الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية حرية تقدم ومستقبل

صليبا جبرا طويل

2019 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقدم الحس الوطني المتحرر من كل
القيود، على الحس الإيماني، نحافظ
على قدسية رسالة الدين ، وسمو
المواطنة.

الانسان مركب من عدة هويات. لكل منها دور في بناء شخصيته، واداءه على المستوى الانساني. على الكرة الارضية هو فرد في الاسرة البشرية، ومواطن في دولة تقع ضمن قارة جغرافية. يعيش في دولة تتعدد فيها الهويات، منها الدينية، الطائفية، القبلية، الحزبية، الجندرية، الثقافية، العائلية... الخ، لتفرزه، لتصنفه، لتخضعه بدورها لقوانينها ودستورها واعرافها الاجتماعية. يعتمد استقرار المجتمع، ونضجه الفكري الفني والثقافي، وتقدمه العلمي، على حجم الحريات الممنوحة لمواطنيه، وعلى الاولوية الممنوحة للهوية التي يركز عليها نظام الحكم. لذلك نجد التشدد وغياب الحريات في دول تضع الاولوية للهوية الدينية، وهامش اكبر في تلك التي تركز على المواطنة خاصة في مجتمع علماني.

أنظمة الحكم في العالم تقع بين الحاكمية لله والحاكمية للبشر. بين نظام ثيوقراطي – يستمد شرعيته وسلطته وقوانينه مباشرة من الإله- ، ونظام علماني – قوانينه ودستوره يضمنان حيادية دينية ويعامل جميع مواطنيه بالمساواة بغض النظر عن انتمائهم الديني.

حروب، ونزاعات، وصراعات البشر عبر التاريخ، بدأً من الفرد، مرورا بالقبيلة، وصولا للدولة، ليست كما ينسبها البعض الى أمور دينية. هي ليست مع، أو من، أو بسبب وجود، أو عدم وجود الله. مشاكلهم لا تتعلق بأسباب إيمانية أو غير إيمانية، إلا في حال تجيرها لإخضاعها لمصالح ولاحتياجات منفعية ذاتية خاصة على المستويين المحلي والعالمي. منذ فجر التاريخ النزاعات قامت لتوفير حاجات الانسان للبقاء، واستمرت حتى بناء الدول الحديثة المعاصرة. ما الغزوات والحروب إلا للاستحواذ والسيطرة على خيرات العالم، مصادر الطاقة كالنفط اكبر مثال على ذلك.

في العالم العربي، الحكم يصنف ضمن أحد الأنظمة الاتية: أولاً- ثيوقراطي. ثانياً- ملكي: حكم شخص واحد يستمر حتى الممات ثم يورث غالبا للأبناء الذكور. ثالثاً- جمهوري: يتم اختيار الحاكم من قبل الشعب، أو من قبل البرلمان المنتخب. رابعاً - ديكتاتوري: حكم شخص واحد، يملك كل السلطات في يده بشكل مطلق دون التقيد بالدستور او القانون الداخلي للدولة. خامساً – ديموقراطي ( حكم الشعب): الحاكم يستمد فيه صلاحياته من قبل الشعب، حيث يكون فيه الشعب شريك فعلي في إدارة شؤونها .

في العالم العربي الرئيس يعد زعيم وخليفة، يستمد قوته من الهرمية السياسية ومن رجال الدين. معظمها ان لم يكن جميعه، تتميز عن غيرها من الدول هو وجود بند في الدستور يحدد دين الدولة ( اسلامية )، والشرع الاسلامي احد مصادر قوانينها. بذلك تصبح الدولة شخصية اعتبارية ( أي دولة اسلامية)، كل الدول العربية حافظة على اسمائها القديمة تاريخيا دون اتباعها بكلمة اسلامية على المستوى العالمي، لكنها مدركة محليا. بذلك يكون لله دور بارز في الحاكمية، لهذا ضبابية تغطي نظام الحكم، حيث انك لا تمييز ان كان خضوعك لنظام ديمقراطي أو ديني؟ كما ويسهل على الحاكم التلاعب بالقانون حسب ضرورة الموقف. لهذا بإمكاننا القول ان التيارات ( الاحزاب ) الدينية اكثر وضوحا لأنها تحدد فلسفة نظام حكمها، لكن يحسب عليها فقرها الى وضع صيغ لطروحات معاصرة، كونها ادرى بشؤون دينها ، من دنياها.

كمحصلة لما سبق نستنتج ان الهوية الدينية هي الغالبة بالرغم من عدم وجود خانة للديانة على الهوية. الهوية الدينية تقسم الناس الى طوائف متعددة حتى دون الاشارة للطائفة، الطوائف الاسلامية بسبب أغلبيتها العددية في اوطانها، تتزاحم، وتتصارع، وتتقاتل من اجل السيطرة على الحكم، مثال سنة وشيعة، دون الخروج بإنهاء الازمة التي مر عليها قرون كثيرة. هذا يذكرنا بالحروب الدينية التي مرت فيها اوروبا، التي استمرت بصورة متعاقبة لمدة مئة وواحد وثلاثين سنة بين عامي ( 1517 – 1648)، يتضارب تقدير عدد ضحاياها بين 3 مليون الى 11.5 مليون انسان. قامت هذه الحروب بسبب الطغيان الكنسي، والصراع بين الكنيسة والعلم، ظهر مفكرين - سبينوزا، جون لوك...الخ – يطالبون بالحد من دور الكنيسة، وفصل الدين عن الدولة - الكاتب الانجليزي جورج هولويك أول من اطلق مصطلح " العلمانية" عام 1851. العالم العربي مليء بالمفكرين المبدعين الذين يدفعون نحو المعاصرة، لكن وجود طغمات تؤخر وترفض افكارهم، لتمنع كل تغير لا يتوافق مع مصالحها، وايضا وجود عامل سلبي اخر يتمثل في ضخامة حجم الامية الثقافية ، الذي تلعب في تكوينه السلطات الحاكمة عن طريق وضع اشتراطات وقوانين حظر – جنايات - على الكتب ومنعها من التداول بين مثقفيها .

يعيش الانسان مهما كان انتماءه الديني في دولة نظامها ديني أو علماني عن طيب خاطر. لكن العيش في أنظمة تقع بين هذين النظامين فيه نوع من الخطورة على الاحزاب السياسية والاقليات الدينية والعرقية خاصة عندما يحدد دين للدولة، وبأن على الاقلية احترام قرار الاغلبية، أو تقييد الحريات الخ....هذه المخاطر هي من ساهم في دفع المواطنين للهجرة.

في عالمنا العربي، الانتخابات تجري بصورة ديمقراطية، لكنها لا تفرز حكومة ديمقراطية، بل حكومة اقرب الى الدكتاتورية. – ننتخب ديمقراطيا عبر صناديق الاقتراع لنجيء بحكومة دكتاتورية يكون فيها الحاكم رئيس دولة وخليفة. للخروج من هذا المأزق، ولأجل الاجيال القادمة علينا ان نتوجه نحو بناء مجتمع علماني, في الحكم العلماني لا يلغى الدين ولكن الفكر الديني لا يدخل بشراكة سياسية، بل اعمق من ذلك بشراكة اجتماعية قوية، ليولد بذلك تنوع ثقافي. بالرغم من هذه الحرية فان اللاوعي لدى المكونات الاجتماعية المهاجرة من العالم العربي ما زال يرفض ذلك. لهذا نشاهد سلوك اتباع كل دين يختلف عن الاخر لان الثقافة التي تلقاها الانسان من صغره تلعب دورا رئيسيا مما يسبب له اشكاليات في الاندماج مع المجتمعات الجديدة بالرغم ان مجتمعه السابق اكثر انغلاقا – صراع داخلي يتولد لديه بالرغم ان اختاره في البحث عن حياة افضل... فهل سيتمكن من التنازل عما تعلم بالرغم انه يرفض مجتمعه السابق؟

الشعوب التي تعتمد على تحرك الالهي للتغير اكثر من تحركها ذاتيا مع التوكل على الله لإحداث التغيير تعيسة، لأنها لا تدرك قيمة العقل الذي وهبه الله – سبحانه وتعالى - للإنسان ليستخدمه بشكل انساني مطلق ويسخره للأبداع والازدهار والتطور على المستوى الكوني.

طالما لا يتقدم الحس الوطني، على الحس الديني والحزبي، سيبقى التغير يعشعش في مستقبل النسيان. لذلك كل ثورات، وحركات التحرر نتائجها تكون فاشلة، مدمرة لا قيمة لها في اوطان لا تبحث عن وجود حر لأبنائها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah