الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقيدة الأشعرية ومفهوم الإرادة الإنسانية

سامر أبوالقاسم

2006 / 5 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل إنجاز النقلة التاريخية المتوخاة، أو ما يصطلح عليه اليوم بالانتقال الديمقراطي، مرتبطة بالأبعاد المتعددة للديمقراطية والتنمية، وفي القلب منها خدمة الحق في الحياة والأمن والاستقرار، أم أنها متعلقة فقط بمبرر "التحصين الذاتي" ومسوغ " خدمة الأمن والاستقرار" على حساب العدل والإنصاف والمساواة؟
لذلك فإن الدعوة إلى المزيد من الانغلاق والتقوقع على العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والسلوك الصوفي، في عصرنا هذا ومغربنا هذا، لا تدخل ـ حسب اعتقادنا ـ سوى في هذا الإطار التبريري المحكوم بالعديد من الهواجس السياسوية والمصلحية الضيقة.
هنا تطرح علامة استفهام كبيرة حول الهاجس المرتبط ببناء وظيفة للمنتج والفاعل في الحقلين الفكري والسياسي؛ فهل هي وظيفة هادفة إلى خدمة التنمية والديمقراطية والتحديث، ذات علاقة بالخيارات والتوجهات الراهنة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، أم هي وظيفة تتغيى كبح جماح التغيير والتجديد على مستوى البناء المنهجي والموضوعاتي لأهم القضايا والإشكالات المطروحة في واقع عيشنا الراهن، بما يرتد بنا إلى الخلف على مستوى التطور التاريخي؟
وبهذا المقام، يمكن القول إن ما يشاع عن وسطية واعتدال المذهب المالكي على المستوى الفقهي، هو نفسه الذي يقال عن أن الأشعري جاء بمنهج وسط بين المعتزلة والحنابلة على المستوى العقدي، أي بين التطرف في استعمال العقل، وبين الانغلاق الكلي على النقل. فهل يمكن اعتبار هذا كاف لتبرير اعتماد العقيدة الأشعرية عقيدة رسمية بالمغرب؟
فإذا كان الفكر الاعتزالي قد باشر قضية الإرادة الإنسانية عن طريق تحديدها، وكيفية العلم بها، وتوضيح علاقتها بالمراد والاختيار، وذكر أهمية القول بالاختيار، وتبيان العلاقة القائمة بين الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية لتأكيد استقلالية الإرادة الإنسانية وعدم مشاركتها للإرادة الإلهية، فإن الفكر الأشعري كانت مباشرته للقضية من باب إطلاق المشيئة الإلهية؛ التي تحمل في طياتها نظرية الكسب، ذات المرتكزات الأساسية المتمثلة في خلق الأفعال والاستطاعة، وبذلك وضعت القضية تحت محك تمثل التعارض والتناقض بين المشيئة الإلهية والإرادة الإنسانية. ولعل أهم ما دفع الأشعري إلى مثل هذه الخلاصات هو تأسيس منهجه بالارتكاز على نقطتين:
• الاعتماد على "نصوص الشرع" أولا وضرورة، قبل أية محاولة لإعمال العقل. ويبدو أنه أعطى الأولوية للنقل ( النصوص الشرعية ) على العقل ( طرق ومناهج ووسائل التفكير المواتية لطبيعة وشكل العصر ) وعلى الواقع ( مجموع الأحداث والوقائع، وكذا الإكراهات والتحديات والطموحات )، لأنه ـ في نظره ـ إذا رجح كفة العقل أو النظر إلى الواقع صار كأولئك "الذين استبدلوا العقيدة بالعقل وماديات الحياة الدنيا"، كما اشترط علاوة على ذلك أخذ النصوص على ظاهرها، دون العمل على سبر أغوار مدلولات مفاهيمها ولا مقتضياتها، ودون التعامل مع النصوص بموجب تطورات الواقع المتحرك والمتغير.
• عدم إجازة قياس الغائب على الشاهد فيما يتعلق بالقضايا الإلهية، إذ لو جاز ذلك ـ حسب الأشعري- لتم السقوط في قضية التشبيه والتجسيم، وما عسى أن يكون الدين إذا استباح الإنسان لعقله أن يخوض في كل فعل أو أمر إلهي، إذ أن ذلك يتنافى تماما مع مفهوم الإيمان.
هذه الأرضية العامة على المستوى المنهجي ـ بصورة تقريبية ـ هي التي أعطت للأشعري الفرصة لنشر مذهبه. وما يهمنا نحن في هذا المقام هو كيفية معالجة الأشعري ومن تبعه لقضية الإرادة؛ الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية وكل ما يتعلق بهما.
إن إطلاق المشيئة الإلهية في الفكر الأشعري إلى حدود المس بالإرادة الإنسانية وجعل الإنسان مجرد آلة صماء تؤدي أدوارا مرسومة لها ومخطوطة على جبينها، وإن إيمان الأشاعرة وتسليمهم بأن أفعال الإنسان كلها مخلوقة لله، وما الإنسان إلا مكتسب لها، كل ذلك يعد سلبا للفاعلية الإنسانية الحقة، وتصييرا للإنسان مجرد كم مهمل، وإهمال الإنسان كفرد ذي طاقة نفسية دينامية تحركه نحو القيام بفعل معين، رغم تسليم الباقلاني بنظرية الأحوال.
هذا المنحى الأشعري في التعاطي مع قضية الإرادة الإنسانية هو الذي يجعلنا نوجه سهام النقد إليه باعتبار استحالة خدمته للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah