الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والدين

صاحب الربيعي

2006 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك قدر من التشابه بين منظومة القيم لثقافة والدين، فكلاهما يحتكم لمنظومة قيم الخير والشر في إصدار الأحكام والقيام بالمهام، لكن في الأولى يُخضع المثقف الأحداث والأزمات والظواهر الاجتماعية لمنظومة العقل بغرض الكشف عن مسبباتها لطرحها على شكل الأسئلة تبحث عن الحلول. في حين الثاني يحتكم للأقدار والأحكام الميتافيزيقية في إصدار أحكامه وتفسيراته، للأحداث والأزمات والظواهر الاجتماعية.
من هنا جاء التعارض، فالمثقف يرى الدين عبارة عن نظام روحي هام لضبط سلوكيات وممارسات البشر غير الشرعية وتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع، فسلطة الدين لها فعل أكبر من سلطة القانون الوضعي في ضبط سلوكيات وممارسات البشر غير السوية.
ويعارض المثقف بعض الأحكام والنصوص الدينية المتعارضة مع الواقع المعاصر لما تسببه من إعاقة لسُبل التقدم والتطور الاجتماعي، ويطالب بتعطيلها ليكون الدين أكثر انسجاماً مع الواقع المعاصر. كما يطالب المثقف بفصل الدين عن الدولة، لأن الأول من خاصة السماء والبشر والثاني من خاصة البشر والدولة.
ولايجوز إقحام الشؤون الروحية بالشؤون الدنيوية تحاشياً لتداخل سلطاتهما أو تعارضها، فالوطن للجميع وبغض النظر عن الدين والعرق والجنس، والدين من خاصة كل مجموعة فيه لأنه معتقد روحي بين إنسان وربه، وتشكل كل المجموعات سكان الوطن ومسؤوليتهم تقع على عاتق الدولة.
إن المثقف الحقيقي هو الذي يؤمن بالرأي والرأي الأخر وبحرية الأديان وممارسات الشعائر والديمقراطية...وبكل الآراء التي تحرر الإنسان من التبعية والاستبداد، فإن كان الدين مشرعاً للوحدة وليس للتفرقة في المجتمع (وهو كذلك في مبادئه الصحيحة) أصبح ركناً أساسياً من السلطة العليا في المجتمع وبالتالي عنصراً فعالاً في بناء الدولة المعاصرة.
وبخلافه فإنه يتعارض ومهام الدولة الراعية للشؤون الدنيوية للبشر التي يجب أن تنأى هي الأخرى بنفسها عن التدخل في شؤون الدين، باعتباره الراعي لشؤون البشر الروحية وخارج عن مهامها الأساس.
يعتقد ((روسو))"لايكفي أن يكون للأمة دين، وأنما يجب أن تتحد قيم الدين في عقول البشر مع قيم الحياة الاجتماعية وألا تسبب الدين في شق وحدة الإدارة العامة. إذ لايكفي أن يعمل الدين على تنشئة وصناعة البشر الصالحين، وأنما يهتم بشكل أساسي بصناعة وتنشئة المواطنين الصالحين وبذلك يقع على الدين مسؤولية مواجهة الأهداف الاجتماعية التي تؤكد وحدة الدولة ليجد مبرراً لوجوده في دعم هذه الوحدة".
إن الدين الساعي لبث الفرقة وإثارة النعرات المذهبية بين البشر، يسهم في خلق الفوضى والاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي لانتهاك حقوق وممتلكات الأفراد والجماعات. وبهذا يجعل الدين من نفسه جهة تعارض مهام وتوجهات الدولة الراعية لحقوق وأرواح وممتلكات المواطنين. فسعير الصراعات المذهبية بين المجتمعات في العالم أسفرت عن حصد أرواح الكثير من البشر، وتسبب بالمزيد من الخسائر في الممتلكات وأضعفت هيبة الدولة.
ومن مهام المثقف الحقيقي التصدي لتلك التوجهات الداعية لإقحام الدين في السياسية بغرض إثارة الفتن والنعرات المذهبية لإضعاف الأواصر والوشائج بين البشر، فالمثقف يفهم مبادئ الدين على أنها مبادئ تدعو للوحدة والسلام والمحبة بين البشر ويتصدى لمساعي وعاظ السلاطين الذين يتخذون من الدين متراساً لإطلاق النار على المخالفين لهم من فئات المجتمع.
يعبر ((محمد مهدي الجواهري)) عن تلك الفتن والنعرات بين المذاهب قائلاً:
"لاتنسَ أنك من أشلاء مجتمع.........يدين بالحقد والثارات والخطل
يستفز اليوم أمس على غده...........على المذاهب والأديان والنحل".
وبما أن المثقف الحقيقي ينتمي للسلطة العليا في المجتمع، فإنه يجد من مهامه التصدي لكل التوجهات (السياسية، الدينية، والاجتماعية) الداعية لاستغلال العامة من الناس وزجهم في صراع دموي من أجل تحقيق أطماع فئة خاصة وعلى حساب مصالح المجتمع. كما أنه يفهم مبادئ الدين الحقيقية على أنها مبادئ محبة وسلام وخير للبشر لا مبادئ للفرقة والشقاق والتناحر بينهم. وحين يتصدى المثقف لتلك التوجهات غير الإنسانية فإنه لايتصدى للدين ذاته، وأنما يتصدى لوعاظ السلاطين الذين نصبوا من أنفسهم وكلاء الله في الأرض لتحقيق مصالحهم الذاتية!.
يلخص ((عبد الحسين الأزري)) تلك الحالة من الشقاق في بيت من الشعر قائلاً:
"جرَّ الشقاق علينا كل نائبة.........فلم يعد معه صبر ولا جزع".
وصفوة القول أن المثقف الحقيقي ليس معارضاً للدين، وأنما معارض لتوجهات القائمين عليه الساعين لحرفه عن مبادئه الصحيحة الداعية للحب والسلام والخير بين البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 158-An-Nisa


.. 160-An-Nisa




.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا