الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التباس المفاهيم* والمصطلحات** أزمة الخطاب الإسلامي

عبد الحكيم الكعبي

2019 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المفهوم هو النواة الأولى لصناعة الأفكار، وبقدر وضوح المفاهيم والمصطلحات يكون وضوح الأفكار والعلوم التي تجسد بمجموعها مستوى الوعي المجتمعي، وبقدر الخطأ واللبس فيهما تحصل الأزمات الاجتماعية، ويشوش الفكر، وتتسع دائرة الخلافات الوهمية في حقول المعرفة، وبين ثنايا النسيج الاجتماعي. وهناك الكثير من الاختلافات في القضايا الاجتماعية، بما في ذلك القضايا الدينية، يرجع سببها إلى التباس المفاهيم وآليات الإبانة عن حقيقتها، كما أن صياغة المصطلح لا تقل أهمية عن وضوح المفهوم، إذ لا فائدة من سلامة المفهوم إذا لم يكن بإزائه مصطلح يعبر عن الحمولة المعرفية المناسبة لمقاسه.
# مثــــــــال:
ـ مفهوم (الإسلام) و (المسلم) في القرآن الكريم:
أول ما يلفت الانتباه في كثير من التفسيرات الخاصة بالآيات التي ذكرت فيها كلمات (الإسلام) أو (المسلمين)، في القرآن الكريم، أن معظم والمفسرين ذهبوا إلى تفسير هذه الكلمات على أن "الإسلام" هو الدين الذي جاء به الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونَشَرَهُ في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية، وأن المسلمين هم أتباع محمد (صلعم).
من الملاحظ أن هذا التفسير التقليدي القديم يتعارض مع السياق التاريخي للأحداث التي تذكرها الآيات، إذ كيف تأتي كلمة إسلام ومسلمين على لسان فرعون وإبراهيم والحواريين، على الرغم من أن هؤلاء جميعاً وجدوا وعاشوا وماتوا قبل ميلاد الرسول محمد (صلعم)، وقبل نزول القرآن الكريم وظهور الإسلام في الجزيرة العربية بقرون طويلة؟.
فكلمة "إسلام" في كثير من الآيات في القرآن الكريم لا تعني رسالة محمد (صلعم) فقط، وإنما تعني الخضوع لله سبحانه وتعالى، ودين التوحيد بالله أي الجزء الأول من الشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله)، فإذا أخذنا - مثلاً - الآية الكريمة في سورة آل عمران، وهي الآية التي كثيرا ما استغلها المتشددون والمغرضون في زرع الكراهية ونشر ثقافة العنف في عقول السذج من الناس، تجاه الآخر:
((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران 85).
كلمة "الإسلام" في هذه الآية الكريمة لا تعني فقط الدين الذي جاء به الرسول محمد (صلعم)، وإنما تعني مفهوم الإسلام لله سبحانه وتعالى والتسليم له ولإرادته، وتعني الدين الأول الذي عرفه الإنسان، دين الفطرة، منذ بداية التوحيد بالله، وهو الدين الذي جاء به إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى والأسباط وجميع الأنبياء والرسل أجمعين، وهو دين التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد، والخضوع له، والإيمان بالقدر والملائكة والكتب السماوية كلها، وأن الرسول محمد (صلعم) هو آخر كل هؤلاء الأنبياء الذين جاءوا يبشرون بهذا الدين وينشرونه، وإن محمد (صلعم) جاء ليكمل رسالاتهم جميعاً ويختمها، ويبلغ الإنسانية جمعاء، ما جاء في الآية الكريمة التي قبلها:
(( قُل آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (آل عمران،84).
ونجد هذا المفهوم نفسه في الآية الكريمة (آل عمران 64): ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))
فمن غير المعقول أن تكون كلمة "مسلمون" في هذه الآية تعني أتباع محمد (صلعم)، وإنما تعني أن يشهد أهل الكتاب بأنهم مؤمنون بالله الواحد الأحد، وأن تسليمهم لله كامل وأن خضوعهم لله خضوع تام.
كذلك الحال بالنسبة للآية الكريمة ((وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ))المائدة 111،
و ((فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (52آل عمران).

كيف إذن يشهد الحواريون أتباع عيسى أنهم مسلمون بالمعنى الدارج أي أتباع محمد (صلعم) من قبل أن ينزل الإسلام على الرسول محمد، ومن قبل حتى أن يولد محمد، وإنما معنى كلمة "مسلمون" هنا أنهم أسلموا وجههم لله وهم مؤمنون بالله الواحد الأحد.
نأمل أن تنتشر هذه المفاهيم لمصطلحي الإسلام والمسلمين، كما جاءت في القرآن الكريم، وفق تفسير عقلاني يكون ركيزة لحوار الأديان وقبول الآخر، وأساسا للتعامل السلمي بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان السماوية والعقائد المختلفة، سواء في بلداننا العربية أو في البلاد الأخرى.
ــــــــــــــ
* المفهوم: هو أصل الفكرة وعمقها الدلالي، ويركز على الصورة الذهنية.
** المصطلح: هو لفظ يعبر عن فكرة، ويركز على الدلالة اللفظية للمفهوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا