الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفسير البيبلي لسورة الإخلاص

جوزف قزي

2019 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سورة الإخْلاص
(112)

1. قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 2. الله الصَّمَدُ
3. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 4. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
أوّلاً - المعنى العام
1 . قال رسول الله: "مَن قرأ سورةَ "قل هو الله أحد"، فكأنّما قرأ ثلثَ القرآن، وأُعطي من الأجر عشر حسنات".
2 . وتُسَمّى بأسماء عديدة، لـ"أنّ كثرة الألقاب تدلّ على مزيد الفضيلة". فهي سورة التفريد، والتجريد، والتّوحيد، والإخلاص، والنّجاة، والصمَد، والنّسبة، والمعرفة، والمقشقشة، أي البرء من الشرك والنّفاق. وللرازي أكثر من عشرين اسماً.
3 . "هذه السورة، على ما يقول سيّد قطب، إثباتٌ وتقريرٌ لعقيدة التّوحيد الإسلاميّة". فهي تُثبت وحدانيّة الله، عقيدة الإسلام الأساسيّة؛ وبأنّه الصمَد، أي الذي لا يحتاج إلى سواه؛ وبأنّه لم يلد ولم يولد، ولم يكن مثله شيء.
ثانياً - المعاني التفصيليّة
آياتها : 4. كلماتها : 15. حروفها : 47.
1 . أحَد: "لفظٌ أدقّ من لفظ "واحد"، لأنّه يضيف إلى معنى "واحد" أنْ لا شيء غيره معه، وأن ليس كمثله شيء" (قطب). وقال الأزهري: "لا يوصف شيء بالأحديّة غير الله تعالى. فالواحد يدخل في الأحد؛ والأحد لا يدخل في الواحد. ثمّ إنّ الواحد يُستعمل في الإثبات، فيما الأحد يستعمل في النّفي. تقول: رأيتُ رجلاً واحداً. وتقول: ما رأيتُ أحداً.
2 . الصَّمَد: فريدة القرآن. تعني: "السيّد المقصود الذي لا يُقضَى أمرٌ إلاّ بإذنه.. والذي لا سيّد غيره. وهو المقصود وحدَه بالحاجات، المجيب وحده لأصحاب الحاجات" (قطب). وقال ابن عبّاس: "الصمد الذي لا جوفَ له... والصمد الشيء المصمد الصلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، وهو الغني عن كلّ شيء (ألخازن). وهو يشير إلى أنّ الله لا يشعر ولا يتألّم Impassible. إنّه ملآن من ذاته؛ لا يحتاج إلى سواه، وليس شيءٌ يخرقه أو ينال منه، أو يحرّكه Impénétrable، وغير منقسم.
3 . لم يَلد ولم يولد: لكأنّ هذه الآية جواب على مشركي العرب الذين قالوا: "الملائكة بنات الله. وقالت اليهود: عزيز ابن الله. وقالت النّصارى: المسيح ابن الله" (9 /30). هذا النّفي يتردّد في القرآن مراراً: "إنّما الله إله واحد. سبحانه أن يكون له ولد"(4/ 171)؛ و"أنّى يكون له وَلَدٌ ولم تكن له صاحبة" (6/ 101)؛ و"ما كان لله أن يتّخذ من وَلَدٍ. سبحانه" (19/ 25)؛ و"قل: الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً" (17/ 111)1.
4 . كُفُواً: فريدة القرآن. وهي تعبير آخر عن قوله: "ليس كمثله شيء" (42/ 11)؛ وقد بالغت البيبليا في فردانيّة الله هذه: "مَن مثلُ الرّب إلهنا !" (مز 113/ 5)؛ "ومَن في الغيوم يشابه الرّبَّ؟ أو مَن بين أبناء الآلهة يماثل الرّبّ؟"(مز 89 /7)؛ وإرميا: "لا نظير لك يا ربّ" (إر 10 /6)2.
ثالثاً - المعنى البيبلي
1 . لا شكّ في أنّ العقيدة الأساسيّة، الخالصة، في الإسلام كما في المسيحيّة واليهوديّة، هي التّوحيد. فلا شيء مثل الله، وهو الإله الواحد الأحد؛ ولا إله إلاّ هو. إنّه الكمال المطلق، المتعالي فوق الجميع. ليس له شبيه ولا ند، ولا ضدّ. لا بدء له ولا نهاية. إنّه الصمد الذي لا يدنو منه كائن؛ الذي لم يلد ولم يولد.
2 . غير أنّ الاختلاف في ما بين المسيحيّة والإسلام، يكمن في علاقة الله مع العالم. هذه العلاقة، في المسيحيّة، ليست صَمديّةً، متعاليةً، أحديّةً، إلى الحدّ الذي يقول به الإسلام: فاللهَ-في-ذاته، هو نفسُه في المسيحيّة والإسلام؛ أمّا اللهَ-في-علاقته-مع-العالم يختلفُ اختلافاً جوهريّاً بين ما هو في المسيحيّة وبين ما هو في الإسلام.
ففي المسيحيّة، أوحى اللهُ بذاته، عبر التّاريخ، ثمّ ظهر، في ملء الزمن، ثالوثاً من أبٍ وابنٍ وروحٍ قُدُسٍ. أرسلَ الأبُ ابنَه إلى العالم، مولوداً من امرأةٍ بواسطة روح القدس. وبهذه الولادة، أصبح اللهَ-معنا، عمّانوئيل، قريباً منّا، حالاًّ فينا، ساكناً بيننا، مُحبًّا لنا، يُشاركنا في طبيعتنا، لنشاركَه في طبيعته الألهيّة.
لقد جاء الله العالَمَ ليخلّص الإنسانَ من شرِّ ذاته؛ ومن قساوته على ذاته؛ ومن شرائعَ أنزلَها باسم اللهِ، فقيّد بها نفسَه، وقضى على نفسه بنفسه، وأساءَ إلى حرّيّته التي هي عنوان كرامته. بواسطة يسوع المسيح، أعاد الله للإنسان حرّيّته، وخلّصه من ذاته، وأعطاه روحَه القدّوس ليقدِّسَ به ذاتَه وحياتَه وأعمالَه، وينتصر على كلِّ شرٍّ طغَى عليه من قِبَل ِذاته.
3 . هذه الحقيقة بعيدة كلّ البعد عن التوحيد الإسلامي المطلَق. وليس على المسلمين، في معتقداتهم جميعِها، أن يقبلوا بالمسيحيّة التي وَحّدت بين اللاّهوت والنّاسوت، وشاركت اللّهَ والإنسان، وآنستْ بينهما، واعتبرتْهما مرتبطَين ارتباطاً كونيّاً وثيقاً، بواسطة تجسّد المسيح ابن الله، والمسيح-الإفخارستي.
4 . وبالنتيجة، إنّ تعاليم هذه السّورة، باعتبار الله-في-ذاته، هي نفسُها في المسيحيّة والإسلام. أمّا باعتبار الله-في-علاقته-مع-العالم، فالاختلاف بينهما كبيرٌ وكبيرٌ جدّاً.
----
1 أنظر: 37 /152؛ 23 /91؛ 43/ 81؛ 2/ 116؛ 10/ 68؛ 18 /4؛ 19/ 88 و91 و92؛ 21 /26؛ 25/ 2؛ 39/ 4؛ 72 /3.
2 أنظر أيضاً: مز 89/ 9؛ باروك 3 /36؛ مز 86 /8؛ أشعيا 40 /8؛ 46 /5؛ 44/ 7/ 40 /15؛ 43 /10-12...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال