الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بشتاشان ذاكرة التاريخ

خالد صبيح

2006 / 5 / 7
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في الأول من ايار أبّن الأنصار الشيوعيين وأصدقائهم، في غرفة المحادثة ينابيع ـ على شبكة الانترنيت ـ شهداء معركة بشتاشان التي تصدى فيها أنصار الحزب الشيوعي العراقي قبل ثلاث وعشرين عاما لعصابات الاتحاد الوطني الكردستاني التابعة لجلال الطالباني (رئيس جمهورية العراق الحالي) المتعاونة والمسنودة مع/ ومن قوات النظام ألبعثي ( ألصدامي) حينذاك، في معركة غير متكافئة اتسمت بالغدر( وليس المباغتة) وروح الحقد العنصري.

وما ميز تأبين هذا العام، وهو الثاني، هو التنظيم الجيد والإعداد والتهيئة المناسبين، وهو أمر افتقده تأبين العام الماضي، الذي شكل المحاولة الأولى ، شبه الرسمية ، لإخراج ذكرى هذه المعركة من زاوية النسيان المراد ، لأسباب سياسية انتهازية ، حشرها بها. إذ شاب ذاك التأبين نوع من الارتجال والبكائية التي لاتليق لا بالمؤبنين ولا بالشهداء.

ولأجل أن يخرج التأبين لهكذا مناسبة كبيرة، لها أبعاد وامتدادات متشعبة طالما كانت تثير إشكالات سياسية وفكرية، من المحدودية العاطفية( البكائية) كان ينبغي عليه بالضرورة الدخول، فضلا عن الذكريات الشخصية التي لاينبغي، برأيي، أن يفارقها المرح الضروري الذي طبع شخصية غالبية الشهداء، في دائرة المتابعة التاريخية للحدث والتي لامفر لها من تناول الخلفية السياسية والظروف العملية التفصيلية المحيطة به. وهذا ماحاول مديرو التأبين الوصول إليه من خلال تقديم عرض للمقدمات السياسية والظروف العسكرية التي تزامنت وواكبت تلك الواقعة. الا أن العرض الذي أحاط إحاطة جيدة بالموضوع تغاضى، ولأسباب لا تخفى، عن ذكر أهم عنصر في معالجة أي إشكال أو مأزق يقع فيه أي حزب أو قوى سياسية وهو القصور والأخطاء الذاتيين. فقد لوحظ إن من كان يدير جلسة التأبين أراد أن يبعد النقاش عن هذه النقطة مما أوقع بعض الإرباكات. صحيح أن هناك من يريد توظيف هذه المناسبة البطولية لإغراض سياسية بعيدة عن جوهر ما يجب تذكره ومناقشته،ـ وهو أمر لم يقع على أية حال ـ الا أن ذلك لاينبغي أن يمنع المناقشة الجادة للموقف للخروج بنتائج ستعمق الوعي بطبيعة الواقع السياسي المحيط بنا وتوسع أفق رؤيتنا للمستقبل.

وبالتأكيد إن إحياء ذكرى هذه المعركة وشهدائها هو أمر ايجابي يجب أن يدعم وان يحول إلى تقليد ثابت، وهي ممارسة ليست غريبة على الشيوعيين العراقيين فقد
اعتادوا على إحياء ذكرى شهدائهم ووقائع نضالهم البارزة، كما أنها ممارسة ذات أبعاد تعبوية وتربوية جيدة لأي حزب سياسي يهمه أن يكون قريب من جمهوره الحزبي، فجميع الأحزاب تفاخر عادة بتضحياتها وبطولاتها. لكن المفارقة هي أن الساكت الوحيد من بين المعنيين بإحياء هذه المناسبة ، بل المعني الأكبر بها، كان الحزب الشيوعي العراقي. فقد صمت الحزب كعادته متجاهلا هذه المناسبة ولم يقدم أي إشارة، ولو بكلمة عابرة، عنها في منابره الإعلامية العلنية. والاكثر من هذا إن الموقع الرسمي للحزب الشيوعي العراقي( الطريق)، وفي مفارقة لافتة، لم ينشر لأحد كتابه ممن اعتادوا النشر فيه مقالا(نشر في مواقع اخرى) يحيي فيه ذكرى احد شهداء بشتاشان من الكوادر الحزبية المميزة( الشهيد كاظم طوفان ). ودليل الامتناع هنا منطقي بحت فهل يعقل أن لا ينشر هذا الكاتب مقاله عن شهيد شيوعي مهم في موقع للحزب الشيوعي اعتاد النشر فيه؟!!.

إن مناقشة مايمكن أن يكون أسبابا لصمت الحزب الشيوعي العراقي تتطلب توسعا لا يتسع له المقام هنا. الا انه ينبغي التنبيه إلى أن الحزب، ومن خلال فهمنا لممارساته التنظيمية والسياسية، وبتقصي دواعي صمته المريب، يمكن أن يسعى في المستقبل للحيلولة دون استمرار إحياء هذه الذكرى في كل عام أو حصره، في أسوأ الاحتمالات، في الدائرة المحدودة الضيقة بين الأنصار القدامى وبمحافل محدودة ( غرف المحادثة مثلا) على أن لاتتبعه إجراءات وخطوات عملية كإصدار بيانات وحملات توقيع وماشاكل تؤدي إلى إحراج تحالفاته المزمنة.

لا يغفل المطلعون على خفايا وخلفيات الوضع في الحزب الشيوعي العراقي عن إن مسعى تناسي أو نسيان هذه الذكرى لاينطوي على قلق تحالفاتي فقط وإنما يتعلق بخوف حقيقي من إثارة إشكالية مسؤولية الحزب وقيادته آنذاك، التي تشكل القيادة الحالية امتدادا عضويا لها، في إدارة المعركة ومعالجة آثارها. لان هذا سيفتح، وباختصار، بوابة ستقلق وضع الكثيرين. لهذا يتوقع أن هناك نوع من القبول والحث الخفيين لأطروحة نسيان الماضي وغلق هذا الملف. وهذه ألأطروحة حين كتبت لقيت قبولا لدى الحزب(نشرت دون غيرها في موقع الناس المقرب للحزب)، لكنها، رغم نزاهة من أطلقها، تبقى أطروحة غير موفقة لأنها انطلقت بشكل أساس من رؤية خاطئة أحالت الموقف من فكرة إحياء هذه المعركة وتفعيل ملفاتها إلى عقلية الثار وهو أمر بعيد تماما عن عقل وإمكانية من يهتم بتطوير شان هذا الملف. فالسعي لمعاقبة مجرم ليس ثارا وإنما هو إجراء لحماية المجتمع وأفراده وضمان لعدم تكراره، وإلا لاعتبرنا محاكمة صدام وجلاوزته هي أيضا ثار، وينبغي، وفق أطروحة النسيان، على من يسعى لعراق جديد أن ينسى أيضا مافعله هؤلاء بحق الآخرين لان الأرضية السياسية والتاريخية المليئة بسوء الظن والتي (سادت< فيها> لغة التخوين والاتهام والاستصغار) هي ذات الأرضية التي مارس فيها النظام ألبعثي جرائمه. ثم لماذا ينبغي على الشيوعيين دون غيرهم( من أجل إزاحة التراث الاستبدادي المتراكم عن بنية الفكر السياسي العراقي الراهن) نسيان الماضي بينما لم ينس رئيس البرلمان، مثلا، ماوقع في عام 1959 وما وقع آنذاك لايرقى، في أسوأ الاحتمالات، إلى مستوى جريمة بشتاشان؟.

كما إن معركة بشتاشان لم تكن معركة عادية خاضها وخسرها مقاتلون وطنيون ضد مرتزقة عنصريين لينتهي أمرها بالنسيان. فهي معركة حركت كوامن الوضع الداخلي للحزب الشيوعي العراقي وفتحت فيه بوابة التساؤلات المرة. لأنها استتبعت على خلفيتها داخليا ممارسات قمعية واسعة أدت فيما أدت إليه إلى تصفيات جسدية واعتقال وقمع ومصادرة لكل الحقوق الحزبية وغيرها للكثيرين، وهذا أمر مفصلي ومهم يتجنبه البعض بإصرار. وهي كذلك معركة لاتزال مفاعيلها السياسية وعناصر تحريكها قائمة سواء على شكل أفراد وتنظيم أو على شكل عقلية ونمط تفكير. ونسيانها وغلق ملفها سوف لن يؤدي سوى لاستمراء القتل والتصفية السياسية وتزكية لكل فعل إجرامي قادم ومستقبل العراق (يبشر!!) بأنواع من الفاشيات سيدوخ التاريخ في توصيفها. ثم إن تفعيل هذه الذكرى وتنشيط فعاليات هذا الاستذكار هما لدواع تستهدف توعية الجماهير واطلاع الرأي العام ونخبه بما يستبطنه أدعياء الوطنية والديمقراطية من ساسته الحاليين من عقليات القمع والكراهية العنصرية.
وأخيرا، وهو الأهم، كيف يغلق ملف لم يعالج أصلا؟

على الضفة الأخرى لهذا الموقف طرح بإلحاح وجدية في ذكرى إحياء هذه المناسبة، رأيا عمليا وهو إدانة الجريمة وتقديم مطالبة رسمية للطالباني، باعتباره المجرم الأول في هذه الجريمة، بالاعتذار وإنصاف الشهداء. وهذا موقف عملي يستحق الدعم ولكن هناك فاصلة مهمة فيه هي عدم قدرته على تحديد الجسد الحامل لهذه المطالبة، ودار نقاش حول من سيكون هذا الناقل أو الممثل، هل سيكون من المشاركين في التأبين أم من الأنصار وباسمهم، ولم يجرؤ احد على تحديد الجهة المسؤولة مسؤولية تاريخية وأخلاقية عن حمل هكذا مطالب وهي الحزب الشيوعي العراقي، على الأقل لأنها مطالب لمناضلين ولأعضاء في الحزب. وأكيد أن الجميع يدرك من أن حمل الحزب لهكذا مطلب سيمنحه( الحزب) مصداقية أمام أعضائه وأصدقائه، ويضيف ثقلا للقضية المثارة أمام الهيئات الاجتماعية والسياسية. لكن ماهو أكيد أيضا هو أن الحزب، في وضعه الحالي، سوف لن يحمل هكذا مطلب ولن يدعمه،هذا إن لم يحاول إعاقته. من جانب أخر، يعرف الجميع كذلك أن ليس هناك من يستطيع انتزاع اعتذار أو إنصاف للشهداء، نحن بكل الأحوال في غنى عنه، من الطالباني المحصن بلا أخلاقيته وبحزبه الفاشي وبالحماية الأمريكية، الا أن ذلك لاينبغي، برأيي، منع أصحاب الضمائر الحية والحريصين على بناء عراق خال من عقليات القمع والقسوة والعنصرية عن حمل ملف بشتاشان ووضعه أمام هيئات الرأي العام العراقي والعالمي وفي ذاكرة التاريخ.


5-5-2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح