الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همسة اليوم: أكمل..يكمل لك الله!!

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2019 / 6 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


همسة اليوم: أكمل..يكمل لك الله!!

بقلم: د/ محمود محمد سيد عبد الله - أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية المساعد/المشارك (كلية التربية - جامعة أسيوط - مصر)

هناك نوع من البشر (طلاب - باحثين - أو حتى معلمين) قد تصادفه كثيرا (خصوصا هذه الأيام) يريد أن يحصل على الدرجة العلمية المتقدم لها أو يجتاز مقررا من المقررات (بتقدير مرتفع) دون بذل مجهود يليق بهذه الدرجة أو هذا المقرر (وأحيانا دون بذل مجهود يذكر!)..هذا النوع من الناس محير للغاية ولديه قدرة عالية (وغير عادية) على التبرير والسفسطة والجدال واختلاق الأعذار وأحيانا خلط الأوراق! فيخلطون ما بين العلم والدين والظروف الشخصية والحالة المادية والأحوال السياسية (وأحيانا الرياضية)..وجاهزون دائما للحديث وفقا لمقتضيات الموقف وبالطريقة التي يحبها ويحبزها الأستاذ وبالمدخل الملائم They always dance to your tune

فإن دخلت معه في جدال علمي (موضوعي) محترم، فغلبته علميا بحجج منهجية وأكاديمية واضحة وقوية وأحيانا موثقة من مراجع وكتابات لها وزنها في المجال، يغير المسار فيتحول في توه إلى جدال ديني/عقائدي كي يغطي على ضعفه العلمي وتدني قدراته الأكاديمية؛ فتسمع منه عبارات من قبيل: "معلهش علشان خاطر ربنا" - "الدين يسر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها" - "الظلم حرام" - "يا بخت من قدر وعفي" - "إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك"..إلخ من هذه العبارات الرنانة المحفوظة التي نسمعها كثيرا من الطلاب والباحثين (فقط في بمصر) ةلكن في غير موضعها - وكأننا كفرة ملحدون أو طغاة متجبرون أو فراعنة مستبدون نستعبد الناس ونكلفهم فوق طاقتهم أو مرضى سيكوباتيون معدومي الضمير (نتلذذ ونستمتع بتعذيب الناس وتعقيد الأمور والضغط عليهم)!!

فإن غلبته في المسار الديني بحجج قوية من قبيل: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" - "الإسلام يأمرنا بالتوكل على الله لا الكسل والتواكل" - "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" - "اطلبوا العلم ولو في الصين" - "الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - استعاذ بالله من الكسل..كما أنه حث على العمل وكسب الرزق الحلال بيدك، وليس أدل على ذلك من قصة الرجل الذي جاءه يشكي الفقر والعوز والحاجة، فصنع له فأسا أو قدوما وأمره أن يحتطب خير له من سؤال الناس، فأعطوه أو منعوه"..كما أن الدين لم يفرض على المعلم أن يكتب شيئا بدلا من المتعلم أو أن يجامله أو يعطيه شيئا (وضعا أو تقديرا أو درجة أو ...إلخ) لا يستحقه أو أن يميزه - لأي سبب - عن أقرانه أو يعامله معاملة خاصة (إلا إذا اقتضت ظروفه النفسية أو الشخصية أو الطبية أو...إلخ) وفقا لتقارير أو شهادات رسمية مثلا، ولكنه حرم التكاسل والإهمال (من جانب المتعلم) وكتمان العلم (من جانب المعلم)..وحرم الضغط على الناس واستغلال ظروفهم بأي شكل من الأشكال..كما حرم التعامل البذيء وإهانة الناس أو تجريحهم..

فإن لم يقتنع، قد لا تجد حرجا من أن تسرد له آلاف القصص عن عن الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين والعظماء والعلماء والأدباء التي تؤكد على بذل الجهد (خاصة في طلب العلم) والتي تؤكد على وجوب تحمل المعلم وطاعته وأداء ما يكلفه به حتى يستفيد التلميذ ويساعد أستاذه (ويشجعه) على إخراج أفضل ما لديه من علم وخبرات عديدة في مجال تخصصه..فتروي له مثلا قصة عن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) - وهو أحد اكتاب الوحي - تبين كيف أنه كان يحث على طلب العلم وويتعلم من أخطائه - بل ويقر بخطئه (أصابت إمرأة وأخطأ عمر!)..وقصة السرخسي (أحد العلماء المسلمين) الذي كتب كتابا (المبسوط) - وهو أكبر كتاب في الفقة الحنفي مطبوع في ثلاثين جزءاً - في ظروف صعبة للغاية (كان محتجزا - أو مسجونا - في قاع بئر)..وكيف أن عميد الأدب العربي الدكتور/ طه حسين - بالرغم من كونه ضريرا - التحق ودرس بواحدة من أفضل جامعات العالم (جامعة السربون بفرنسا)..وقصص من واقعنا المحلي البسيط عن علماء وأدباء وشعراء وعظماء مصريين لما بلغوا من العلم والرقي مبلغا كبيرا، لم ينسوا أصولهم (الريفية) البسيطة أو يتبرءوا منها (مثل طه حسين)، بل ورووا في بعض كتاباتهم وسيرهم الذاتية قصص كفاحهم والظروف الصعبة التي مروا بها وتحملوها وتعايشوا معها في طفولتهم وصباهم، فأتذكر أني قرأت لأحدهم مقالا أو كتابا يذكر فيه أنه كان يقضي الساعات في برد الليل القارس تحت أعمدة الإنارة في الشارع الذي يسكن فيه لاستذكار دروسه!! وأقول له أين نحن من هؤلاء؟؟ أليست ظروفنا أيسر وحياتنا أسهل منهم بكثير..يكفي أن لدينا الآن شبكة معلومات نحصل منها على ما نريد في أجزاء من الثانية بضغطة زر (أو بلمس الشاشة)!! لقد ألفنا النعمة والرفاهية حتى توقفنا عن شكر الله وتعلمنا الكسل والتواكل والإهمال!!

فإن غلبته في ذلك أيضا، طرق طريقا آخر: "الإبتزاز العاطفي" Emotional blackmailing فتنهال عليك التوسلات والإستجداءات من قبيل: "معلهش علشان خاطر عيالك ربنا يكرمهم ويوفقهم ويحفظهملك" - "أنا عاملة عمليتنين جراحيتين ورا بعض ومش قادرة أشتغل في حاجة" - "أنا العيال مطلعين عيني" ...وغيرها من الظروف والأعذار التي قد نعاني منها أيضا نحن كملعمين أو أساتذة أو مشرفين - وأحيانا قد تكون لدينا أضعافا مضاعفة، ولكننا نكتمها ولا نتحدث عنها (كما تعلمت من الإنجليز) فلكل مقام مقال..وطالما أننا في جلسة علمية، لا ينبغي أن نتفرع فيها أو نتطرق إلى تلك الأمور حتى لا يضيع الوقت فيها..وهذا الأسلوب - إن دل على شيء - فإنما يدل على الإفلاس والضعف وانعدام الثقة وتدني طريقة التفكير ومعالجة الأمور..

وأخيرا أختم بقصة طريفة حدثت معي من فترة كبيرة في أحدد مقررات اللغة الإنجليزية..فأثناء تصحيحي لأحد الإمتحانات فوجئت بورقة إجابة فارغة تقريبا إلا من بعض الكلمات التي توحي أنها بلغة أجنبية..واضح من شكلها أن صاحبها لم يحضر المحاضرات أو يهتم بالمقرر أو يستوعب شيئا على الإطلاق..فلما وجد أنه متعثر ولا يستطيع إكمال الإجابة الصحيحة، لعب على وتر الدين، فكتب لي عبارة لم (ولن) أنساها ما حييت: "أكمل..يكمل لك الله"..فتبسمت ضاحكا (من قوله) وقلت في نفسي: "عبارة جميلة، ولكن ليست في موضعها أو محلها! لقد خلطت الأمور يا هذا..فإن أكملت لك إجابتك، فعلي أن أفعل نفس الشيء مع باقي الأوراق وأكتب لهم جميعا الإجابات الصحيحة التي لم يتوصلوا إليها..وهذا امتحان لمقرر وليس نشاطا في جمعية خيرية..ولا أعتقد أن الله سيكمل لي شيئا إن أكملت لك إجابتك..واجتزت مقررا عن غير استحقاق أو جدارة مثل زملائك..وبالتالي، سيكون ما أفعل - ولن أفعله طبعا - حراما..لا يرضي الله ورسوله..بل سيعاقبني عليه ربي..ولن يكافئني عليه - كما تتصور"!!
خالص تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل