الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شمس الحقيقة

الحسن علاج

2019 / 6 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


شمس الحقيــــــقة

حوار مع ألان باديو
أجرى الحوار : بيا دوفينيو
ترجمة : الحسن علاج


مقدما ترجمته الخاصة ل" الجمهورية " 1 ، كان الفيلسوف ألان باديو Alain Badiou) ( يرغب في البرهنة على القوة الحديثة لهذا النص القديم . يضع عمل أفلاطون الأساسي هذا سقراط في مواجهة سوفسطائي ، حول مسألة العدالة ومقدما للفقرة وجهة نظره الخاصة بخصوص المدينة الفاضلة . ففي ترجمة باديو ، تم التشويش على ترتيب الفصول ، فقد تحول الكهف الشهير إلى قاعة سينما فسيحة جدا ، بروز مؤلفين أمثال لاكان ، ماركس أو شكسبير ، وأدمنتوس Adimante) ( ، وهو أحد الشباب الذين يتوجه إليهم سقراط بالكلام ، فقد وجد نفسه متحولا إلى أمانتا Amantha) ( ، شخصية أنثوية . فإذا كان هذا التحديث يفترض أحيانا اتخاذ مسافة معينة مع النص الأصلي ، ومع ذلك فإنه يتعلق ، تبعا لباديو ، ب" إخلاص متفوق " على أفلاطون . تعتبر الممارسة محفوفة بالمخاطر ، دون أن تفوت فرصة إفقاد العقول المحافظة لصوابها . غير أنه منح النص نفسا حقيقيا والذي بفضله سلط باديو الضوء على مشروع اليتوبيا الشيوعية المتضمن في " الجمهورية " الأصلية .
لماذا يعتبر أفلاطون في نظركم من أعظم الفلاسفة ؟
ألان باديو : يعتبر أفلاطون مبتكرا للفلسفة . على أنه ، فيما يخصني ، ما يجعل منه فيلسوفا استثنائيا ، هو التحول العميق الذي أنجزه ، عاملا على تشييد الفلسفة باعتبارها مناقشة . كل ملفوظ ينبغي أن يكون موضوعا لمباحثة ، يتم انتقاده وتفنيده . لقد أقام قطيعة مع تقليد الخطاب المقدس ، خطاب الإله ، الملك ، الكاهن والأستاذ حتى ، والذي تنتمي حقيقة الخطاب ، بالنسبة إليه ، إلى سلطة من يعبر عنها من الملفوظ نفسه . فمن جهة ، إن ما يعتبر رائعا لدى أفلاطون ، لا يستسلم لإمكانية حقيقة وحتى بخصوص فكرة المطلق . يتم صون الحقيقة كما هي مكشوفة ولكنها غير مضمونة على الإطلاق .
الجانب الآخر الذي يجعلني أعشق أفلاطون هو كيفية ممارسته للفلسفة . لا ينطلق الفكر من فراغ ، ولا يشيد ضمن شك منهجي . فهو على خلاف ذلك ، يتحرك في كون تشكل من الأفكار مقدما ، حيث نجد الرياضيات ، المسرح ، الشعر ، السياسة ، والعشق كذلك ، مع ، في مركز تلك الإلهامات ، شكل سقراط رمزا للنقاش . وهكذا ، فإن الفيلسوف يمكن أن يتطور ضمن مجموع معطيات زمنه .
لم يحدث ربما فسح المجال على الإطلاق للسوفسطائيين كما هو الحال في الوقت الراهن ، وهم أشخاص يسعون ، تبعا لأفلاطون ، إلى الفعالية الإقناعية بدلامن الحقيقة . هل يمتلكون مزيدا من السلطة أكثر من امتلاكهم لها في زمنه ؟
ألان باديو : إن سلطة سوفسطائيي أثينا لا حدود لها . ففي مجلس النواب ، كل القرارات السياسية كانت تتوقف مباشرة على فصاحتهم ، والقوة الإقناعية لخطابهم . علاوة على ذلك ، فقد أدوا بسبب ذلك الثمن غاليا . لاحظوا ، سوفسطائيينا المعاصرين ليسوا فقراء ! ومع ذلك ،فإن سلطتهم ليست مرتبطة بالديموقراطية مباشرة ، تكاد تكون غير موجودة في مجتمعنا تقريبا ، لكنها مرتبطة بالأحرى بأهمية وسائل الاتصال . يقدم السوفسطائي الحديث نفسه كحامل لرأي بخصوص كل شيء ، علاوة على ذلك فإن هذه الصفة هي ما تجعل منه " فيلسوفا " . إذن فإن هذا " الفيلسوف الجديد " ، الذي ليس شيئا آخر سوى أنه سوفسطائي ، يرفض تسليط النقد على وجهة نظره ، كما يرغب أفلاطون ذلك في الأصل ، لكنه يبرع في فن الكلام في كل شيء ، وعن أي شيء مهما كان في وسائل الاتصال الجماهيرية .
إن ما يجعل التمييز غامضا بين السوفسطائي والفيلسوف ، هو كونهما معا شخصان لا يمكنهما التواجد إلا في إطار الديموقراطية . فسواء في اليونان في البرلمان ، أو في الوقت الراهن في استوديو التليفزيون ، فإن حرية التعبير ينبغي أن تكون مكفولة من أجل أن يعبر الاثنان عن رأيهما . بإمكان المرء كذلك أن يتخيل أنه أمام نظام استبدادي عنيف ، فإن هذين الأخيرين يصبحان متآزرين . إن حرية الكلام تلك والحال هذه ، بالنسبة لأفلاطون ، ليست هي جوهر القضية ، إنها فقط شرط ضروري لممارسة الفكر .
في أي شيء تناقض فكرة العدالة ، وهي فكرة مركزية لدى أفلاطون ، مثال " البورجوازي الصغير للديموقراطيات الغربية " الذي ، ، كما عرفته أمانثا في إعادة كتابتكم ل" جمهورية أفلاطون " ، لا يوجد في ذهنه إلا " رغد العيش ، الأمن ، وأجرته " ؟
ألان باديو : إن مقولة " العدالة " كما يفهمها أفلاطون ، تمتلك خاصية أولى أن تكون كونية ، ودون أن تتم مقاربتها انطلاقا من المنافع الفردية والبحث عن إشباع الرغبات الشخصية .
إن " الديموقراطية " والحالة هذه ، في معناها الغربي المعاصر ، هي على خلاف ذلك ، تنظيم تسويات متفق عليها ، عبر مجموعات اجتماعية مختلفة ، تحت سلطة أوليغارشية مالية عالمية . لنذكر هنا أن 10 % من سكان العالم تمتلك 86 % من مصادر الموارد المتاحة . بالإضافة إلى ذلك ، فإن الديموقراطية المزعومة تشترط أن المساواة ، التبادل ـ أعني الشيوعية ـ يعتبران مثل يوتوبيات غير قابلة للتطبيق وخطيرة .
هذا ، على وجه الحصر ، بالنسبة لأفلاطون ، هو معنى المساواة واللامبالاة اللذين يعتبران بالضبط فضيلتين أساسيتين للمواطن . الشيء الذي يجعله يشترط ب " حراس " ، نخبة المدينة الفاضلة ، يتم عزلهم عن كل رغبة في التملك وأكثر من ذلك بكثير مضاعفة المنافع الخاصة . من خلال ذلك سوف يقوم أفلاطون بمعارضة السعادة ، التي يمكن العثور عليها في فعل التفكير وفي كل أشكال الإبداع التي يوجبها معنى العدالة ، بالارتياح الديموقراطي الحصول على ما نرغب في امتلاكه ، دون اعتبار لمن لا يمتلك ذلك .
اعتبرتم مدينة أفلاطون الفاضلة " شيوعية " ضمن إعادة كتابتكم . وبالرغم من ذلك ، فإنها لا تقدم سوى مقدمات ما سوف يكتبه ماركس فيما بعد . ما الذي ينقص أفلاطون كي يكون شيوعيا حقيقيا ؟
ليس هذا ابتكار من جانبي . فبالنسبة للشيوعيين و، على الخصوص ، طوباويي القرن التاسع عشر ، كان من الشائع جدا القول بأن أفلاطون كان يعتبر مؤسسا للشيوعية . ففي المدينة الفاضلة ، تتطور طبقة ال" حراس " المسؤولة عن تأطير المدينة ، في عالم شيوعي نموذجي . ففيها يتم العثور على غياب الملكية الخاصة ، حياة لا ينبغي أن تشيد على المصلحة أو المنفعة الشخصية من أجل الصالح العام ، تنظيم جماعي أيضا ، ما أمكن ذلك والاعتقاد بمثال مماثل للمدينة . ومع ذلك ، فإن تلك التعليمات لا تخص سوى صفوة واحدة . ثمة ضديدة oxymore) ( أفلاطونية في ابتكاره لأرستوقراطية شيوعية .
لا يتكلم أفلاطون أبدا على وجه التقريب ، عن الطبقة الشعبية ، التي تظل مجهولة تماما ، ومشدودة إلى مهمتها . تسعى ترجمتي لل" جمهورية "بالضبط إلى تعميم المبادئ الشيوعية ، المخصصة للأرستقراطية الحاكمة لمجموع الشعب . على أنه لا يمكن الأخذ بالكل . لأن البرنامج التربوي المسؤول عن تكوين الصفوة ، يتضمن في الوقت نفسه ، نقطا تقدمية وأخرى أكثر سلبية . وضد كل توقع ، يتضح أن أفلاطون نسوي للغاية بالنسبة لشخص قديم ، مصرحا بخاصة أن النساء بإمكانهن كذلك أن يكن حارسات . وبالمقابل ، فإنه يقترح انتخابا نساليا للحراس ، يكمن في اختيار ، من بين رجال ونساء المدينة ، الأكثر جمالا ، الأكثر قوة ، الأكثر ذكاء ، الشيء الذي يعتبر خطأ ، في هذه النقطة غير القابلة للاستدراك ، التي لم أرغب في إعادة نقلها في ترجمتي لل" جمهورية " . لا ينسى أعداء أفلاطون الإشارة إلى هذه النقطة المظلمة للأفلاطونية ، التي تستدعي الممرات الأكثر سوادا للتاريخ . إجمالا ، فإن كل ما يميل بطريقة جلية إلى الأرستقراطية ، قمت بتصفيته ، كي لا أحتفظ سوى بما هو أفضل ، بمعنى كل ما ينتمي إلى الشيوعية .
بخصوص العائلة ، يبدو أن أفلاطون وأنتم لا تتفاهمون . يرغب أفلاطون في تقويض المجال الحميمي لصالح حياة جماعية تماما ، جنسانية مفتوحة وعامة . ما الذي تؤاخذونه على هذا المثال الشيوعي الأفلاطوني ؟
ألان باديو : المسألة معقدة ، لأن العائلة هي ركيزة للوجود البشري منذ آلاف السنين . تشهد حاليا تصدع التقاليد ، مع تكاثر الطلاق ، الأسر المختلطة ، الزواج المثلي ، إلخ . نجد العائلة نفسها مشوشة .
يعتقد أفلاطون أن مجال الحياة الحميمة يمكن أن يتم ضبطه عبر التنظيم الجماعي ، والحال أن ذلك غير حقيقي . لقد اقتنعت أنه ، في العالم الراهن ، ينبغي الحفاظ على جدلية بين الحياة العامة والحياة الخاصة . كما إني أدين بحزم للتوجه الأفلاطوني الذي يكمن في تقسيم العائلة ، مع العمل على فصل الأطفال عن آبائهم . لنكن واقعيين ، نحن نعلم جيدا أن طفلا لقيطا ، فحتى ولو تم التكفل به من قبل مؤسسات الدولة ، فهو يظل طفلا متخلى عنه ، الذي سيظل موسوما بهذا الفصل نهائيا . من المعروف أيضا أن تقويض حميمية أسرة ما يفضي إلى أوضاع مرعبة ، كما هو الحال في المجتمعات الستالينية حيث يتم إجبار أطفال على الإبلاغ بآبائهم . يشكل زوج ما بشكل طبيعي مجالا حميما ، وأقول دائما أنها شيوعية مزدوجة ، لا يمكن المساس بها . وبالنسبة لما سوف تصبح عليه الأسرة في السنوات القادمة ، فإني أجهل هذا تماما .
قال سقراط في " جمهورية " أفلاطون ، بأن كل واحد يمتلك كمونا فلسفيا . كيف يمكن تطوير ذلك ؟
ألان باديو : أولا ، ينبغي أن يكون المرء في ظروف ملائمة ، بمعنى القدرة على الولوج إلى الأعمال الفنية والممارسات الفنية . ينبغي كذلك المساهمة في الحياة السياسية . سأضيف أن الحد الأدنى من المعرفة الحقيقية لبعض الممارسات العلمية كذلك يعتبر ضروريا . كل هذا ينبغي أن يغني الوجود البشري ، ليس مثل واجب مدرسي ، بل مثل مراكز منفعة تهمنا جدا . خلافا لما يمكن للمرء اعتقاده ، فإن قراءة كتب الفلسفة ليست هي أول رد فعل ينبغي اكتسابه .
بعد ذلك مباشرة ، لا بد من التوفر على القدرة لتمييز الفلسفة عن الصوفية . إنها ضرورة عملية ضد إعلامية ! لا بد من القدرة على مجادلة ما يعتبر رأيا حقيقيا . أسمي هذا مهمة " أسلوب صحافي جديد " ، عصرنا في حاجة ماسة جدا إليه . أعني بذلك أسلوب صحافي دقيق جدا ، مثقف جدا ، موثق جدا ، يتوقف عن السقوط في السهولة يكمن في الكلام من أجل ألا يقول شيئا . في الوقت الراهن ، أي حدث مهما كان تتم بنينته على التو بواسطة الرأي المهيمن . ثمة مزايا مثل التراجع ، تعميق المعرفة يتم سحقهما بواسطة الأسلوب الصحافي السوفسطائي .
أخيرا ، من أجل طوير إمكاناتنا الفلسفية ، لا بد من تعلم التشكيك في اعتقاداتنا . من بين الأفكار التي تلاقي اهتماما كبيرا من لدننا ، من المفيد محاولة فهم كيف ولدت في ذهننا . تعتبر تلك الممارسة ممارسة سقراطية تماما ، ويبدو لي أنها ذات فائدة كبيرة . فإذا لم تكن الفكرة مسجلة على صيغة سلبية ، ينبغي السعي إلى إعادة تكوين تاريخها ...من تكلم لكم بخصوصها ؟ أين سمعتموها ؟ أين قرأتموها ؟ ارسموا مسار فكرة ، هو إدراك أن غالبية المسارات المشوشة ، التي من المهم تقويتها . إنها كذلك دعوة إلى عدم الانخراط بسرعة في الدفاع عن قناعة ضد أخرى .
ضمن إعادة كتابتكم ل"الجمهورية " ، خصصتم فصلا ل" أسئلة الشباب الملحة " . ما الذي ينصح به أفلاطون الشباب في القرن الواحد والعشرين ؟
ألان باديو : أتصور أن نصيحة أفلاطون الأولى سوف تكون ألا يتم اختزال ذاتيته إلى ذاتية المستهلك . بلغة أكثر ماركسية : ينبغي النأي بالنفس عن تقديس البضاعة . لن تجدوا طائفية في أقوالي . لا يتعلق الأمر كذلك بعيش المرء منزويا في مثال زهدي ديني ! بعد ذلك حاولوا أن تتأكدوا من وجود أو لا وجود مبدإ يهمكم فعلا ، والذي سوف لن تستسلموا له . شيء ما تكونون على استعداد للدفاع عنه ، مهما كلف الأمر ، مثل عدم تعذيب الكائنات البشرية . في المرة الثالثة ، ابحثوا عن مبدإ مشابه يكون إثباتيا ثم تطوعوا بالضرورة . على سبيل المثال ، إثبات وجود أعمال فنية رائعة . أخيرا ، حاولوا اقتسام ذلك ، على طريقة النضال السياسي .
تبرز " الجمهورية " أن أفلاطون كان يفضل مخاطبة الشباب . دعونا نذكر بأن قضاة سقراط حكموا عليه بالموت لكونه " أفسد عقول الشباب " . في الواقع ، لاسيما أن تلك الإدانة تبين محاولة تخليصهم من الامتثالية ، من التقاليد ومن العالم كما هو . يقدم العالم الحديث نفسه كمكان لكل الحريات ، على أنه في الواقع يفيض بالقوانين المكرهة . بالتأكيد ، في فرنسا ، لا وجود لملك ، غير أن قوانين السلطة ، حرية التصرف المالي والأجارة تسوس أحيانا حياتنا وتملي علينا ما هو ممكن أو مستحيل فعله . بالنسبة لسقراط وأفلاطون أنه بواسطة عمل الفكر ، عبر قوة عقلنا نستطيع التحرر من تلك القوانين . إن الحرية الحقيقية ، هي القدرة على ابتكار الذات عينها ما هو ممكن . دعونا نقول أن تحقيق ما ألزمنا أنفسنا القيام به ليس سيئا للغاية ، بيد أن الغاية الفلسفية هي توسيع هذا المجال وأن يجد المرء نفسه قادرا على ـ مسبقا ـ على ما كان يستحيل علينا ، يشكل هذا خلاصة لتعريفي للسعادة .

ــ
1 ـ " جمهورية أفلاطون " ، ألان باديو ، دار نشر (فايار ، 2012 ).
مصدر النص : مجلة L’observateur ) ( الفرنسية في عدد ممتاز رقم 101








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رابعة الزيات تثير الجدل برا?يها الصريح حول الحرية الشخصية لل


.. مقتل هاشم صفي الدين.. هل يعجز حزب الله عن تأمين قياداته؟




.. قراءة عسكرية.. كيف يدير حزب الله معركته بعد سلسلة الاغتيالات


.. نشرة إيجاز - مصدر أمني للجزيرة: فقدان الاتصال بصفي الدين




.. صفارات الإنذار تدوي في حيفا مع إطلاق صواريخ من لبنان