الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصّيام في الإسلام بين الوجوب والاختيار ..هل التّأويلات الحاصلة ضحيّة استيعاب لغوي؟

إيمان كاسي موسى
باحثة في علم الاجتماع وفي اللّسانيات.

2019 / 6 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الصّيام في الإسلام بين الوجوب والاختيار ..هل التّأويلات الحاصلة ضحيّة استيعاب لغوي؟

أحدثت قضيّة وجوب الصّيام من عدمه في الإسلام جدلا واسعا مؤخّرا بالجزائر بعد طرح الموضوع من قبل أحدهم، وممّا لوحظ من ردود الأفعال التّعاطي العصبي مع الموضوع من جهة والتّعاطي المتسرّع من جهة أخرى. ومن المساهمات المتوفّرة للبتّ في القضيّة، تبرير الوجوب من قبل أحد الشّيوخ -أخذا عن التّراث- بالقول إنّ لفظ "يطيقونه" الأصل فيه "لا يطيقونه" بما يترك نقاط استفهام عديدة في الذّهن. هذا من دون الحديث عمّن لجأوا إلى قضيّة النّاسخ والمنسوخ، ممّا يعمّق حجم الإشكال.

وبعد الّذي آل إليه الوضع من طروحات فيها ما يقال منهجيّا، وفتح الباب للغط الكثيرين ممّن أخذوا يفصّلون في الإشكالات النّابعة من فهم خاطئ أساسا، وجب التّنويه إلى ما تمّ إغفاله من طرفي الخلاف على حدّ سواء؛ لا سيّما أنّ القضيّة انتقلت، فيما بعد، إلى درجة وصف كلام الله بالمتناقض في الحالتين، في حين أنّ القصور لم يتعدّ حيّز فهم الأشخاص. فمساهمتنا هذه تخاطب العقل، من باب عدم كتمان ما أنزل من البيّنات، ولا نلزم بها سوى أنفسنا.

باختصار، لمّا نقرأ قوله تعالى بعقل وازن، نجد أنّ الصّيام واجب بصريح الآيات الكريمة من سورة البقرة (الموجودة أدناه)، وما عبارة "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " إلّا تتمّة مباشرة لقوله تعالى "فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" وليس للحالات العاديّة البعيدة عن التّخصيص.
ورد التٍّرخيص بحقّ المرضى والمسافرين، ثمّ مباشرة تلاه "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" بحكم أنّ هناك مرضى ومسافرين يطيقون الصّيام رغم المشقّة، وإلّا ما محلّ العبارة الموالية "فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ"؟ ولماذا ورد الفعل "تطوّع" بالذّات؟

أليس من الإخلال بالفهم جعل الفعلين "كتب" و"َفلْيَصُمْ" والفعل "تطوّع" على نفس المستوى بعد عبارات صريحة في الوجوب تضمّنتها الآيات رقم 183 و184 و185 من سورة البقرة؟
كذلك، نجد العبارة الموالية "فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ" أين يشدّنا لفظ "خيرا" الّذي يحيلنا إلى الصّيام الّذي لا يؤثّر سلبا على المريض والمسافر، باعتبار أنّ الحالة العكسيّة واردة. والتطوّع منوط بصيام المريض والمسافر القادرين على ذلك رغم المشقّة ودون ضرر بحكم العبارة المكمّلة والموالية "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون"، وليس للحالة العامّة.
فلو لم يكن الصّيام واجبا، لما ورد القضاء المستقبلي لمن استفادوا من التّرخيص في قوله تعالى " فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"، ولما أضيفت الفدية على عاتق المطيقين من أصحاب التّرخيص "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ". وفوق ذلك، لماذا نجد أفعالا إلزاميّة للصّيام وإتمام العدّة بصيغة الأمر في الآية 185 من سورة البقرة؟ "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ". وهل يحلّ الجمع بين الأمر بالصّيام وإتمام العدّة وبين التطوّع والفدية لمن يطيقونه من الحالات العاديّة؟ وهذا، في المقارنة، مثله مثل المساواة في الفهم بين "يطيقونه" و"لا يطيقونه" !

إنّ سبب كتابة هذه الأسطر ليس بدافع إثبات وجوب الصّيام بقدر ما هو توضيح موضوعي ومنهجي للالتباس الحاصل في استيعاب مفاد الآية 184 من سورة البقرة ودفعا للتّساؤلات العالقة بصفة منطقيّة. فالانحراف المفاهيمي الحاصل وقع فيه سواء أتباع الوجوب أو الاختيار من الأقدمين والمحدثين، ممّا ترك ثغرات عديدة امتدّت بالمتأثّرين بالطّروحات المتوفّرة لحدّ التّشكيك في القرآن نفسه وفي تدوينه، وهو الّذي لطالما أثبت منهجيّا ولغويّا ومنطقيّا، بأنّه "لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (سورة فصّلت/ 42). وممّا نأسف له هو أنّ الخلل المتوارث في الفهم والتّأويل مسّ، بطبيعة الحال، التّرجمات أيضا، فأضحى الأجنبيّ بدوره عرضة لتبعات فهم متناقض قد لا يحترم عقله.
باسم الله الرّحمن الرّحيم
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)" صدق الله العظيم. سورة البقرة (183/184/185/186).

إيمان كاسي موسى
باحثة في علم الاجتماع الدّيني واللّسانيات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اختراعات
بلبل ( 2019 / 6 / 16 - 10:11 )
لا وجود لصيام ولا لصلاة كلها اختراعات بشرية ويحاول البشر الذين بداوا يستعملون عقولهم في التخلص من هذه الاوهام فقط اصحاب العقول الحجرية من يستمرون في التصديق وممارست الوصايا على البشر ليستموروا في ممارست هذه الطقوس المقيتة

اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا