الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الإيمان بالله بمفاهيم العلم والاجتماع

سامر أبوالقاسم

2006 / 5 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في بلد كالمغرب، قد يبدو غريبا بعض الشيء تواجد حركية متطرفة ومنغلقة لمجموعات التيار السياسي الديني، بالنظر إلى التميز الذي يطبع هذا البلد، سواء بموقعه الجغرافي أو مساره التاريخي أو طبيعة وشكل تفكيره، المختلف عما عرفته وتعرفه المجتمعات الشرقية، التي تجمعنا بها علاقة اللغة والدين. وهو ما يدفعنا إلى اعتبار هذه الظاهرة من المشاكل التي تم تصديرها لنا من المجتمعات الشرقية التي "لنا معها بعض القواسم المشتركة" بدوافع وأسباب متعددة.
فالمغرب كان منبعا من منابع الفكر الإسلامي في مختلف المجالات العلمية والفقهية، وفي كافة النواحي المتنوعة من اجتماع وسياسة واقتصاد وتربية ...إلخ، لكن استيعاب مفاهيم الدين الإسلامي وقيمه الأساسية في المغرب، كان مختلفا بشكل كبير عن الطرق والكيفيات التي كان يتم بها الاستيعاب داخل المجتمعات الإسلامية الشرقية، بحيث كان هناك نوع من التفرد على مستوى التحلي بخصائص من قبيل: الانفتاح على مختلف تجارب الحضارات والثقافات المجاورة للمغرب، والتفاعل معها، وهو ما كان يشكل مصدر غنى وثراء، وباعثا للاجتهاد قصد التعاطي مع الإشكالات التي تطرح في سياق التلاقح، ولم يكن ذلك قط في تاريخ المغرب مسخا لهويته المتعددة الأبعاد، ولا طمسا لمعالم حضارته وثقافته المتنوعة، أو أي شيء من تلك النعوت المشينة التي تعود أصحاب التيار السياسي الديني على إلحاقها بالتجربة المغربية.
وضع التفرد والتميز هذا هو الذي ساهم بشكل كبير في بروز أعلام فكرية وفقهية متميزة في تاريخ الغرب الإسلامي؛ كابن رشد، وابن حزم، وابن خلدون، والقاضي عياض... وغيرهم كثير، فقد اجتهدت هذه الأعلام في إطار التلاقح الحضاري والثقافي، دون أن يطرح إشكال التشبث أو الانغلاق على المرجعية بالحدة التي طرح بها في الآونة الأخيرة من قبل التيار السياسي الديني.
اجتهدت هذه الأعلام في إطار الشروط السوسيوثقافية المغاربية، وأفادت من الفكر الإنساني الذي اتصلت به، من خلال العلاقة مع المجتمعات الغربية القريبة جغرافيا، والتمست منه كافة أساليب ومناهج النظر، وبذلك استطاعت العمل على تجاوز كل ما كان سائدا في الشرق والغرب، دون أن يعمل هذا الفكر الإنساني على مسخ هويتها أو تحطيمها أو إدخالها في بوتقة انشغالاته، أو يصهرها في ثقافته، أو أي شيء من هذا القبيل. والآن حين نستعرض أعمال مفكرينا نجدها متعددة في العمل والفهم والتصور والاستنتاج، لكنها متماثلة في السلوك والخلق، الخلق المتمثل في السعي في طريق الحصول على بعض خيوط الحقيقة، لا ادعاء الحصول على الحقيقة ذاتها، وفي التواضع البعيد المدى، والتحقيق الصادق، وذكر فضل السابقين والمعاصرين، حتى ولو لم يكونوا مسلمين. وهو للأسف ما أخذنا نفتقده بفعل "ثقافة السب والشتم" التي يعمل على تسييدها التيار السياسي الديني بدوافع سياسية ومصلحية ضيقة.
والتاريخ اليوم يؤكد أنه بالقدر الذي يُفسح المجال للاجتهاد في إطار التلاقح، بالقدر الذي يصبح فيه الفكر الإسلامي فكرا منتجا، بل ومؤثرا في تطوير آليات التفكير الإنساني عموما، وقادرا على تسييد أفكاره وابتكاراته وقيمه على المستوى الدولي والإنساني، وبالقدر الذي يُسد أفق الاجتهاد في إطار التقوقع على الذات، بالقدر الذي يصبح فكرا كسولا قابلا للاختراق عبر آليات تفكير مستجدة، وعبر قيم إنسانية نبيلة، دون أن يكون مسهما في بلورتها، ولا في اعتناقها، وقد يصبح مناهضا لها باسم الإسلام، وهو حال جماعات التيار السياسي الديني.
لذلك، لا يسعنا القول سوى أن المغرب لا يزال قادرا على العطاء، وعلى الكشف عن أحداث العصر ووقائع الحاضر ومطالع المستقبل، ولا زال الفكر المغربي قادرا على الحفاظ والدفاع عن طابعه الخاص المميز؛ الإيمان العميق والراسخ بالله، إلى جانب تعميق مفاهيم العلم والاجتماع وأدواتهما، وهما مساران غير متعارضين ولا متناقضين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah