الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظلم مؤذن بخراب العمران

الحجاري عادل

2019 / 6 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الظلم مؤذن بخراب العمران.


إن الرجوع إلى مصادر التاريخ الوسيط خصوصاً الغرب الإسلامي، نجده زاخر بالمعلومات والدقة والتحليل للأحداث، إذ جاز التعبير أن بيئة الغرب الإسلامي في العصر الوسيط كانت في أوج الإزدهار والإشعاع الحضاري والفكري والفني، رغم ما عرفته حضارة المرابطين والموحدين من قوة جذب واحتكاك بالضفة الشمالية للحوض المتوسط، فكان لابد أن يضفي عنصر الدين طابعه الخاص عن طريق الجهاد والدعوة إلى نشر الإسلام في الأندلس.

لكن هذا التاريخ لم يبقى على حاله، بل عرف سلسلة من الركود والإنحطاط وهرم الدول، ناهيك عن اغتصاب الحكم عن طريق العصبية القبلية أو التهديد بالحرب، هذا ما نلمح إليه من خلال أوضاع الغرب الإسلامي في ظل تفكك دولة الموحدين، وما تلاه من نكسة كبرى ليس في الغرب الإسلامي فقط بل وحتى الأندلس، ويمكن الإقرار أن هذا التفكك لم يكن وليد سلالة جديدة في الحكم وإنما تغيير وتقلب في الأوضاع بالجملة، وهذا راجع إلى ظهور دولة بني الأحمر في غرناطة، واستبداد دولة بني حفص في المغرب الأدنى ، هذا الإستبداد عجل بدولة بني عبد الواد أن يبسطوا سلطتهم على المغرب الأوسط، وظهور دولة بني مرين في المغرب الأقصى.

إن هذا التفكك هو وليد لحظات حاسمة من انتشار المد المذهبي، وهو ما تمثله الكيانات والدويلات التي انحدرت من المشرق لتستقر في المغرب، اعتبارا لعوامل غرس الثقافات والإحتكاك بحضارات الغرب الإسلامي، ونفس الشيء ساد الإعتقاد أن الصراع على السلطة والنفوذ اخذ يؤتي أكلها، مما ترتبت عنه نتائج كادت أن تقضي على الدويلات التي تحكم في الغرب الإسلامي حكم العصبية والدين والمال على حد تعبير ابن خلدون.

كما أن الرجوع إلى عنوان الموضوع، لابد أن يكتسي طابع الشاهد على التقلبات التي سادت في بيئة الغرب الإسلامي القرن ( 8ه- 14م)، وهو قرن التبدل والتغير بالجملة الذي أحصاه ابن خلدون في ثلاث أحداث كبرى وهي على وشك سقوط دولة المرينين في المغرب الأقصى كالطاعون الجارف ونكبة القيروان وهزيمة العقاب، هذا فضلا عن توافد قبائل بني هلال وبني سليم من المشرق لتستقر نهائيا في الغرب الإسلامي، ويبدوا أن التوافد المشرقي لم يكن منتظما رغم ما ميز طابعهم الصوفي الإشراقي الذي يميل كثيراً إلى الإنفراد والطمع في السلطة والمال، وجعل الرعية تعاني من شتى أنواع الظلم والقهر.

ودون أن نتطرق إلى مصدر مهم من مصادر تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط، لابد أن يعزي حضور الظلم فيه أكثر بكثير، وفي كتاب "مقدمة ابن خلدون"، نجد صاحبه الذي لم يبخل عن استطراد الأحداث التي عاشها وحللها وقام بوصفها بدقة وموضوعية، حيث يشير إلى أن الظلم بقدر ما كان منتشرا في المشرق طيلة عصر الأمويين والعباسيين ومن بعدهم، فإن انتشاره يواصل تدريجياً نحو المغرب ليقع عدوان على الرعية ويقول "
واعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بأمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم"، وهو ما يعني أن التوافد المشرقي يتسم بطابع العدوان وانتهاب المال فليس لهم ما يعمرون شمال افريقيا سوى الركون إلى الإسراف واللذة والسيطرة على تجارة الأهالي، ويقول "فإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت ايديهم عن السعي في ذلك وعلى قدر الإعتداء".

وبقدر ما كان اعتداءهم شديد، كانت منافستهم في التجارة كثيراً وهي مضرة بتجارة أهالي المغرب لأقصى في العصر المريني، حيث كانت القوافل تعول بانتظام وأرباح وافرة، وهي تسري نحو الصحراء والساحل، لكن في أوج الظلم والعدوان لم يكن للرعية إحلال التجارة سوى الكساد ومغادرة البلاد طلبا للرزق، وأنه لا حل لبقاءهم وعيشهم تحت حماية سلطان ظالم، ويقول "فكسدت اسواق العمران وانتقضت الأحوال وابذعر الناس في الافاق في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكن القطر وخلت دياره، وخربت أمصاره واختل باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنها صورة العمران تفسد بفساد مادتها ضرورة"

يرى ابن خلدون أنه لا سبيل للعمارة إلا بالعدل لأنه الميزان المنضوب بين الرعية وضعه الله تعالى، وأنه من شأن العمران هو تحصيل التعاون والعمل والجهد، فقد كانت العمارة في الغرب الإسلامي منتشرة وهي في أوج الإزدهار قبيل توافد المشارقة، وفي عز حضورهم لم يبقي من أرباب الخراج والعمران سوى الضياع حيث يقول " فانجلوا عن ضياعهم وخلوا ديارهم واووا الى ما تعذر من الضياع فسكنوها فقلت العمارة وخربت الضياع وقلت الأموال وهلكت الجنود والرعية".

لم ينتشر الظلم في ربوع شمال افريقيا، ولم تخرب أمصاره، ولم تهدم معالمه إلا في حالة الحروب والفتن، ثم إن الحرب الذي خاضه المرينيين هو دفاع عن تحصين حدودهم، ونفس الشيء يقال عن الفتن المنتشرة فهي من شيم الوافدين الذين انصهروا في دولة بني مرين وبني زيان، وهو ما نشأ عنه ظلم وإجحاف وقحط دام لسنوات، ويؤكد ابن خلدون قائلا " وما ينشأ عن الظلم من فساد العمران وخرابه وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري"، كما أن المقصود بانقطاع النوع البشيري يشير إلى أن السكان الذين عمروا افريقيا لم ينشأ فيهم لا ظلم ولا ظالم إلا في أوج الإمتداد والتوافد المشرقي، وقد نشأ عنه اسراف وطمع وتهميش لكافة أصناف العلوم التي نشأت في إفريقيا لما فيها من اصول الشرع.

ولما كان الظلم مؤذنا بانقطاع النوع البشري لما ادى اليه من تخريب العمران كانت حكمة الخطر فيه موجودة فكان تحريمه مهما وهذا دليل مما ورد من القرأن والسنة، وبذلك يكون من اشد الظلم وأعظمها هو "فساد العمران، وتكليف الأعمال وتسخير الرعايا بغير حق" ، وغير ذلك من الأعمال التي تأتي من قبيل التمولات، وهي أعمال لم تنتهي لحد الأن لما فيها من سخرية ورشوة وغش وغير ذلك في كثير من الأحيان، واستطرد قائلا" فإذا كلفوا العمل في غير شأنهم واتخذوا سخريا في معاشهم تم بطل كسبهم واغتصبت قيمة عملهم"، وقد يقع بينهم الضرر ويذهب لهم الحظ كبير لما كان معاشهم بالجملة، حيث فسد آمالهم في العمارة وقعدوا عن السعي فيها جملة فأدى ذالك الى انتفاض العمران وتخريبه.

استخلاصا مما سبق ذكره، وانطلاقا مما وصفه ابن خلدون، يمكن القول أن الظلم الذي يؤذن بخراب العمران، ليس هو الشاهد على عمران مجتمع الغرب الإسلامي في العصر الوسيط فقط، بل هو حاضر لحد الأن وهو الواقع مما ساد في بيئة ابن خلدون ( ق14)، ويتماشي مع البيئة التي نعيشها نحن (ق21)، فإذا كان ابن خلدون يرى في قبائل بني هلال وبني سليم العربية دور بارز في ظهور الظلم وتفشي المرض وتقلب الأحوال وأفول حضارة القوة والغلبة، فإن ذلك حاصل لما هو عليه الأن من وفود الدبلوماسية القرشية السعودية ومعها سرب من جواسيس الإمارات ومصر، وما يحصل من تغيير بعد ثورة تونس ومصر والسودان وليبيا، تحولت الى ثورة مضادة اعتبارا لعوامل التدخل الشرقي الذي يعيث بين البلاد والعباد أكثر ظلما وفسادا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن