الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخ العقيد يصدر التطرف إلى إفريقيا!

جوزيف بشارة

2006 / 5 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أتحفنا العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية بخطبة دينية مفعمة بالتطرف ومليئة بالكراهية في الاحتفال بمناسبة المولد النبوي بالعاصمة المالية باماكو. لم يكن غريباً أن يقوم القذافي بالقاء خطبة في إحدى المناسبات الدينية، فقد عودنا الرجل طوال فترة حكمه التي بدأت عام 1969 على إظهار مواهبه كزعيم فذ وقائد من طراز فريد من خلال محاولاته القيام بأدوار السياسي المحنك والفيلسوف الحكيم والمصلح الإجتماعي الواعي والداعية الديني الملتزم. ولم يكن غريباً أن يخرج علينا "الأخ العقيد" بنظرية جديدة تتلخص في أن يسمح للمسيحيين بزيارة الأماكن المقدسة للمسلمين، فكثيراً ما أعلن الرجل عن نظريات عبقرية وأفكار ملهمة عبر عن بعضها في "الكتاب الأخضر" مثل الحكم الجماهيري أو التي عبر عنها في إطار ممارسته لسلطاته كقائد لليبيا مثل مشروع "النهر العظيم" و"إسراطين" والوحدة الأفريقية وغيرها. لكن الشيء المثير الذي جاءت به خطبة القذافي تمثل في الهجوم الحاد على المسيحيين وعقيدتهم وكتابهم المقدس، ودعوته لرسم السيد المسيح مرتدياً عمامة على هيئة قنبلة ذرية بصحبة نساء عاريات للرد على الرسومات الدنماركية التي اعتبرت مسيئة للإسلام. أعلم ان المسيحيين لم ولن يعيروا الخطبة "القذافية" أية أهمية، لأن أحداً لا يأخذ مطلقاً على "الأخ العقيد" الغريب الأطوار، فالمسيحيون ليسوا الضحايا الأوائل أو الوحيدين للقذافي، من قبلهم كان ولا يزال الشعب الليبي رازحاً تحت حكمه الاستبدادي.

سؤال ملح ظل يطوف بذهني طوال الأيام الماضية حول مغزى اختيار الأخ للعقيد العاصمة المالية باماكو للكشف عن وجهه المتطرف الذي لا يختلف عن كل الوجوه المتطرفة التي تطل علينا عبر وسائل الأعلام لتنفث سموم الكراهية والتعصب. الإجابة الوحيدة التي توصلت إليها كانت تتلخص في أن "الأخ العقيد" الذي فشل وحدوياً قومياً وناشطاً عربياً يسعى للنجاح أفريقياً. لم يجد القذافي وسيلة لنشر أفكاره الهدامة سوى عبر تبني الخطاب المتأسلم المتطرف في مخاطبة الوجدان الديني للمسلمين الأفارقة. لقد أدرك الرجل الدور الحيوي الذي يلعبه الدين في حياة الشعوب وبخاصة الفقيرة منها فقرر ليس فقط التمسح بالدين بل أيضاً ارتداء ثوب الداعية الديني المتطرف. لم يقم القذافي بدور الرئيس المؤمن - الذي سبق وأن لعبه من قبل الرئيس أنور السادات في مصر والرئيس صدام حسين في العراق - من خلال أسلمة المجتمع الليبي وفتح الطريق أمام المتأسلمين لنشر تطرفهم في ليبيا، ولكنه قرر القيام بدور الداعية المتأسلم في أفريقيا الفقيرة المتضورة جوعاً من خلال إهانة ومهاجمة عقائد الأخرين وعلى رأسهم المسيحيين.

تكمن خطورة خطبة القذافي في أنها وجهت إلى الشعب المالي المسلم المتسامح، وتحرضهم على الكراهية وتبني وجهات نظر ورؤى متطرفة. لمن لا يعلم فالمجتمع مالي يعد من الحالات النادرة التي تتسم بالديمقراطية والاعتدال بين المجتمعات الأفريقية والعربية والإسلامية. مالي دولة يسكنها ما يقرب من اثني عشر مليون نسمة؛ 90% منهم يدينون بالإسلام، 5% يدينون بالمسيحية، و5% يدينون بديانات أفريقية محلية. تتميز مالي عن غيرها من الدول الأفريقية بالتسامح الذي يسود بين أتباع الديانات والأعراق المختلفة. لا يكاد تقارير لمنظمة دولية لحقوق الإنسان يخلو من الإشادة بالحريات المدنية والحقوق السياسية التي أفضت إليها التجربة الديمقراطية في مالي التي بدأت عام 1991 بعد الإطاحة بنظام الدكتاتور موسى تراوري، إذ تضع هذه التقارير مالي في مرتبة الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان، رغم الفقر والإيدز والمجاعات، مانحة إياها تصنيفاً متقدماً يفوق كافة الدول العربية والإسلامية.

ترى ماذا كان الدافع وراء خطبة القذافي؟ أهو الحقد على شعب حر متسامح رغم فقره الشيديد، أم أن القذافي كان يريد تصدير الامراض المستعصية التي تعاني منها مجتمعاتنا إلى المجتمعات الصحية السليمة في أفريقيا؟ الشيء اللافت للنظر أن بعض فقرات خطاب القذافي المعادية للمسيحية قوبلت بتهليل وترحيب من الجموع الحاشدة التي استمعت للخطبة. فهل نجح القذافي بالفعل في بث الشقاق بين أبناء الشعب المالي؟ أخشى أن يقود التوجه الأفريقي لـ "لأخ العقيد" إلى تخلى النخبة الطيبة المعتدلة من شعوب القارة السمراء إلى التطرف والتعصب والكراهية، وأخشى أن يعرف التطرف طريقه إلى المجتمع المالي فيبدأ المتطرفون في شن حرب جهادية ضد الأقليات الدينية التي طعن "الإمام" القذافي في شرعيتها وسلامة عقيدتها خلال خطبته المسمومة.

كان أحرى بالقذافي – أقدم الحكام العرب وأكثرهم إثارة للجدل - أن يخجل من نظامه الدكتاتوري التعسفي أمام الشعب المالي الذي اختار الحرية والديمقراطية والتعايش السلمي. كان من الأفضل للقذافي أن يتعلم المعنى الحقيقي للتسامح الديني والعرقي من الشعب المالي الفقير بدلاً من أن ينشر أفكاره الدينية المتعصبة الهدامة. لم يكتف "الأخ العقيد" من النيل من الشعب الليبي المغلوب على أمره منذ سبع وثلاثين سنة، ولكنه بات يسعى للنيل من الشعوب الأفريقية الأخرى. إن أفريقيا اليوم بحاجة ماسة لمن ينقذها من الأفكار القذافية والتطرف، فالإلقاء بورقة التطرف الديني في المجتمعات الأفريقية الفقيرة كالإلقاء بعود ثقاب مشتعل في بئر نفط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah