارعلى أنْ تكون لهم السيادة المطلقة..وهذه السيادة لاتتحقق إلاّبواسطة القبضة الحديدية..وتلك القبضة فى حوزة الجيش والشرطة..وبذلك يكون السودان قد عاد إلى (مربع حكم البشيرمن جديد) خاصة- لوأضفنا إلى ذلك- أصرارالضباط على تطبيق الشريعة الإسلامية..كما كان فى عهد البشيرالذى دمّرالسودان..وفصل الجنوب عن الشمال..ولذلك لم يكن مستغربــًـا أنْ يقف مع الضباط أحد أهم رموزالتيارالإسلامى، المُـتعصب (صادق المهدى) الذى قال فى أحاديثه الصحفية..وفى القنوات الفضائية أنه ((يرفض التصعيد ضد المجلس العسكرى السودانى)) فى محاولة لسحب السلاح الوحيد من عقول الجماهير..مقابل التأييد الصريح للضباط..وهكذا تتأكــّـد الحقيقة الدامغة التى طبعتْ وختمتْ كل أنظمة الاستبداد..وهى (عمامة الشيوخ مع قلادات الضباط)
أعتقد أنّ ما فعله ضباط السودان يتشابه مع بيان عمرسليمان فى 11فبراير2011وكان أول مسمارفى نعش الانتفاضة المصرية، وينطبق عليه التعبيرالشهيرفى وصف (وعد بلفور): ((من لايملك أعطى لمن لايبستحق)) فإذا كان شعبنا توحـّـد حول شعار(يسقط مبارك) فمعنى ذلك أنه لايملك (تعيين) من يخلفه..والمجلس العسكرى لم يرد ذكره فى دستور1971المعمول به وقتذاك..وأنّ الخلف إما رئيس مجلس الشعب أورئيس المحكمة الدستورية..وإذا كان شعبنا خرج فى يونيو 2013 لاسقاط الإخوان المسلمين، فإنّ القوى الظلامية مازالت تفرض وجودها وبقوة أكثرمن الوضع قبل يناير2011. يُـضاف إلى ذلك أنّ (العدالة الاجتماعية) لم تتحقق وتدنــّـتْ المستويات المعيشية مع ارتفاع أسعاركافة الخدمات والسلع الغذائية..وكما رفض نظام مبارك ضم الصناديق الخاصة لوزارة المالية (الحد الأدنى مائة مليارجنيه) وإلغاء منظومة المستشارين (24مليارجنيه) ورفض تطبيق الضريبة التصاعدية..ورفض إلغاء دعم الأغنياء (المستثمرين الذين يحصلون على دعم الطاقة) إلخ تكون النتيجة أنّ شعبنا (يعيش) فى منظومة حكم مبارك رغم اختفائه من المشهد السياسى.
وما حدث فى يناير2011حدث مثله فى يناير1977..وتلك الانتفاضة العظيمة كان من الممكن أنْ تتحوّل إلى (ثورة) حقيقية، بمراعاة الخروج العفوى من جميع طبقات الشعب بعد مظاهرات عمال حلوان وطلبة الجامعات..وأنّ الشعارات كانت (واحدة) من الإسكندرية إلى أسوان..ولكن السادات (بخبث شديد) امتصها بالتراجع عن قراررفع الأسعار، فذهب شعبنا لينام..وبعد ستة شهورارتفعتْ الأسعارمن جديد تحت شعار(تحريك الأسعار) تنفيذًا لتعليمات صندوق النقد الدولى..ورغم أنّ السادات وصف تلك الانتفاضة العظيمة ب (انتفاضة الحرامية) وأيـّـده الشيوخ وعلى رأسهم النجم التليفزيونى الشيخ محمد متولى الشعراوى..رغم ذلك فإنّ ابن مصرالعظيم المستشارمنيرحكيم صليب أصدرحكمه التاريخى بالإفراج عن (كل) المُــتهمين وعددهم 167مصريًا من عمال وطلبة وصحفيين.
وفى مارس1968خرج شعبنا فى تظاهرات ضخمة للتعبيرعن رفض محاكمات ضباط الجيش الهزلية..وكانت الشعارات تــُـردّد أنه يجب تقديم المسئولين الحقيقيين عن كارثة بؤونة/ يونيو1967وعلى رأسهم عبدالناصر، الذى امتصّ الغضب الشعبى بإعلان إعادة المحاكمة، فذهب شعبنا لينام.
والسؤال الذى لابد وأنْ يتبادرإلى أى عقل حر: لماذا تفشل كل الانتفاضات العظيمة؟ ولماذا يتم وأدها بسهولة؟ ولماذا تنخدع الشعوب بأى قرارتتخذه السلطة الحاكمة، ثم يتبيـّـن أنّ ظاهرالقرارغيرباطنه؟ وهل السبب هوعدم الوعى السياسى الكافى؟ أم هى العاطفة الكارثية؟ وهى عاطفة تصل لدرجة السذاجة بتصديق قرارالسلطة الحاكمة..وعلى سبيل المثال، فبعد إعلان بيان عمرسليمان، انطلقتْ الزغاريد فى ميدان التحرير..ودقــّـتْ الطبول ورقص الرجال مع السيدات..ولأننى كنتُ أكتفى برصد المشهد..وتوجستُ من بيان عمرسليمان غيرالدستورى، لذلك راعنى مشهد الأصوليين الإسلاميين الذين صنعوا طابورًا من عدة أمتار، وطافوا حول الميدان مُـردّدين بكل حماسة وغلظة ((الله وحده أسقط النظام)) بينما كانوا طوال ال 18يومًا يُـردّدون معنا ((الشعب يُـريد اسقاط النظام)) وعندما تحاورتُ مع أحدهم وقلتُ له ما دخل (الله) فى إسقاط النظام، بينما من أسقطه الضحايا الذين ماتوا من الشباب؟ بخلاف المُـصابين والمُـشوهين؟ فقال لى ((لقد رأينا ملائكة تقف معنا مثل الملائكة التى حاربتْ مع رسولنا الكريم فى غزوة بدر))
كان معى بعض الأصدقاء العواجيزمثلى، حاولنا إقناع الجماهيربعدم مغادرة الميدان..وقلنا لهم لوحدث وتركنا الميدان، فإنّ ال 18يومًا فى برد طوبة..والضحايا..إلخ انتهى دون تحقيق أهم مطلبيْن: دولة مدنية وعدالة اجتماعية. فقالوا لنا- وأغلبهم ماركسيين- ((بطلوا تشاؤم)) وعندما بدأ الميدان يخلومن البشرعدتُ إلى بيتى..وفى صباح اليوم التالى اتصلتْ بى صديقة تسكن فى حى المنيل..وبيتها بجوارمقرالإخوان المسلمين..وقالت لى إنّ الجماعات الإسلامية ذبحوا عدة عجول ووزّعوا لحومها على الأهالى مع جملة واحدة ((دى حلاوة نجاح الثورة الإسلامية))
وعندما أسترجع مشاهد ال 18يومًا، أرى الصورة تتجمّـع وتتكشـّـف بتفاصيلها التى لم أتبيّـنها فى حينها..كان من أطلقتْ الثقافة السائدة عليهم (نشطاء سياسيين) يستولون على (المنصات) وعندما كنتُ أكتب ورقة فيها شعارعن (علمنة مؤسسات الدولة) كانوا يُـهملون ورقتى..وبعد أنْ هدأتْ عاصفة الانتفاضة..كان هؤلاء (النشطاء) نجوم البرامج التليفزيونية، فنشط عقلى وتذكــّـرتهم وهم يعتلون (المنصات) ويتحكــّـمون فى الميكروفونات. ثم تبيّـن أنّ معظمهم من الذين يتلقون الأموال من بعض الدول العربية والأوروبية.
وأعود للسؤال المُـعلــّـق: لماذا تفشل انتفاضات شعبنا؟ ولماذا ينتفض وينام؟ أعتقد أنّ السبب يكمن فى عدم وجود (قيادة روحية) لشعبنا..وهذا التعبيرهوالتعريف العلمى لمعنى (المثقف) والدليل أنّ من بين أسباب نجاح الثورة الفرنسية دورالفلاسفة الذين كتبوا وطالبوا- قبل الثورة- ((بشنق آخرملك بأمعاء آخرقسيس)) وإذا كان شعبنا افتقد فلاسفة من هذا الطرازالنبيل، فإنه ابتلى ب (سياسيين) لايعرفون إلاّمصلحتهم الشخصية. مع اعترافى بوجود استثناءات من الشخصيات الذين آمنوا بالوطن..ويعتبرونه قبلتهم الأولى..ولكن يعوق تصدرهم المشهد السياسى ثلاثة اعتبارات 1- أنهم قلة 2- لايمتلكون منابرللتعبيرعن آرائهم 3- ليس لديهم المال الذى يمتلكه آخرون..ولايـُـفكــّـرون فى مصلحة مصر.
000
فهل سيـُـكرّرالشعبان السودانى والجزائرى أخطاء شعبنا؟ هل سيتركان الميادين ويذهبا للنوم كما فعل شعبنا؟ أتمنى أنْ يخيب ظنى..وأنْ يكتبا صفحة جديدة فى تاريخهما، ليس بإسقاط الدكتاتورية (فقط)..وإنما بتحقيق الحرية والعدالة..وهذا لن يتحقق لواستسلم الشعبان للضباط وللسياسيين الانتهازيين وكلماتهم المعسولة..وفى ثناياها السم القاتل..والسؤال الشائك هوإلى متى سيستمرالصمود؟ وإذا استمرّ الصمود فهل من المُـنتظرتحقيق مطالب الجماهيركما حدث للثورة الفرنسية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال أكثر من رائع
محمد زكريا توفيق ( 2019 / 6 / 3 - 16:13 )

مقال أكثر من رائع، في الصميم. بدون وجود فلاسفة المقاهي أمثال فولتير ورسو وتوماس بين ومونتيسكو وديدرو وكندورسيه، لن تنجح ثورة في بلادنا المنكوبة بالعسكر والسلطة الدينية وأموال الزفت، أقصد النفط. أضف إلى ذلك الأمية وعدم الوعي والعملاء والنوايا الخبيثة في الداخل والخارج.

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah