الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضريبة اختيار الدعوة إلى التجديد والانفتاح

سامر أبوالقاسم

2006 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس بإمكان المتتبع للشأن الديني والتديني بالمغرب القفز على التساؤل الذي يراوده بين الفينة والأخرى، بخصوص واقع الانغلاق المتمترس وطموح الانفتاح المتفجر. فالانغلاق والانفتاح يتجاذبان اليوم اهتمام الجميع، ويتنافسان على مستوى إمكانية الاستمرارية أو التجديد، وبالتالي محاولة العمل على تسييد المنطق الذي يستند إليه كل واحد منهما.
والتساؤل، الذي ما فتئ يلقي بظلال ثقله على مسرح النقاش الدائر على مستوى قضيتي التحديث والتدين، يتمثل فيما إذا كان الإسلام يفرض علينا التقوقع والانغلاق على ذواتنا كمغاربة، والتحجر لتخلفنا مجتمعا ودولة، والتموقع في صفوف الرفض لكل عمليات الانفتاح والتعايش والتلاقح مع مختلف تجارب الشعوب والأمم المتواجدة في قلب عصرنا الراهن، وعدم التعامل مع كل ما تنتجه البشرية، بمختلف ألوانها وأشكالها وأصنافها، من قيم وعلوم وتقنيات وأنماط عيش..إلخ، أم أن الدين الإسلامي هو عبارة عن رسالة إلهية، الغاية منها الهداية والإرشاد للتوجه إلى الله وإخلاص العبادة له وحده دون سواه، وهذه الرسالة تفرض علينا، كمسلمين وكمنخرطين في صلب هذا الاعتقاد، الإسهام بشكل فاعل وإيجابي في بلورة القيم الحقوقية والإنسانية، وصياغة القواعد القانونية على المستوى الدولي.
بمعنى آخر، في ظل هذا الواقع المستعصي على الفهم من جهة، والموسوم بدرجات من التعقيد من جهة ثانية، والمتطلب لإعمال آليات التفكير والاجتهاد بغرض البحث عن حلول للمشاكل والقضايا المختلفة المطروحة، والتي تشكل عنصرا من عناصر الإكراه الذي نعيش على إيقاعاته في العقود الأخيرة من جهة ثالثة، يمكننا التساؤل: هل هناك في الإسلام، من نصوص شرعية أو مقاصد تشريعية، ما يدعو إلى/أو يفرض التحجير على مختلف الطاقات الاجتهادية الكامنة في الأفراد والجماعات، والانتقاص من القدرات والكفاءات المعرفية والعلمية والتكنولوجية المتنوعة داخل المجتمع، وغبنها في الحقوق المتعارف عليها في عصرنا، أم أن الأمر يتعلق ـ فقط ـ بالفهم البشري الأحادي للنص، والنظرة التهميشية ذات الجذور المرتبطة بالأعراف والتقاليد المجتمعية لمختلف الطاقات والقدرات والكفاءات في المجتمع المغربي؟
أوَ ليس هناك ما يدعونا انطلاقا من إكراهات ومتطلبات وتحديات الواقع المعيش، ومن منطوق ومفهوم النصوص الشرعية، ومن أهداف وغايات الفكر المقاصدي، إلى إعادة النظر في وضع الاجتهاد الفقهي والقانوني، بغرض حل المشاكل في إطار ما تراكم داخل المنظومة الإسلامية المنفتحة والمتنورة، وكذا في إطار التلاقح والاستفادة مما تراكم لدى الحضارات والثقافات الأخرى، والمتمثل أساسا في العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية، المكثفة لمجموع القيم والكفايات المطلوب احترامها وترسيخها وتنميتها؟
وفي اعتقادنا، فإن دعاة الانغلاق والتقوقع على الذات، سواء كانوا محسوبين على ذوي الامتيازات الريعية في العقود السابقة أو كانوا مصنفين ضمن ذوي القربى لخانة التيار السياسي الديني، هم غير مستعدين لاستيعاب ما يقع من تطورات مرتبطة بحجم الإكراهات والتحديات والطموح على الصعيدين الدولي والوطني، لذلك فدعوتهم وإن لم تكن مسنودة بمعطيات التحليل الموضوعي للواقع، ولا بمنطوق ومفهوم النصوص الشرعية، ولا بما يمكن أن تقتضيه المقاصد التشريعية العامة أو مصالح الناس داخل هذا المجال الإقليمي الذي نتعايش فيه، في حال إحساسها بقرب خسران المعارك لصالح دعوات الانفتاح، فستعرف نوعا من الشراسة في الدفاع عن نفسها، لأنها ببساطة محكومة بمنطق الدفاع عن مصالح وامتيازات أصحابها.
ولأي ديمقراطي في هذه المرحلة أن يتصور حجم المخاطر الكامنة في التخندق ضمن دعاة الانفتاح والتلاقح والتعايش...، وله أن يدرك أن الأمور ليست بتلك البساطة التي اعتاد أصحاب التشكيك المطلق على نشرها وترسيخها، كما عليه - وبالضرورة - أن يكون مستوعبا لطبيعة وشكل الصراع الذي يتخذ طابع المنافسة على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وهو صراع أو منافسة قد تصل إلى حدودها المادية؛ أي أنه من غير المستغرب أن تصل إلى درجة التصفيات الجسدية.
فهل سيكون الشعور بالتموقع، بين التشكيك في نوايا الدعوة من جهة، وبين التهديد المباشر للتراجع عن الدعوة، سببا في ثني البعض عن مواصلة الطريق؟ نعتقد أن هذا يدخل في باب التحديات التي من المفروض أن تتم مواصلة رفعها في المرحلة، ولكل اختيار ضريبة، وضريبة هذا الاختيار هو إمكانية السقوط في الحسابات الضيقة لدعاة الانغلاق والتقوقع على الذات، بدوافع مصلحية وامتيازية بادية للعيان.
وعلى الدولة والأحزاب ومختلف الفاعلين المدنيين أن يدركوا حجم الخطورة الكامنة وراء ترخيص الممارسة السياسية المتمسحة بلبوس دينية. وعليه وجب إعمال القانون من جهة، وحماية سيرورة الدمقرطة والتحديث ودعمهما من جهة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah